يقطع شلل الأسواق الشعرة التي تربط تجار حلب السنة بالنظام العلوي الذي يدفعون له الضرائب مقابل تأمين الاستقرار الاقتصادي ونظراً للخوف من انخفاض قيمة الليرة السورية بسبب ضعف الاستهلاك المحلي في مواجهة حملة الأسد لقمع المتظاهرين، فقد المستوردون في حلب الثقة في السوق الخاص بهم، وتبخرت الثقة التي سمحت لنظام الخميسات أن ينجح وأصبحت النقود هي سيدة الموقف.
والمواطنون السوريون العاديون يعانون في مواجهة الاقتصاد الهش، الذي يعاني بالفعل لاستيعاب إصلاحات السوق بعد عقود من حقبة التخطيط المركزي التي كانت سائدة إبان العهد السوفيتي، والذي يعاني أيضاً من تدهور خطيروبعد أن شهد الاقتصاد نمواً بلغ 3.5 بالمائة في عام 2010، يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السوري بنسبة 2 بالمائة هذا العام.
ومع ذلك، توقع خبير اقتصادي سوري بارز أن تصبح الأمور أسوأ من ذلك بكثيروقال جهاد يازجي رئيس تحرير تقرير سوريا، وهي أبرز مجلة اقتصادية شهرية في البلاد، إنه من المتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمائة هذا العام، ولن ينقذ الناتج المحلي الإجمالي من التراجع بدرجة أكبر سوى حقيقة أن النفط والزراعة اللذين يشكلان نسبة 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لم يتأثرا بعد بالانتفاضة.
وأظهرت الأرقام الرسمية للنصف الأول من عام 2011 أن الحكومة علقت كامل ميزانيتها الاستثمارية التي كانت تمثل 43 بالمائة من ميزانية الدولة السنوية التي تبلغ 16.7 مليار دولاركما أن عوامل مثل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، فضلاً عن انكماش النشاط التجاري مع الجارة تركيا، لا تساعد على تحسين الوضع.
ففي بلد زاد فيه الفقر المدقع على مدار السنوات الخمس الماضية منذ عام 2005، وذلك إلى حد كبير نتيجة سوء إدارة الجفاف المزمن، وحيث تتراوح نسبة البطالة بين 15 و25 بالمائة، كانت ميزانية الاستثمار تمثل ركيزة أساسية لخطة الدولة لخلق فرص العمل وتوفير الرخاء وتدعو الخطة الخمسية المقبلة لحزب البعث إلى استثمار 100 مليار دولار كان سيأتي نصفها من القطاع الخاص، ولكن هذا الأمر "غير مطروح الآن"، على حد تعبير خبير اقتصادي في دمشق كما تعرضت السياحة، التي تمثل عادة 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى أضرار كبيرة.
على الرغم من وجود احتياطي العملة الصعبة الذي قدره معظم خبراء الاقتصاد بنحو 17-18 مليار دولار، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار وضعت كوعاء مالي للدفاع عن الليرة السورية، فإن تكلفة إبقاء معدل التضخم منخفضاً لمدة 6 أشهر بدأت بوضوح تؤثر سلباً على الموارد المالية لسوريا وفرضت الحكومة في سبتمبر/أيلول حظراً على جميع الواردات السلعية التي تحمل تعريفة جمركية تزيد عن 5 بالمائة، وهي الخطوة التي اعترف وزير التجارة والاقتصاد بأنها تهدف إلى "الحفاظ على "احتياطي النقد الأجنبي".
كما ارتفعت أسعار القهوة والدقيق بنسبة 50 بالمائة، بينما ارتفعت أسعار السيارات، التي تعد باهظة بالفعل في سوريا بسبب فرض تعريفة جمركية تصل في المتوسط إلى 60 بالمائة، بنسب تتراوح بين 10 و20 بالمائة، حيث قام الموزعون بإفراغ صالات العرض توقعاً لمزيد من الارتفاع في الأسعارومن المتوقع ارتفاع سعر زيت التدفئة ـ المدعوم من الدولة والذي يستخدمه غالبية السوريين في تدفئة منازلهم خلال فصل الشتاء البارد ـ إلى أكثر من الضعف أي من 31 سنتاً إلى 78 سنتاً للتر الواحد، وذكر وزير التجارة والاقتصاد السوري نضال الشعار في أكتوبر/تشرين الأول أن الحكومة ألغت الحظر على الاستيراد بسبب المطالب المشروعة للمواطنين، حيث أن التداعيات السلبية للحظر فاقت ما كان متوقعاً.
www.nuqudy.com