أنقذ نشاط التداول، شركات البترول الأوروبية الكبيرة من التأثير الكامل لأزمة البترول العام الحالي. وهذه ليست المرة الأولى التى تعوض الأرباح الهائلة من منصات التداول الداخلية نتائج الأرباح التشغيلية الهزيلة من الأعمال الرئيسية لإيجاد وإنتاج الهيدروكربونات، ولن تكون المرة الأخيرة.. لكن الشركات قد تكافح لنقل شبكة الأمان تلك فى عصر التخلص التدريجي من الكربون.
وكما كتب زميلى كريس هيوجز، فإن شركة «رويال داتش شل(AS:RDSa)» أثبتت أنها تستطيع جني أرباح حتى وسط مذبحة سوق البترول في الربع الثاني. وعوض التراجع في إنتاج البترول والغاز – بنسبة 7% على أساس سنوى و11% على أساس فصلى – والانهيار فى الأسعار، الخفض العنيف فى التكاليف والنفقات الرأسمالية بجانب نتائج التداول «القوية للغاية».
وتجنب النظراء الأمريكيون، مثل «إكسون موبيل(NYSE:XOM)» و»شيفرون كورب (NYSE:CVX)»، نشاط التداول الصِرف، والتزموا بدلا من ذلك بتسويق إنتاجهم الخاص، وهو ما حرمهم من شبكة الأمان التى تمتعت بها «شل» و«إينى» الإيطالية وربما أيضا «بى بى».
وظهر ذلك فى نتائج أعمال الربع الثانى، ونشرت «شيفرون» نتائج أعمالها يوم الجمعة الماضية وسجلت أسوأ خسارة فصلية فى العقود الثلاثة الماضية على الأقل، وحذرت من أن وباء «كوفيد 19» سيواصل التأثير سلبا على الأرباح.
وفى ظل ضعف التعافى فى الطلب على البترول، فإن تحذيرات «شيفرون» ليست مفاجئة، وتلتها نتائج أعمال «إكسون» بأكبر خسارة على الإطلاق، نتيجة تسبب الانهيار فى أسعار البترول فى إلحاق الضرر بأرباح الإنتاج، فى حين أثر التراجع فى الطلب سلبا على أعمال التكرير والمنتجات الكيميائية، وربما تشعر «إكسون» بالسعادة بأن ليس لديها أعمال تداول كبيرة لأنها فقدت أموالا هناك أيضا.
وكما أوضح الصحافى خافيير بلاس لدى «بلومبرج نيوز»، ربحت شل من التراجع الحاد فى أسعار الخام للتسليم الفورى نسبة إلى الإمدادات المستقبلية، مما سمح لها بحبس الأرباح من خلال شراء وتخزين الخام ثم بيعه بالآجل فى أسواق المشتقات.
وفى ظل تكاليف الاقتراض المنخفضة والسعة التخزينية الوفيرة الرخيصة عبر سلاسل توريدها، تمتعت الشركة بميزة مقارنة بشركات التداول المستقلة.
ولكن ضاقت الفجوة فى الأسعار منذ نهاية أبريل.. والآن تبلغ الأرباح المحبوسة أقل من 2 دولار للبرميل، وربما لن تغطى تكاليف التمويل والتخزين لـ»شل».
ولكن هل ستتسع فجوة الأسعار مجددا؟ بالتأكيد عند مرحلة ما، وهل ستصبح بقدر اتساع نهاية مارس وأواخر أبريل؟
ربما لا ، نظرا لأن هذا الفارق كان الأكبر فى البيانات التى تعود إلى أكتوبر 2007، وكان آخر فجوة كبيرة مشهودة خلال اضطرابات سوق البترول فى يناير 2009 والتى نتجت عن الأزمة المالية العالمية.
وبالطبع، لا تعتمد أرباح نشاط التداول على الأحداث المتطرفة والنادرة، فقد ساهمت بمساهمات كبيرة فى دخول شركات البترول الأوروبية الكبيرة فى الأوقات التى يمكن وصفها «بالطبيعية أكثر» أيضا، وهو ما يثير تساؤل على المدى الأطول بالنسبة لهذه الشركات فى الوقت التى تصبح فيه أقل اعتمادا على البترول.
ورغم أن نشاط تداول البترول ذو جذور عميقة ويتمتع بمجموعة واسعة من عقود المشتقات التى يمكن استغلالها لتحقيق أرباح، فإن تداول الغاز الطبيعى أقل نضجا بكثير وقد لا يتطور بنفس طريقة أسواق البترول.
وعلى مدار العقد الماضى، حولت شركات البترول – التى كانت أرباحها تأتى فى الأساس من حقول البترول المكتشفة – نفسها إلى شركات «بترول وغاز»، والآن تطور نفسها مجددا لتصبح شركات «طاقة»، وأظهر أحدث تقرير لشركة «شل» أن تقريبا نصف إنتاجها كان من الغاز الطبيعى مقارنة بأقل من 40% فى 2005.
وهذا التحول سيكون أكثر وضوحا. فشركات مثل «شل» لن تتوقف عن إنتاج البترول، ولكنه سيصبح أقل أهمية مع اعتناق العالم بشكل متزايد أشكال الطاقة الأقل بعثا للكربون، ولكن مع زيادة تركيزهم على الغاز الطبيعى والكهرباء وعلى الأرجح الهيدروجين، فسوف تتقلص قدرتهم على تعويض أى ضعف فى أنشتطهم الأساسية من خلال الأرباح التجارية من نشاط تداول البترول.
بقلم: جوليان لي، استراتيجي البترول لدى وكالة أنباء “بلومبرج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.