أفصح الاقتصاد الأمريكي اليوم وفي مستهل تداولاته الأسبوعية عن بيانات خاصة بأداء قطاعي الصناعة والمنازل، والتي جاءت في مجملها بأفضل من التوقعات، حيث كانت البيانات الأهم تلك الخاصة بقطاع الصناعات التحويلية الأمريكي، وعلى ما يبدو فقد استعادت النشاطات الاقتصادية في قطاع الصناعة بعض زخمها خلال أيلول/سبتمبر، عقب تراجع أداء القطاع على مدار الأشهر القليلة الماضية، مع العلم بأن قطاع الصناعات التحويلية يعد لاعباً أساسياً في نمو الاقتصاد الأمريكي.
حيث أصدر معهد التزويد اليوم الاثنين تقريره الصناعي والخاص بشهر أيلول/سبتمبر، ليشير إلى تحسن الانشطة الاقتصادية في قطاع الصناعة خلال تلك الفترة وبأعلى من التوقعات، إذ ارتفع المؤشر خلال أيلول/سبتمبر إلى 51.6 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 50.6 وبأعلى من التوقعات التي بلغت 50.5، علماً بأن صدور القراءة فوق مستوى 50.0 يعتبر توسعاً، ولكن وعلى الرغم من ذلك التوسع إلّا أن القطاع لا يزال يبحث عن استقراره المفقود في ظل ضعف الاقتصاد الأمريكي بالمجمل، بسبب المعوقات التي تقف في طريق انتعاشه وتعافيه.
وبالحديث عن المؤشرات الفرعية في التقرير الصادر، فقد شهدنا ارتفاع الأسعار المدفوعة لمعهد التزويد الصناعي خلال الشهر عينه إلى 56.0 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 55.5، كما وأشار التقرير إلى ارتفاع مستويات الإنتاج إلى 51.2 مقابل 48.6، في حين استقرت الطلبات الجديدة عند 49.6 مقابل 49.6، بينما تراجعت المخزونات بشكل طفيف لتصل إلى 52.0 مقابل 52.3، وفيما يخص سوق العمل، فقد ارتفعت مستويات التوظيف إلى 53.8 مقابل 51.8، أما الواردات فقد انخفضت خلال أيلول/سبتمبر إلى 54.5 مقابل 55.5، في الوقت الذي ارتفعت فيه طلبات الصادرات الجديدة إلى 53.5 مقابل 50.5.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن قطاع الصناعات التحويلية الأمريكي أظهر تراجعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بل وانكمش في الأشهر الماضية، بسبب ضعف الأوضاع الاقتصادية بالمجمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي، حيث فقد الاقتصاد الأمريكي بعض زخمه الذي حققه في الأرباع الأخيرة من العام الماضي 2010، وذلك في خضم ارتفاع معدلات البطالة وتشديد شروط الائتمان، ناهيك عن المعوقات الجديدة التي برزت في الاقتصاد الأمريكي والمتمثلة في ارتفاع عجز الميزانية وارتفاع مديونية الولايات المتحدة، الأمر الذي أفقدها تصنيفها الائتماني الأعلى في العالم منذ العام 1917 م.
وبالإنتقال إلى قطاع المنازل الأمريكي، فقد أفصح هو الآخر عن بيانات مؤشر الإنفاق على البناء، والذي أشار إلى تحسن أداء القطاع خلال آب/أغسطس وبأعلى من التوقعات، حيث ارتفع المؤشر بنسبة 1.4% مقارنة بالقراءة السابقة والتي تم تعديلها إلى انخفاض بنسبة 1.4%، وبأفضل من التوقعات التي بلغت انخفاضاً بنسبة 0.2%، علماً بأن الإنفاق على العقارات الغير سكنية ارتفع خلال آب/أغسطس بنسبة 1.6% بينما ارتفع الإنفاق على العقارات السكنية بنسبة 0.9%، ليرتفع الإنفاق العام على البناء كما أسلفنا بنسبة 1.4%.
إذن فقطاع المنازل الأمريكي بحاجة المزيد من الوقت ليحقق التعافي التام من الركود الأسوأ منذ عقود، حيث المشاكل الاقتصادية التي تحدثنا عنها في الأسطر القليلة الماضية لا تزال تثقل كاهل القطاع، هذا بالإضافة إلى ارتفاع قيم حبس الرهونات العقارية، علماً بأن البنك الفدرالي الأمريكي ما انفك يؤكد على أن قطاع المنازل الأمريكي لا يزال ضعيفاً، بل وتقبع أنشطته الاقتصادية ضمن مستويات مخيبة للآمال.
وفي النهاية فقد قلصّت مؤشرات الأسهم الأمريكية بعض خسائرها المحققة في بداية الجلسة عقب صدور بيانات مؤشر معهد التزويد، لتتحول إلى حالة من التباين والتأرجح، وذلك بسبب استمرار حالة من التخوف في السيطرة على الأسواق المالية حول العالم، عقب تأكيد اليونان على أن خارطة الطريق الموضوعة لتخفيض عجز الميزانية خلال العامين المقبلين والتي تهدف إلى تجنيب البلاد الدخول في دائرة الإفلاس لن تؤتِ ثمارها، مما أثار موجة من التخوف حيال مستقبل الاقتصاد الأوروبي مجدداً.
أخيراً وليس آخراً، لا بد لنا من التأكيد على أن الاقتصاد الأمريكي سيواصل سيره نحو التعافي من أسوأ أزمة مالية عمّت العالم منذ الحرب العالمية الثانية، في حين أن التوقعات تنصب حول احتمالية تعافي القطاع الصناعي باسرع وتيرة مقارنة بباقي القطاعات الرئيسية في الاقتصاد، ليشكل داعماً رئيساً للاقتصاد الأمريكي في مرحلة تعافيه خلال ما تبقى من العام 2011، ليتمكن الاقتصاد الأمريكي من النمو على المدى البعيد في العام المقبل 2012، لست متفائلاً .. ولكنني أتمنى ذلك...