واشنطن، 6 يونيو/حزيران (إفي): وقفت سطوة المال وراء الكارثة النفطية التي يشهدها خليج المكسيك، حيث تركت الجهات الرقابية، كما فعلت مع وول ستريت، هامشا واسعا للمناورات أمام صناعة لا ضابط لها، وفقا لما أكده عدد من الخبراء الذين استطلعت وكالة (إفي) آرائهم في هذا الشأن.
يقول ريتشارد أولسن مدير قسم العلوم السياسية بالجامعة الدولية في فلوريدا "إنها نفس القصة تتكرر مرة تلو أخرى لكن في قطاعات مختلفة"، مستشهدا بما حدث مؤخرا في وول ستريت كأحدث مثال على ذلك.
ويرى أولسن أن لجنة الأوراق المالية "غطت في سبات عميق" عندما تحتم عليها مراقبة المصارف الكبرى في وول ستريت بما عناه ذلك من تبعات مأساوية على الاقتصاد العالمي، والآن جاء دور المهمل على خدمة إدارة المعادن، الوكالة الأمريكية التي تشرف على عمليات الحفر.
وكانت تلك الإدارة التي يطلق عليها "إم إم إس" إلى الآن وكالة مجهولة تتولى الإشراف على عمليات الكشف عن النفط والغاز، لكن اتضح أنها إدارة "فاسدة" بحسب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي أدان "العلاقة الوثيقة" بين المراقبين ومن يراقبونهم، متعهدا "بتطهير المنزل".
وأشار تقرير مستقل نشر في 25 مايو/آيار الماضي، أعده مراقب عام بوزارة الداخلية، إلى أن مراقبي "إم إم إس" قبلوا في أحيان كثيرة هدايا من القائمين على تلك الصناعة، كما كانوا يقبلون دعوات لتناول الطعام من مسئولي الشركات التي يفترض أنهم يراقبونها.
بدورها، سردت صحيفة (وول ستريت جورنال) في عددها يوم الثلاثاء الماضي كيف صدقت "إم إم إس" بصورة شبه فورية على ثلاثة تغييرات طالبت بها شركة "بريتش بتروليوم" في غضون 24 ساعة فقط، من أجل البئر الذي كانت تعمل به في خليج المكسيك والمفتوح منذ انفجار في منصة الشركة به في 20 أبريل/نيسان الماضي.
وفي إحدى تلك المرات، حقق الطلب زمنا قياسيا من حيث سرعة الاستجابة له "بلغ خمس دقائق".
وقال ستيفن شميدت من جامعة أيوا لـ(إفي) "إم إم إس كانت قريبة بالقدر الكافي من الصناعة ويبدو أنها منحتها بطاقة مفتوحة كي تسوي شئونها كما تشاء".
ولا حاجة إلى الإشارة إلى أن تعقد عمليات الكشف النفطي في المياه العميقة يجعل القطاع العام يعتمد على المعارف التقنية المتراكمة للقطاع الخاص.
بيد أن دانييل كوفمان المدير السابق لإدارة مكافحة الفساد في البنك الدولي والمحلل الحالي بمركز "بروكينجز إنستيتيوشن" للدراسات في واشنطن، يرفض ذلك ويطالب "بألا يلجأوا إلى تلك الحجج".
ويقول كوفمان إنه إذا لم يكن هناك "ضبط" أو رقابة، فإن تلك المعارف الضئيلة يمكن تنميتها باللجوء إلى الدراسات المستقلة أو بالتعاقد مع هيئات استشارية مستقلة خارجية.
كما قال الخبير إن القطاع العام يمكنه أيضا التفكير بزيادة رواتب موظفيه، كما تفعل دول أخرى مثل سنغافورة، ولاسيما في بعض القطاعات حيث يوجد تفاوت كبير مع القطاع الخاص.
ويشدد كوفمان على أن "الوضع لا يبدو دون حلول"، مشيرا إلى أن المشكلة الجوهرية تكمن فيما يطلق عليه هو "الرشاوي الخفية" مثل دعوات السفر والهدايا.
وإلى ذلك يضاف تولي العديد من مسئولي القطاع مناصب حيوية في وكالات الرقابة، وهي السياسة التي انتشرت خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش، لكنها تكررت في عهد غيره.
كما أن هناك سبيلا ثالثا للتأثير يتمثل في الحملات السياسية التي عادة ما تسهم فيها شركات النفط والغاز.
ووصل أوباما إلى البيت الأبيض بوعد التقليل من تأثير المصالح الكبرى في السياسة، لكن الخبراء يرون أنه لا يزال أمامه الكثير.
ويقول توماس شفارتس أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاندربيلت بولاية تينيسي "لن يكون من السهل ضبط كل شيء، لأن ارتفاع الطلب على النفط سيصعب من وجود مراقبين صارمين يعطلون تلك الصناعة". (إفي)