من راتشنا أوبال ويوسف سابا
دبي (رويترز) - تسارع دبي لجذب سكان ومستثمرين ورؤوس أموال لتحفيز نمو طويل الأجل، مدعومة بتعاف اقتصادي سريع حققته بعد جائحة كوفيد-19، وتراهن على أن بمقدورها تجنب أزمات دين سابقة حدت من طموحاتها على الساحة العالمية.
النهج الذي تسعى إليه الإمارة هو إعادة استخدام لنموذج اقتصادي متألق ركز على مدى عقود على الاستثمار العقاري والسياحة وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.
وعاد القطاع العقاري للازدهار من جديد بمساعدة طلب روسي قوي في ظل الحرب على أوكرانيا وقواعد الإقامة الأكثر تيسيرا. ويرى محللون هذه المرة أن هناك إجراءات حماية أكثر في مواجهة أي تكرار للمشكلات التي أثرت على دبي بعد الأزمة المالية العالمية في 2008.
وتسعى دبي، التي تضم أعلى ناطحة سحاب في العالم وجزرا صناعية، إلى تحقيق أهداف جديدة طموحة، إذ تستهدف خطة اقتصادية لعشر سنوات تعرف باسم (دي33) زيادة حجم الاقتصاد لمثليه وجعل دبي واحدة من أكبر أربع مراكز مالية في العالم خلال عشر سنوات.
كما تريد دبي أن تزيد من طول شواطئها العامة إلى 105 كيلومترات من 21 كيلومترا بحلول 2040 وتحيي مشروع نخلة جبل علي الذي أوقفته بعد الأزمة المالية العالمية في 2008.
وعادت أعداد السائحين في 2023 تقريبا لمستويات 2019، وخلص بحث أجرته نايت فرانك إلى أن دبي كانت في العام الماضي في المرتبة الرابعة عالميا في أسواق العقارات الأكثر غلاء من حيث الإقبال بمبيعات 219 منزلا تفوق قيمتها عشرة ملايين دولار.
لكن في الوقت نفسه، فإن زيادة أسعار العقارات وارتفاع الطلب على شريحة الوحدات الفاخرة جدا تعيد إلى الأذهان عن زيادات مفرطة حدثت في السابق.
ففي 2008، تأثرت دبي بشدة خلال الأزمة المالية العالمية، مما أدى لنزوح رؤوس أموال ومقيمين وانهيار أسعار العقارات ومعاناة شركات كبرى مشهورة ومعروفة بأنها كيانات مرتبطة بالحكومة من صعوبات جمة في سداد الديون.
وتدخلت أبوظبي، العاصمة الإماراتية الغنية بالنفط، في النهاية وأمدت دبي بطوق نجاة بتقديم 20 مليار دولار من المتوقع إلى حد كبير تمديد أجل سدادها لمرة ثالثة.
وقال ناصر الشيخ المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي، الذي شغل ذلك المنصب حتى 2009، لرويترز إن هناك خطرا بأن تتحول دبي لمكان باهظ التكلفة جدا للعيش فيه وبالتالي على المشروعات الجديدة أن تضمن وجود وفرة في المعروض للوفاء بالطلب على العقارات المناسبة لمتوسطي الدخل مع زيادة عدد السكان.
وقال الشيخ "إذا لم يتمكن المطورون العقاريون في القطاع الخاص من توفير ذلك، فالحكومة والكيانات المرتبطة بها يمكنها أن تلعب دورا أكبر في تحقيق ذلك وإبقاء الأسعار معقولة" في إشارة لشركات كبرى قادت نموا كبيرا لاقتصاد دبي.
وزاد عدد سكان دبي ليتجاوز 3.55 مليون نسمة في 2022 وفقا لما أظهرته الإحصاءات الرسمية، وهو ما يشكل ارتفاعا نسبته 2.1 بالمئة عن 2021، وأربعة بالمئة منذ 2020. وتتوقع ستاندرد اند بورز أن يتخطى عدد السكان أربعة ملايين نسمة بحلول 2026.
* دروس مستفادة
قال جاستن ألكسندر مدير خليج إيكونوميكس والمحلل المختص بشؤون الخليج في جلوبال سورس بارتنرز "هناك دائما خطر يتعلق بجولة جديدة كبيرة من الاقتراض (تقوم بها كيانات مرتبطة بالحكومة) على أساس توقعات غير واقعية بشأن مبيعات العقارات، لكن آمل أن التعلم من دورات سابقة سيخفف من وطأة هذا الخطر".
ولم يرد المكتب الإعلامي لحكومة دبي حتى الآن على طلب للحصول على تعليق على كيفية عمل إستراتيجية الإمارة لضمان أن النمو سيكون مستداما وليس تخمينيا.
أسست دبي مكتب إدارة الدين العام في 2022، وردت أو أعادت هيكلة بعض الديون المستحقة، وأعلنت خططا لإدراج حصص الحكومة في عشر شركات لجمع رأس المال ودعم الأسواق المالية. وأدرجت دبي بالفعل أربعة منها العام الماضي.
وقال الشيخ إن المسؤولين الماليين الحاليين تعلموا من تجارب 15 عاما مضت.
