يضغط الاقتصاديون ومحللو «وول ستريت»، استجابة للمؤشرات المتزايدة على تباطؤ التعافي على «الاحتياطي الفيدرالي» لتقديم المزيد من الإرشادات التوجيهية التي ترجح المزيد من المحفزات في اجتماع السياسة الأسبوع الحالي.
ويستطيع «الفيدرالي «بسهولة أن يفعل ذلك.. ليس فقط نتيجة نموذجه التشغيلي الراسخ المعتمد على البيانات وعقلية الخطوات التأمينية الاستباقية، بل لأن مراجعات أطر السياسة الشهر الماضي سمحت بمزيد من المرونة في مستويات التضخم المستهدفة في أوقات مثل الآن.
ولكن ما هو ممكن تشغيلياً لا يكون بالضرورة مرغوباً، وكلما يسير الفيدرالي في هذه الطريق وحده، ازدادت المخاطر التي تهدد صحة الاقتصاد ومصداقية البنك المركزي، كما أن التحديات لا تقتصر على الاقتصاد المحلى.
وهناك القليل – إن وجد أصلاً – من القيود المباشرة على الفيدرالي لتقديم المزيد من المحفزات، ولكن تصبح الأمور أكثر خطورة عند التحول مما هو ممكن إلى ما هو مرغوب ولننظر إلى المشكلات الـ 5 التالية.
المشكلة الأولى:
يتفق الغالبية على أن السياسة النقدية أظهرت فعالية محدودة في معالجة التأثير السلبي للضغوط الاقتصادية الناتجة عن صدمة كوفيد 19، وهذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى أن ما يمكن أن تحققه السياسة ليس بمشكلة كبيرة وهو ضمان أداء سلس للأسواق.
وتعد الأحوال فى الأسواق المالية فضفاضة للغاية وهو ما يظهر في فوارق العائد الضيقة وعدم وجود قيود تقريباً على دخول الأسواق الرأسمالية بجانب ازدياد إصدار السندات والطروحات الأولية للجمهور وظهور شركات الاستحواذ لأغراض خاصة.
المشكلة الثانية:
ستؤدى السياسة النقدية الأكثر تيسيراً على الأرجح إلى مزيد من الانفصال بين الأسواق المالية عن الواقع الاقتصادي، وهو ما سيفاقم بسهولة وجهة النظر القائلة بأن الفيدرالي يعزز عدم المساواة.
كما توجد بالفعل العديد من العلامات على التحمل المفرط للمخاطر على خلفية الفكرة المترسخة والمستمرة في الأسواق وهي «تدخل الفيدرالي».
المشكلة الثالثة:
لم يعد بالإمكان تجاهل تهديد ارتفاع التضخم في عام ولا عامين كما كان الأمر في الماضي القريب، وترصد البيانات أدلة متزايدة على تكوينات سعرية أعلى غير متساوية، وذلك يعنى المزيد من تركز الشركات وقوة التسعير الأكبر التي تأتى مع ذلك، بجانب إعادة تشكيل سلاسل التوريد عبر الحدود بطريقة ترفع تكاليف المدخلات، وفترة متعددة السنوات من الانحسار التدريجي للعولمة ما يقلص المنافسة وضعف الدولار بما يرفع أسعار الواردات.
المشكلة الرابعة:
قد يساهم النشاط الأكبر للفيدرالي في تأخير تحركات الكونجرس فيما يخص المبادرات السياسية الاقتصادية، وبشكل خاص، قد لا يسعى المشرعون الجمهوريون والبيت الأبيض لحلول وسط مع الديمقراطيين إذا استمر الأداء الجيد في الأسواق، وكلما اقتربنا من انتخابات نوفمبر، ستزداد لعبة إلقاء اللوم صعوبة وتضيق نافذة التوصل لحلول وسط.
أما المشكلة الأخيرة فتتمثل في التأثيرات المتسربة إلى الاقتصادات الناشئة، وتتسبب السياسة الفضفاضة للفيدرالي في جولة من تدفقات الاستثمار الأجنبية إلى الأسواق الناشئة بحثاً عن العائدات الأعلى (أو بشكل أكثر دقة هروباً من العائدات شديدة الانخفاض في الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى)، ويأتي هذا التحول في رؤوس الأموال الأجنبية إلى الأسواق الناشئة في وقت ترتفع فيه مستويات الديون وتتقلص فيه المرونة السياسية وتزداد احتمالات التعثر في السداد.
وتحقيق التصالح بين فجوة ما هو قابل للتطبيق وما هو مرغوب لا يكمن في السعي وراء معجزات سياسية نقدية، وإنما يتعين على صناع السياسة تعزيز مجهوداتهم في 4 مجالات ذكرتها في مقال سابق وهي توفير المزيد من الإغاثة، تحقيق مواءمة أفضل بين الصحة والاقتصاد خلال فترة العيش في «كوفيد 19»، ومواجهة الضغوط الهبوطية طويلة الأجل على الإنتاجية والحد من تزايد انعدام الأمن الاقتصادي للأسر.
وهذا سيساعد المسئولين في البنك المركزي على مقابلة أهدافهم، والأهم من ذلك تحقيق التعافي الاقتصادي الأقوى والأكثر شمولية واستدامة، وفى غياب ذلك أخشى أن «الفيدرالي» سيميل إلى القيام بما هو ممكن فعله وليس ما هو الأفضل للاقتصاد.
بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادي لمجموعتي “أليانز” و”جرامسري”، ورئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج.
وصباح الاجتماع يسجل سعر الذهب عالميًا 1,967 دولار للأونصة
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.