Investing.com - طوال تاريخ البشرية، قام البشر بتحديد قيمة جميع أنواع الأشياء من الأرز والجبن وحتى السجائر، ولا شيء من هذه السلع يعتبر "مال" بالطريقة التي تعرف بها العملات الورقية، فالعملات الورقية في شكلها الحالي هي مجرد فواتير قررت الحكومة أو السلطة المركزية أن يصبح لها قيمة، ثم بنت نظاما من حولها.
وإذا كانت العملات الورقية تحمل قيمة فقط لأن الحكومات قررت ذلك، فعندئذ إذا قرر البشر الابتعاد عن المصارف الفيدرالية ستتغير وجهة نظرهم المكونة عن الأموال.
ولدى العديد من المجتمعات روابط عاطفية قوية تجاه العملات المادية والنزعة الاستهلاكية التي تدفعهم لإنفاق هذه الأموال. وهناك جيل كامل تم إخباره بوضع مدخراته في البنوك وفي المقابل وعدتهم البنوك بفائدة مربحة مدى الحياة، ولكن كان سعر الفائدة بالكاد يحوم فوق الصفر لفترة طويلة، واقترن بالتضخم مع تآكل القوة الشرائية للأفراد.
وهناك فئة أخرى من الناس لا يمكنها المشاركة في هذا الاقتصاد، إذ تبلغ نسبة الأشخاص ذو الحسابات المصرفية نحو 47% وفقا لقاعدة بيانات البنك الدولي الخاصة بالإدماج المالي.
وعلاوة على ذلك، يعمل النظام المالي الحالي على الديون، ويتم إصدار غالبية الأموال الجديدة عن طريق إقراض الأموال التي لا نملكها للآخرين، وبعبارة أخرى نحن نحاول خلق نمو اقتصادي متواصل من خلال استخدام العملات التضخمية والتي تدعمها الديون.
ومع مرور الوقت، تطور الحكومات والبنوك المركزية موقف أقوى على الأفراد، ويزداد نفوذهم، وكرد فعل يحاول المواطنون إيجاد طرق أخرى لتبادل القيمة مع بعضهم البعض دون تدخل السلطات المركزية، خاصة مع تفاوت الثروات وازدياد عدد الفقراء يوما بعد يوم.
هؤلاء الناس المحرومين من المشاركة في النظام المالي الحالي لا يمكنهم الوثوق به، وليس لديهم ما يكفي من المال للتداول مع الآخرين الأكثر ثراءا منهم، أو حتى لشراء السلع والخدمات التي تعتبر خارج قوتهم الشرائية، ولذلك يبحثون عن طرق أخرى للتبادل، ومن هنا ظهر مفهوم الرموز المميزة.
إن الرموز المميزة هي تمثيل لأصل معين قائم على تقنية البلوكتشين، وهي أقل تعقيدا من العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثريوم، لأنها لا تتطلب إتشاء شبكة بلوكتشين كاملة، بل مجرد وضع بعض التعديلات على شفرة مفتوحة المصدر. والأهم أن هذه الرموز لا يجب أن تكون عملات لتمتلك قيمة هائلة فأي أصل مادي مثل العقارات أو المجوهرات يمكن أن يتم تحويله إلى رموز مميزة وتداوله برسوم منخفضة في وقت قصير جدا. كما يمكن للمجتمعات والشركات تصميم رموزهم الخاصة وتحديد قيمة التداول المرغوبة، وبالتالي يتم تحديد القيمة السوقية من قبل أولئك الذين ينشؤون قيمة للسوق.
وعلى هذا المنوال، يعود البشر إلى فترة ما قبل العملات الورقية عندما اعتمد النظام المالي على المقايضة، وهذه الرموز المميزة لا تحتاج إلى قيمة معينة من قبل كيان خارجي مركزي. أي أننا الآن نتبنى فكرة مماثلة لنظام المقايضة ولكن عبر منصات رقمية.