investing.com - نجحت التكنولوجيا في أن تخلق الكثير من المصطلحات التي لا يفهمها معظم الناس، كالعادة يكره الناس ما لا يفهموه. وفي حين إن معظم الأفكار الرائعة هي الواقع بسيطة للغاية، إلا أن الخبراء دائما ينجحون في تعقيد الأمور.
إن الفكرة الثورية وراء تقنية البلوكتشين تكمن في عدم الاحتياج إلى النظام المالي الحالي، حيث يجب أن يمر كل شيء من خلال طرف ثالث أو وسطاء. غيرت صناعة التشفير هذا المفهوم من خلال ادعاءها أن يمكنها إزالة جميع الأطرف الوسيطة وقيام المعاملة بين طرفين فقط، البائع والمشتري.
وفي حين أن الطرف الثالث مكروه من قبل صناعة التشفير، إلا أنه قد قام بدور فعلا في النظام المالي الحالي، مثل دور المصارف في دفع الفواتير ونقل الأموال من طرف إلى آخر من خلال المصرف المركزي. ولأن النشاط المالي هو نشاط تجاري يعتمد على الثقة بشكل أساسي، يضحي الناس بدفع الرسوم الكبيرة في مقابل تحقيق مكاسب وإجراء تحويلات، مثلما يدفع المواطنين الضرائب ويوافقون على حق الدولة في احتكار مسألة النقود الورقية، في مقابل حمايتهم من المجرمين وتوفير خدمات مثل التعليم والصحة.
وقد قامت صناعة التشفير بتغيير هذا المفهوم، لأن ببساطة كل شخص يمتلك جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي متصل بالإنترنت يمكنه المشاركة في المعاملات المباشرة "P2P" دون وسيط. ولقد أصبحت هذه المعاملات المباشرة أكثر شعبية بعد الأزمة المالية العالمية في 2017، نظرا لأن الكثير من الناس فقدوا الثقة في البنوك والحكومات.
وبطبيعة الحال، تزداد معاملات "P2P" نظرا للتواجد الدائم لجانب الإنترنت المظلم، حيث يرغب الناس في تجنب الضرائب، الرقابة التنظيمية، أو فقط لجعل الأمور أكثر خصوصية. ومن جانبها تحتاج الحكومات لمراقبة الإنترنت بشكل قانوني، لمنع استخدامه لتمويل الأنشطة غير المشروعة مثل التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهابيين.
إن ما تعد به تقنية البلوكتشين هو "بروتوكول الثقة"، وهو عبارة عن تقنية غير قابلة للاختراق وتحسن الأمن، وتعمل البلوكتشين من خلال شبكة تمكنها من التحقق والموافقة على على كل معاملة أثناء انتقالها من دفتر أستاذ إلى آخر. ومن الصعب جدا اختراق جزء من السلسلة دون معرفة مفتاح التشفير في كل جزء من السلسلة، نظرا لأن النظام يقوم بالتحقق من المعاملة وتخزينها داخل كل سلسلة.
كما تعد هذه التقنية بإعادة اختراع الخدمات المالية، تحسين الاندماج الاقتصادي وريادة الأعمال، إعادة بناء الحكومة والديمقراطية، وحتى الثقافة الحرة.
أما بالنسبة للعملات الرقمية، فمنذ أن كشف ساتوشي ناكاموتو الغامض النقاب عن عملة البيتكوين في عام 2008، كان هناك تزايد في الاهتمام والتبني وإصدار عمليات طرح العملة "ICO" التي خلقت حتى الآن عملات رقمية بقيمة تصل إلى 600 مليار دولار.
وجمعت عمليات طرح العملة 4.5 مليار دولار أمريكي بين يناير 2017 وفبراير من العام الجاري، في ظل ادعاءات أن 80% من هذه العمليات احتيالية، وتعرض العديد من منصات تداول العملات الافتراضية للسرقة مثل سرقة 32 مليون دولار من منصة تداول في كوريا الجنوبية.
والآن وقد بلغ سوق التشفير هذا الحجم، انتبه محافظو البنوك المركزية والمشرعون الماليون أخيرا إلى إمكانات هذه التكنولوجيا الجديدة وتهديداتها. إذ تناول التقرير السنوي لبنك التسويات الدولية هذه الصناعة، موضحا أن الثقة في العملات الافتراضية يمكن أن تختفي في أي وقت بسبب هشاشة التوافق اللامركزي الذي يتم من خلاله تسجيل المعاملات. وبالتالي يمكن لهذه الأصول أن تتوقف ببساطة عن العمل، مما يؤدي إلى خسارة كاملة للقيمة بالنسبة للمستثمرين.
وفي حين أن تقنية البلوكتشين مهمة للغاية ويتم استخدامها لتحسين أمان البنوك الحالية وأعمال الصرافة، إلا أن الضجة حول كون هذه التقنية محولة للصناعات بأكملها والاقتصاد مبالغة كبيرة. وبمجرد أن يبدأ المشرعين في حظر وتفحص عمليات طرح العملة، سيتم كشف العديد من عمليات الاحتيال والتزوير، وسيتعرض المسثتمرين لخسائر كبيرة، لذا فمن الضروري أن يحذر الجميع من الانخراط بحماسة مفرطة في هذا السوق أملا في الثراء.