كينيث روجوف يكتب: الأمور تزداد صعوبة على “الفيدرالى الأمريكى”

تم النشر 20/03/2023, 09:32
© Reuters كينيث روجوف يكتب: الأمور تزداد صعوبة على “الفيدرالى الأمريكى”

الإجراءات التوسعية التى اتخذها الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى لمنع تحول انهيار سيليكون فالى لخطر نظامى، وتلاه بشريان الحياة الهائل من البنك السويسرى الوطنى، لبنك كريدى سويس المضطرب، لم تترك مجالًا للشك بشأن عزم قادة القطاعات المالية للتصرف بشكل حاسم عندما تبدأ الخوف فى الظهور. لذلك يجب علينا ترك خطر تأثر المعنويات لأزمة أخرى.

ولكن حتى مع احتواء مخاطر الأزمة المالية لعام 2023، فليست كل الاختلافات مع عام 2008 مطمئنة إلى هذا الحد.
فى ذلك الوقت، لم يكن التضخم قضية، على العكس فحينها سرعان ما أصبح تباطؤ التضخم هو المشكلة، لكن اليوم، لا يزال التضخم الأساسى فى الولايات المتحدة وأوروبا يتزايد بسرعة، ويتعين على المرء أن يلوى تعريف كلمة “انتقالى” ليقول إنها ليست مشكلة.

كما ارتفعت الديون العالمية، سواء العامة أو الخاصة على حد سواء. لن تكون هذه مشكلة إذا كانت الرؤية المستقبلية هى أن أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل ستتجه للانخفاض بشكل حاد كما كان الوضع فى سنوات الركود العالمى مقابل 2022.

ومع ذلك، لسوء الحظ، فإن فائدة الاقتراض المنخفضة بشدة ليست شيئًا يمكن الرهان عليه فى هذه المرة، فبادئ ذى بدء، أزعم أنه إذا نظر المرء إلى الأنماط التاريخية طويلة الأجل فى أسعار الفائدة الحقيقية، سيجد أن الانخفاض الكبير عقب الأزمة العالمية مال للتلاشى عبر الزمن.

وهناك أيضًا أسباب هيكلية، فالأمر الأول متعلق بقفزة الدين العالمى العام والخاص بعد 2008، والتى يأتى جزء منها بسبب انخفاض أسعار الفائدة، وجزء آخر كاستجابة للوباء، وهناك أمور أخرى تتعلق بزيادة الطلب على الاقتراض فى ظل التكاليف الكبيرة للتحول الأخضر وارتفاع الإنفاق على التسليح.

ويعنى ذلك أنه حتى حال تلاشى التضخم ستكون البنوك المركزية فى حاجة لخفض الفائدة خلال العقد المقبل عند مستويات أعلى مما كانت عليه فى العقد السابق، للإبقاء على التضخم مستقرًا.

وهناك فرق مهم آخر بين الآن وما تلا 2008، وهو الموقف الأضعف بكثير للصين، إذ لعب التحفيز المالى لبكين بعد الأزمة المالية دورًا رئيسيًا فى الحفاظ على الطلب العالمى على السلع، خاصة المُصنعة فى ألمانيا، لألمانى والسلع الفاخرة الأوروبية. كما استحواذ القطاع العقارى والبنية التحتية على الكثير من الحوافز، ليصبح القطاع مصدر نمو هائل فى البلاد.

لكن الآن بدأت الصين وبعد سنوات من تسارع البناء بوتيرة فائضة، ذاقت من الكأس نفسه الذى شربت منه اليابان فى أواخر الثمانينات التى توسعت فيها اليابان فى الإنفاق على البناء فى فترة عُرفت بـ”الجسور إلى اللامكان”، حينما بدأت تتلاشى العوائد، وكان للاتحاد السوفيتى تجربة مماثلة، بجانب مركزية صنع القرار المفرطة، وبدء انخفاض التعداد السكانى بشكل لم تألفه الصين، والاتجاه للبعد عن العولمة جميعها عوامل تشير إلى أن الصين لن تلعب الدور الضخم الذى لعبته فى رفع النمو العالمى فى الأزمة المقبلة.

وأخرًا وليس أخيرًا، فإن أزمة 2008 جاءت فى فترة سلام عالمى، وهذا ليس الحال حاليًا، فى ظل استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا الى لها تأثيرات واضحة على جانب العرض ومسئولة بجزء كبير عن أزمة التضخم التى تحاول البنوك المركزية التعامل معها حاليًا.

وإذا نظرنا إلى الوراء فى الأسبوعين الماضيين، وقيمنا الضغوط التى وقعت تحتها المصارف، يجب أن نكون شاكرين لأن هذا لم يحدث فى توقيت مبكر أكثر.

مع الارتفاع الحاد فى أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية، والخلفية الاقتصادية المضطربة، كان من الطبيعى أن يكون هناك العديد من الخسائر فى الأعمال التجارية والمقترضين فى الأسواق الناشئة عادة أيضًا.

حتى الآن، تعثرت العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض، ومازال من المحتمل أن ينضم إليهم المزيد فى المستقبل.

بالتأكيد ستكون هناك مشاكل أخرى إلى جانب التكنولوجيا، على سبيل المثال قطاع العقارات التجارية فى الولايات المتحدة، الذى تضرر من ارتفاع أسعار الفائدة حتى فى ظل نسب إشغال للمكاتب فى المدن الرئيسية لا تزيد عن حوالى 50%، كما يجب أن يتحمل النظام المالى، بما فى ذلك “بنوك الظل” الخاضعة للتنظيم الخفيف، بعض الخسائر.

حكومات الدول المتقدمة ليست بالضرورة محصنة، فربما باتت خارج نطاق التأثر بأزمات الديون لكنها مازالت عرضة لتعثر جزئى بسبب مفاجآت التضخم.

كيف سيوازن الاحتياطى الفيدرالى بين القضايا عند اتخاذ قرار بشأن سياسة أسعار الفائدة الأسبوع المقبل؟ بعد الهزات المصرفية، من المؤكد أنه لن يمضى قدمًا فى زيادة بمقدار 50 نقطة أساس، كما فعل البنك المركزى الأوروبى يوم الخميس، فى خطوة أثارت دهشة الأسواق. ولكن يتوقع أن يلحق بركب الفيدرالى فيما بعد.

ولا يستطيع الفيدرالى الأمريكى استبعاد التضخم الأساسى الذى يزيد عن 5%، وعلى الأرجح، سيختار زيادة بمقدار 25 نقطة أساس، إذا بدا القطاع المصرفى هادئًا مرة أخرى، ولكن إذا كان لا يزال هناك بعض التوتر، فيمكن أن يقول بشكل واضح أن اتجاه رفع الفائدة مستمر لكنه يحتاج لتوقف مؤقت.

ومن السهل صد الضغوط السياسية فى عصر يتجه فيه سعر الفائدة العالمى وضغوط الأسعار للانخفاض، وهو ما ولى زمنه، ما يعنى أن الفترة المقبلة ستزيد الأمور صعوبة على الاحتياطى الفيدرالى. وقد تكون المفاضلات التى سيواجهها الأسبوع المقبل هى البداية فقط.

بقلم: كينيث روجوف

أستاذ اقتصاد وسياسات عامة بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين السابق بصندوق النقد

المصدر:فاينانشيال تايمز

أحدث التعليقات

قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.