بعد ما يقرب من عقد من الإصابة بالضعف المزمن، يبدو أن الاقتصاد الإيراني يتعافى، وهذا، على الأقل، هو العنوان الرئيسي لتقرير البنك الدولي الأحدث عن الجمهورية الإسلامية.
يقول معدو التقرير: “بعد الخروج من الركود الذي دام عامين في 2020/ 2021، عاد الاقتصاد الإيراني إلى بعض النمو في 2021/ 2022″، مشيرين إلى انتعاش بنسبة 6.2% في ربع ربيع العام الماضي، وتدعي الهيئة الإحصائية الحكومية أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 5.9% في النصف الأول، (تبدأ السنة المالية الإيرانية من 22 مارس إلى 21 مارس).
لا شك أن النظام في طهران سيستغل ذلك كدليل على أن جهوده لخلق “اقتصاد مقاومة” تؤتي ثمارها، ومنذ أن أدى اليمين في الصيف الماضي، قام الرئيس إبراهيم رئيسي بترديد مقولة المرشد الأعلى علي خامنئي حول عزل إيران من آثار العقوبات الأمريكية من خلال تشجيع الإنتاج المحلي والتجارة غير البترولية مع الدول المجاورة.
وهذا الخطب غير موجه فقط للجمهور المحلي ولكن أيضا للجمهور الدولي، وهو يدعم مزاعم طهران بأنها لا تحتاج إلى تقديم تنازلات كبيرة لحكومة بايدن لتأمين تخفيف العقوبات، ويتفاخر المسؤولون الإيرانيون بأن الاعتماد على الذات الاقتصادي عزز موقفهم في المفاوضات النووية الجارية حاليا في فيينا مع القوى العالمية.
هذه خدعة بالكامل، ويلقي الفحص الدقيق لتقرير البنك الدولي بظلال من الشك على مزاعم “اقتصاد المقاومة” للنظام، ويعرف الإيرانيون العاديون ذلك بالفعل ويزدادون جرأة في التعبير عن استيائهم: شاهد الطفرة في الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد طوال عام 2021.
يجب أن يعزز هذا الموقف التفاوضي للولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى في فيينا، ويحتاج خامنئي ورئيسي بشدة إلى تحقيق ذلك النوع من النمو الذي من شأنه تهدئة سكانهما المضطربين ، وهذا مستحيل بدون تخفيف العقوبات. يجب على إدارة بايدن استخدام هذا كوسيلة ضغط لإجبار إيران على التراجع عن سياسة حافة الهاوية النووية.
النقطة الأكثر بروزاً في تقرير البنك الدولي هي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي أصبح ممكناً، إلى حد كبير، بسبب “ظروف قطاع البترول الأكثر ملاءمة” ، والتي لا تكاد تكون مقياسا للاعتماد على الذات، ومع قيام الرئيس بايدن برفع بعض العقوبات التي فرضها سلفه وتخفيف حملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب ضد إيران، تمكن النظام في طهران من جني المزيد من الإيرادات من صادرات البترول، وخاصة إلى الصين.
لكن ما يمنحه بايدن، يمكنه أيضا أن يسلبه، وبدأت الإدارة مؤخرا في تشديد الإنفاذ، محذرة الشركات في الإمارات التي تعمل كوسطاء في إيران التي تتهرب من العقوبات المفروضة على صادرات البترول، وبجانب فرض عقوبات أكثر صرامة، ستضع طهران في اعتبارها التباطؤ المتوقع للاقتصاد العالمي، وخصوصا الاقتصاد الصيني.
النقطة الأخرى الجديرة بالملاحظة في تقرير البنك الدولي هي أن النمو لم يرفع معدل العمالة، وهو أمر غير مفاجئ لأن معظمه يأتي من قطاع البترول كثيف رأس المال، تعد واحدة من أكثر مشاكل النظام إلحاحًا هي توفير فرص العمل للشباب، ورغم أن البطالة الرسمية أقل من 10% (الرقم أقرب إلى 17% بين الشباب)، فإن هذا لا يوضح النطاق الحقيقي للأزمة لأن إيران لديها أحد أدنى معدلات مشاركة القوى العاملة في العالم، ومنع التصلب الاقتصادي طويل الأمد ملايين الإيرانيين من دخول سوق العمل.
أضف التضخم الهائل وانخفاض قيمة العملة والبطالة وستبدأ في تقدير عمق الغضب بين عامة الإيرانيين.
ويشير التقرير إلى أن رفاهية الأسرة تراجعت، “لا سيما بين الفئات ذات الدخل الأدنى ممن تأثروا أيضًا بشكل غير متناسب بالوباء”، ويبلغ معدل التضخم حوالي 40% بل وأعلى من ذلك بالنسبة للمنتجات الغذائية، وانخفض الريال إلى أدنى مستوياته التاريخية الشهر الماضي، متجاوزا 300 ألف ريال للدولار في السوق المفتوحة، والسعر الرسمي هو 42 ألف ريال مقابل الدولار، لكن الحكومة تشير إلى أن هذا قد لا يكون مستدامًا.
نظرًا لالتزامها بإنهاء الدعم على الواردات الغذائية في السنة المالية الجديدة التي تبدأ في أواخر مارس، تعد الحكومة بتقديم مساعدات نقدية وكوبونات.
وتتفاقم هذه المشاكل المتشابكة بسبب تغير المناخ؟، الذي يجلب معه تحديات سياسية بالإضافة إلى التسبب في أضرار اقتصادية، وأدت أزمة المياه أواخر العام الماضي إلى اندلاع احتجاجات حاشدة، لا سيما في مدينة أصفهان التاريخية، وردت الحكومة كما تفعل دائما، بقوة غاشمة، ولكن مع كثرة مثل هذه الأحداث، فإن الحفاظ على هذا المستوى من القمع سيصبح أكثر صعوبة – وأكثر تكلفة.
ومهما حاولت طهران جاهدة تزييف تقرير البنك الدولي كدليل على المثابرة الاقتصادية، فإن الإيرانيين العاديين يعرفون بالفعل مدى هشاشة الأمور حقا.
لا ينبغي أن تنخدع حكومة بايدن والقوى العالمية الأخرى المجتمعة في فيينا.
بقلم: بوبي جوش، كاتب مقالات رأي في “بلومبرج” ويكتب عن الشؤون الخارجية، مع التركيز بشكل خاص على الشرق الأوسط وأفريقيا.
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.