وقال "دبي لديها إستراتيجية اليوم، وتطوير أسواق المال مكون مهم من المقترح المالي الشامل لدبي، ليس فقط لتوفير السيولة وسداد الديون، بل أيضا لترسيخ أسواق رأس المال في القطاع المالي".
* "ملاذ آمن عالمي"
ضخت دبي، المركز التجاري للإمارات، موارد في إصلاحات اجتماعية وإصلاحات في مجال الأعمال وفي قطاعات مثل التكنولوجيا الرقمية. وتشكل عائدات النفط أقل من اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على خلاف العاصمة أبوظبي ذات الموارد المالية الوفيرة.
وأفادت شركة الأبحاث العقارية سي.بي.آر.إي بأن متوسط أسعار العقارات ارتفع 12.8 بالمئة في الربع الأول، وزادت أسعار الفيلات بما يصل إلى 15 بالمئة. وفاقت مبيعات الفيلات مستويات مرتفعة سجلتها في 2014. ووفقا لقائمة بيترهومز، فقد جاء المشترون من روسيا في المرتبة الثالثة من بين أكثر عشر جنسيات شراء في مايو أيار بعد الهند وبريطانيا.
وقال ريتشارد ويند العضو المنتدب لبيترهومز في الإمارة "دبي وضعت نفسها حقا في موقع الملاذ الآمن العالمي"، مضيفا أنها آمنة للعائلات ومستقرة سياسيا وماليا.
وتابع "لم تعد سوقا قائمة على التكهنات. إنها سوق مبنية على استثمار حقيقي. أعتقد أن ذلك يشكل فارقا كبيرا عما رأيناه في 2008 و2009 وربما آخر ذروة في 2014 تقريبا".
عزز الانتعاش أيضا ميزانيات كبرى شركات دبي بما فيها كيانات مرتبطة بالحكومة مثل طيران الإمارات وبنك الإمارات دبي الوطني (DFM:ENBD) وإعمار العقارية اللذين تملك الحكومة فيهما حصة أغلبية لكنهما أيضا مدرجان في البورصة.
وتشير تقديرات ستاندرد اند بورز إلى أن إجمالي الدين الحكومي لدبي سيتراجع إلى 51 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ليسجل 66 مليار دولار بنهاية 2023 من 78 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي في 2020، غير أن دين القطاع العام الأوسع نطاقا سيظل مرتفعا عند 100 بالمئة تقريبا من الناتج الإجمالي المحلي بسبب التزامات على كيانات غير مالية مرتبطة بالحكومة.
ووصلت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لدبي لأجل خمس سنوات إلى مستوى منخفض غير مسبوق عند 66 نقطة أساس في الثامن من مارس آذار هذا العام، وهو ما يقل كثيرا عن أعلى مستوى وصلت له وهو 316 في أوج جائحة كوفيد-19 في 2020. وعقود مبادلة مخاطر الائتمان تستخدم للتأمين ضد عدم سداد حكومة أو شركة لديونها.
* الشفافية
أفاد تقرير نشرته فايننشال تايمز هذا الشهر عن أسواق الاستثمار الأجنبي المباشر في 2022 بأن دبي اجتذبت ما يقدر بنحو 12.8 مليار دولار من رؤوس أموال الاستثمار الأجنبي المباشر، بينما سجل الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية حوالي 30 مليار ريال (ثمانية مليارات دولار).
ورغم تزايد المنافسة من الدول الخليجية العربية المجاورة، لا يزال الطلب مرتفعا على البنية التحتية والمدارس والمستشفيات في دبي.
وعبر عدد ممن تحدثت معهم رويترز عن تزايد قلقهم من غياب البيانات والشفافية خاصة من الكيانات المرتبطة بالحكومة، مما يزيد صعوبة وضع تقييم مناسب للمعطيات الأساسية لاقتصاد دبي.
وفي 2022، وضعت مجموعة العمل المالي، المعنية بمراقبة الجرائم المالية عالميا، الإمارات على "القائمة الرمادية"، وهو ما يزيد من مخاطر قلة تدفق رؤوس الأموال وتناقص أنشطة الاندماج والاستحواذ وافتقار محتمل للثقة من المستثمرين.
لكن بعض المستثمرين الكبار متفائلون.
وقال فيليب زوبر الرئيس التنفيذي لشركة كيرزنر الدولية التي تدير منتجعات أتلانتس وون آند أونلي الفارهة "دبي من أكثر الوجهات مرونة" مشيرا إلى أن الإمارة أبقت الحدود مفتوحة وأعمال قوية خلال الجائحة.
افتتحت كيرزنر، المملوكة جزئيا لصندوق الثروة السيادية في دبي، منتجع أتلانتس ذا رويال (LON:RDSa) الشديد الفخامة في 2023، وهو ثاني منتجعات أتلانتس على جزيرة نخلة الجميرا. وتتكلف الإقامة ليلة واحدة في جناح ذا رويال مانسيون بنتهاوس حيث أقامت النجمة بيونسيه ذات مرة، مئة ألف دولار.
( الدولار = 3.6728 درهم إماراتي )
( الدولار = 3.7504 ريال سعودي )
(شاركت في التغطية ليزا بارينجتون -إعداد سلمى نجم للنشرة العربية - تحرير محمود سلامة)