لطالما استعملت معظم الصناعات فكرة البيع بالآجل أو “on credit” حيث ساعدت هذه الطريقة في إسراع عملية البيع ومن ثم تحسين دورة رأس المال ورأس المال المطلوب لبدء أي مشروع.
هذه الفكره الجيدة عظيمة في أوقات الاستقرار الاقتصادي ولكن في الأوقات الاخرى قد تؤدي إلى زيادة الطين بلة.. بل أكثر من بلة.
عزيزي المواطن لتلمس ذلك التغير إليك مثال بأبسط الصناعات التي كانت تعمل بالبيع بالآجل.. فإن كنت تتعامل مع نجار أو حداد أو نقاش.. إلخ. فقديماً (منذ شهور قليلة سابقة) كان يقبل بعربون بسيط ومن ثم دفعات تتماشى مع نسبة الإنجاز. فالنجار مثلاً يقوم بشراء المواد الخام بجزء من العربون ويطلب من صاحب مصنع الأخشاب أن ينتظر بضعة أيام لحين سداد باقي المبلغ من الزبون (حضرتك).
تغير هذا الأمر تأثُراً بالزيادة في الأسعار غير المتوقعة والمستمرة والارتفاع في معدلات الفائدة؛ فأصبح النجار وصاحب المصنع يطلبلان الدفع كامل “كاش”.. وألغيت فكرت العربون البسيط لتجنب الارتفاع في الأسعار فأصبح العربون يمثل المواد الخام كاملة.
ما حدث في المثال السابق من تغير هو عملية تصحيح سوقية للوضع الاقتصادي الراهن، ومفهوم رغم تأثيره السلبي المؤقت على التضخم من ناحية وعلى دورة راس المال من ناحية أخرى.
من زاوية أخرى، فطريقة البيع معتمدة على حساب التكاليف.. إذا فكيف يمكنك ان تبيع بالأقساط في ظل عدم المقدرة على توقع الزيادة المستمرة في التكلفة؟
لا يخفى على أحد أن التطوير العقاري من أكثر الصناعات (إن لم يكن أكبرها) المرتبطة بصناعات أخرى، إذ يُقدر التطوير العقاري بارتباطه بـ99 صناعة أخرى على حسب تقرير نُشر من الغرفة التجارية الأمريكية بالقاهرة من عدة أعوام.
التطوير العقاري في مصر مبني على البيع على المخطط أو كما يقال off-plan sales.. ورغم هذا لم ينعكس التغير الاقتصادي على هذه الصناعة كما حدث في المثال المذكور سابقاً أو في جميع الصناعات الأخرى.
إن كان أعظم المحللين الاقتصاديين لا يستطيعوا تخيل التضخم فكيف يستطيع المطور تخيل التضخم لتحديد سعر يتناسب مع قدرته بالالتزام بتسليم الوحدة التي تباع الآن بعد أربع سنوات (شقى عُمر العميل)؟
الحقيقة المطورين العقارين عانوا من أزمات اقتصادية متتالية مختلفه أثرت على التدفقات الماليه، وتعامل معظمهم مع أغلب هذه الأزمات بطريقة “تلبيس الطواقي” أي القيام ببيع وحدات جديدة لإستخدام أموالها في بناء وحدات أخرى مُباعة مسبقاً.
تستخدمت هذه الطريقة لفترة ولكنها تعتمد على استمرار قدرة العملاء الجدد على الشراء ووجود وحدات متاحة للبيع عند المطور.
بالنسبة للعملاء الجدد، فهلع المواطن المصري من التضخم الذي تذوقه وعرف معناه منذ إنخفاض (أو تعويم) الجنية وحتى الآن، جعله يتسارع لشراء وحدات كمحاولة للتحوط ضد التضخم.
أما بالنسبة لوجود وحدات جديدة متاحة للبيع لدى المطور تأثرت بعاملين أولهما سلبي والآخر إيجابي. فالأول هو زيادة سعر الأراضي المبالغ فيه جعلت المطور العقاري غير قادر على تقديم سعر “جيد” للمواطن والثاني هو وجود وحدات مبناة تم إعادتها للمطور بعد أن تم شراؤها ولم يعد صاحبها قادرا على إيفاء الأقساط أو بيعها بمكسب إضافي.
كما أقول دائماً أموال المصريين المتمثلة في العقارات أكثر بكثير من الأموال المودعة لهم في البنوك. ففي الأغلب يمتلك المواطن المصري وحدة سكنية قيمتها أعلى من أمواله المودعة في البنوك.
ولكن في ظل ما تم شرحه فيما سبق من تحديات تتمثل بإيجاز في لجوء المطورين حالياً لبيع وحدات جديدة وهم غير قادرين على حساب التكلفة المتوقعة ومن ثم المكسب أو الخسارة لايفاء عجز في التزاماتهم الناتجة من عمليات بيع قديمة يضع هذه الصناعة وأموال المواطن المصري في محك خطر غير مسبوق.. هل يجب تدخل الحكومة للحد من هذا الخطر؟ ومن المسئول الحقيقي عن إدارة هذا الملف؟
أحمد عز الدين
محلل مالي وأقتصادي