بنك الشعب بحاجة لتذكر الدرس الرئيس من العقد الضائع لليابان
في بداية العام، بدت الصين وكأنها مستعدة لانتعاش ملحمي في النمو الاقتصادي خصوصا أنها أنهت إجراءات الإغلاق المفروضة للتصدي لتفشي كوفيد.
وكان من المتوقع أن يؤدي انتعاش الطلب إلى ارتفاع معدلات التضخم داخل الصين وعلى النطاق العالمي، لكن بالرغم من ثبات الأسعار، يبدو أن الانتعاش الوشيك مهد الطريق لمحافظ بنك الشعب الصيني يي جانج للتقاعد بشكل كبير بعد خمسة أعوام من قيادة البنك المركزي لأكبر اقتصاد في آسيا.
لكن الأمور لم تسر كما هو متوقع، إذ يواصل النمو الصيني إثارة مفاجآت سلبية الأمر الذي يُعقد جهود الحكومة لتحقيق هدفها السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% تقريباً، فيما تتعرض أسعار المستهلك لضغوط معاكسة للتضخم إن لم يكن انكماشًا تامًا.
يمكن التوصل إلى استفسار محتمل بشأن انخفاض اليوان إلى ما دون 7 أمام الدولار الأمريكي، وهو انخفاض غير مرحب به بالتأكيد في المناخ الجيوسياسي الحالي بين الولايات المتحدة والصين، خاصة مع اقتراب إصدار وزارة الخزانة الأمريكية تقريرها نصف السنوي عن التلاعب بالعملة.
تراجع اليوان يعكس مخاوف المستثمرين بشأن ضعف قوة انتعاش اقتصاد الصين، فضلاً عن أنه يضع فريق محافظ البنك المركزي في مأزق، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
من ناحية أخرى، كلما ظل البنك المركزي على حاله مع استمرار انخفاض أسعار المستهلك والمصانع في السوق، كلما زاد بنك الشعب الصيني من تفاقم الحالة النفسية التي تؤدي إلى الحد من معدلات التضخم.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الدفع السريع للاقتصاد إلى تحفيز تسريع انخفاض اليوان وتحفيز المزيد من سلوك الإقراض السئ.
كل هذه الأمور معقدة بسبب عوامل خارجة عن سيطرة يي، إحدى هذه العوامل يتعلق بلعب بنك الشعب الصيني دور ذراع الحزب الشيوعي الصيني أكثر من كونه وسيطًا مستقلاً، وبالتالي يتعين فحص السلطات لأي خطوة كبيرة متخذة من جانبه.
إضافة إلى أن أي انخفاض إضافي في سعر الصرف في الصين سيتعارض مع دورة الانتخابات الأمريكية لعام 2024، ومع احتدام المنافسة على الرئاسة والكونغرس، أصبحت المشاعر المعادية للصين قضية نادرة يتفق عليها معظم الديمقراطيين والجمهوريين.
ومع ذلك، يتعين على يي جانج، تذكر الدرس الرئيسي المستفاد من صدمة الانكماش الاقتصادي الطويلة في اليابان، وهذا الدرس هو ضروة تصرف صُناع السياسة بجرأة وفي وقت مبكر.
في المقر الرئيسي لبنك اليابان في طوكيو، ربما اعتقد محافظ البنك المركزي الجديد كازو أويدا أن مهمة يي أسهل، وهذا صحيح خاصة أنه بحاجة للتخطيط للتخلص من سياسات التمويل المفرط التي دامت لـ24 عامًا دون الإضرار بثاني أكبر اقتصاد في آسيا.
لكن أويدا أكثر حرية في فعل ما يعتقد أنه صحيح، كما أنه لا يخشى غضب البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكي حتى مع اختبار الين لمستوى 140 مقابل الدولار.
وجدير بالذكر أيضًا أن بنك اليابان أقل اهتمامًا بالتخلف الشركات الكبرى عن سداد مديونياتها.
كلما انخفض اليوان أكثر، كان من الصعب على مطوري العقارات وغيرهم من كبار المقترضين سداد مدفوعات الديون المقومة بالدولار، خاصة أن قطاع العقارات لا يزال مضطربًا رغم الإجراءات المتخذة لرفع القيود المفروضة عليه.
كتب الاقتصادي لدى “جولدمان ساكس”، هوي شان، في مذكرة حديثة للعملاء: “السؤال الأكثر شيوعًا هذه الأيام هو هل ستعمل الحكومة الصينية على تحفيز الاقتصاد؟”
وإجابتنا تكون نعم (للمناطق المستهدفة) ولا (للتحفيز الرئيسي واسع النطاق).
كان بنك الشعب الصيني بالفعل يوجه السيولة المستهدفة هنا وهناك في الأسابيع الأخيرة، ويقال إن الحكومة تعد طرقًا لدعم سوق الإسكان الهش وتقديم إعفاءات ضريبية لشركات التصنيع الراقية.
في 2 يونيو، أشار مجلس الوزراء الصيني إلى اعتزامه تعزيز مشتريات السيارات الكهربائية وتوسيع الإعفاءات الضريبية.
ومع ذلك، فإن مكافحة مخاطر الانكماش تعتبر مهمة البنك المركزي.
افترض الخبيران الاقتصاديان لدى “سيتي جروب” جوانا تشوا ويوانليو هو في مذكرة حديثة للعملاء أن بنك الشعب الصيني قد يكون مترددًا من إطلاق العنان لتحفيز جديد لأسباب عديدة، إحداها يتعلق بالقلق بشأن تفاقم التوترات الصينية الأمريكية في لحظة مشحونة بشكل خاص.
ومن هذا المنطلق، يجادل الاقتصاديون بوجود “تحيز سياسي للبقاء” خلف المنحنى “لدعم السياسة المعاكسة للدورة الاقتصادية بالنظر إلى النفور الشديد من التقلب المرتبط بالرافعة المالية”، لكنهم قلقون من أن عدم التصرف بحزم كافٍ قد يُفاقم مخاطر “الركود العلماني” في الصين، مما يُصعب التخلص منه.
تعتبر الدروس المستفادة من “العقد الضائع” لليابان مهمة، فكلما سمح بنك الشعب الصيني بأن تصبح ديناميكية السعر المنزلق متأصلة في التوقعات، زاد خطر التكيف مع نوع العقلية الانكماشية التي أمضى هاروهيكو كورودا، سلف أويدا، عقدًا في محاولة التخلص منها.
وهذا يترك يي، محافظ بنك الشعب الصيني، في بيئة عمل شاقة. ففي أبريل، انخفض مؤشر أسعار المنتجين في الصين بنسبة 3.6% عن العام السابق، وهو الانخفاض الشهري السابع على التوالي، وهذا كان بمثابة تسارع من انخفاض المؤشر بنسبة 2.5% في مارس.
في غضون ذلك، بالكاد كانت تحركات أسعار المستهلك في المنطقة الإيجابية، حيث ارتفع بنسبة 0.1% فقط في أبريل.
هذه البيانات جعلت الاقتصاديين في بنك “باركليز” يستنتجون أن “مخاطر الانكماش المتزايدة تزيد من احتمالية تيسير أكبر في السياسة النقدية في شكل خفض لأسعار الفائدة”.