خافيير مارتين
تونس، 13 أكتوبر/تشرين أول (إفي): يطلقون عليه في تونس "الروبوكوب" بفضل طريقة إلقاؤه الآلية والمنظمة، هو قيس سعيد الفائز باكتساح بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في البلد العربي الأحد، هو الرجل الذي لا يمتلك أي خبرة سياسية، ولكنه ينشد روح مسيرات "الربيع العربي" و"ثورة الياسمين" التي أطاحت في 2011 بنظام الرئيس الديكتاتوري زين العابدين بن علي، من منظور رجل ينتمي لتيار المحافظين الوطنيين.
هو ذلك الرجل الذي عندما يتحدث بلغته العربية الفصحي، يتبادر إلى الذهن مباشرة صورة الرجل النزيه والبسيط، البعيد تماما عن هيئة السياسيين التقليديين، فعرف كيف يظل بذكاء عبر الشاشات الصغيرة إلى قلوب التونسيين، ليحصد في النهاية على نسبة تقارب الـ75% من إجمالي الأصوات، متفوقا بأكثر من 50% على خصمه رجل الأعمال الشعبوي نبيل القروي الذي حصل على 27.47%..
الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري، الذي ظهر بثوب المنتقد بشدة للحكومة وللأحزاب السياسية في تونس، دخل المشهد الانتخابي دون ضجيج، وبدون ظهير سياسي من خلال حزب، ورغم ذلك استطاع أن يحصد النسبة الأكبر من أصوات الشباب الذين وجه لهم الشكر خلال كلمته للتونسيين عقب إعلانه رئيسا للبلاد لفترة رئاسية قادمة.
ومع إدراكه للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها تونس، وحالة الغضب المكتوم داخل نفوس الشعب من طبقة سياسية بعينها اعتادت الاستئثار بكل شيء، حتى أنها سلبت الأحلام التي خلفتها ثورة "الربيع العربي" قبل 8 سنوات، آثر صاحب الـ61 عاما اللجوء إلى البساطة وعدم التكلف في حملته، ليطرق أبواب وشوارع تونس، ويصل لقلوب المواطنين مباشرة ببساطة وبحكمة.
ولعل أبرز الأفكار التي يؤيدها المرشح المستقل هي تطبيق عقوبة الإعدام، ومناهضة المثلية الجنسية، فضلا عن الدفاع عن الشركات العامة، بالإضافة لشكوكه حول قضايا المساواة مثل القانون الذي يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث.
وبمنظور الزوج والأب المحافظ، يؤيد سعيد استمرار تطبيق القانون حول حالات الانتهاك الجنسي، الذي يعاقب غير المتزوجين، فضلا عن تطبيق نظام أكثر صرامة للصيام خلال شهر رمضان المبارك.
ورغم كل هذا، إلا أنه حقق مفاجأة كبيرة في الجولة الأولى عندما فاز بنسبة 18.7% من إجمالي الأصوات، غالبيتهم من الشباب، وعائلات من الطبقات الوسطى، حيث رآه الجميع رغم اختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم بعين واحدة وهي الصورة المخالفة تماما للسياسيين التقليديين.
ورغم عدم امتلاكه لمسيرة كبيرة في عالم السياسة، إلا أن هذا لم يمنع حزبا مثل "النهضة" الإسلامي، القوة الأكبر في البرلمان، أن يعلن تأييده له، بالإضافة للعديد من الأسماء التي خرجت من السباق من الجولة الأولى، وآخرها كان رئيس الوزراء نفسه ورئيس حزب (تحيا تونس)، يوسف الشاهد، الذي أعلن في آخر أيام الحملة الانتخابية أنه سيصوت "ضد الفساد"، في إشارة واضحة لرجل الأعمال الشهير وخصم سعيد في الإعادة، نبيل القروي.
وأطلق سراح رئيس قناة "نسمة" التليفزيونية، الذي اتخذ من هذا المجال ذريعة لتسلق سلم السياسة، يوم الأربعاء الماضي بعد شهر ونصف من وجوده داخل الحبس الاحتياطي بسبب شبهة التورط في قضايا تهرب ضريبي وغسيل أموال.
وبعد ثمانية أعوام من انتصار الثورة التي أبهرت العالم وأطاحت بديكتاتورية زين العابدين بن علي، ستبقى الرئاسة ورئاسة الحكومة والبرلمان ومعظم مجالس النواب بين أيدي التيار المحافظ. (إفي)