دول العالم النامى لاسيما شمال أفريقيا والشرق الأوسط هى الأكثر تضرراً من الأزمة
بوليتيكو: روسيا وأوكرانيا تشكلان 29% من صادرات القمح العالمية
أعادت أزمة أوكرانيا الفكرة الفرنسية لجعل الاتحاد الأوروبى قوة عظمى زراعية مستقلة بذاتها إلى الواجهة، لكن القيام بذلك قد يعنى التضحية بالطموحات الخضراء للاتحاد الأوروبى من أجل الزراعة.
وأدت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى وضع برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة على سبيل المثال فى موقف لا يحسد عليه، فقد كان يوفر ما يتجاوز نصف إمداداته للمناطق التى تعانى من المجاعات فى جميع أنحاء العالم من أوكرانيا.
وكشف الغزو الروسى لأوكرانيا و المعروفة باسم “سلة خبز أوروبا” عن مدى اعتماد الاتحاد الأوروبى على الأسمدة الروسية والذرة الأوكرانية لتوفير الغذاء للثروة الحيوانية، والحفاظ على صادراتها من اللحوم ومنتجات الألبان، وعندما تخرج أوكرانيا من سلاسل التوريد وشبكات المساعدات، فإن العالم سيعانى كثيراً، بحسب موقع بوليتيكو البلجيكى.
ورغم أن الحرب فى أوكرانيا إلا أن لعالم لن يتأثر بنقص الإمدادات الأوكرانية فحسب، فقد تؤدى العقوبات التى فرضها الغرب على روسيا إلى تعطيل سلاسل التوريد المعتمدة على موسكو والتى تعد واحدة من أكبر من منتجى ومصدرى الغذاء فى العالم. وارتفعت أسعار الحبوب مثل القمح بالفعل، وتسارع الحكومات الأوروبية لتحقيق الاستقرار فى الأسواق على الصعيد العالمي.
وقد تستطيع أوروبا الصمود فى وجه العاصفة المباشرة. كما يستعد مزارعوها لتكاليف أعلى من المدخلات الأساسية مثل الأسمدة وعلف الحيوانات، لكن من المستبعد أن يرى المستهلكون رفوف المتاجر فارغة. كما سترتفع التكاليف، لاسيما السلع الرئيسية مثل زيت عباد الشمس، لكن ستكون الاقتصادات الغربية الغنية قادرة على تحقيق التنويع.
واستعرض الموقع مجموعة من أبرز آثار الأزمة على نظام الغذاء العالمى
1- ارتفاع أسعار المواد الغذائية فى أوروبا
تعتبر أوكرانيا مُصدِّر ضخم للسلع الغذائية الأساسية مثل القمح والذرة وزيت عباد الشمس، لكن الغزو الروسى يعنى توقف جميع الأنشطة التجارية، حيث لا يمكن للسفن عبور موانئ البحر الأسود.
وسيؤثر ذلك بشكل كبير، مع ارتفاع أسعار الحبوب والبذور الزيتية إلى مستويات قياسية حيث يشعر المستثمرون بالقلق بشأن المدة التى سيستمر فيها هذا الاضطراب.
نقل الموقع عن أوليج نيفيفسكي، الأستاذ المساعد فى كلية كييف للاقتصاد قوله “فى أسوأ السيناريوهات، ستتوقف عمليات التصدير من هذه المنطقة لبضع سنوات”.
ورغم حرص السياسيين بإصدار بيانات بأنه لا يوجد نقص وشيك فى السلع الغذائية فى أوروبا، فإن أوكرانيا مع ذلك هى رابع أكبر مزود خارجى للغذاء للاتحاد الأوروبي، حيث تعمل كرقعة نباتية ضخمة. ويحصل الاتحاد على أكثر من 50% من وارداته من الذرة، ونحو خمس واردات القمح الناعم، وما يقرب من 25% وارداته من الزيوت النباتية من أوكرانيا.
وتسببت أزمة الإمداد فى ظل الصراع الروسى الأوكراني، فى إثارة حالة من القلق الشديد لصانعى وزارعى المنتجات الغذائية فى الاتحاد الأوروبي، الذين تأثروا بشكل كبير مع ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة معدلات التضخم فى ظل جائحة كورونا. ومع ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، سيكون الأمر أكثر تكلفة بالنسبة لمصنعى الأغذية فى الاتحاد للحصول على المكونات الخام، بينما يستعد المزارعون فى أوروبا لدفع المزيد مقابل الحصول على الأسمدة للحفاظ على عائدات مرتفعة.
وارتفعت أسعار الأسمدة بالفعل بنحو 142% حتى الآن مقارنةً بنفس الفترة من العام السابق، إذ أن 30% من واردات الاتحاد الأوروبى تأتى من روسيا.
وتأتى هذه الأحداث لتثير السخرية منذ أن اشتكى مزارعو الاتحاد الأوروبى لسنوات من أن الصادرات الأوكرانية حققت نجاحات قوية. وينظر البعض إلى أوكرانيا، باعتبارها تسير على خطى البرازيل، بأنها قادرة على تقديم عروض أسعار منخفضة من خلال إغراق سوق الاتحاد الأوروبى بمنتجات غذائية بتكاليف أقل.
2- مخاوف المجاعات تؤرق البلدان النامية
وعلى الجانب الأخر، يثير الارتفاع الصاروخى فى أسعار الحبوب مخاوف كبيرة من أن الملايين من الفئات الأكثر فقراً على مستوى العالم سيكافحون لتوفير الطعام لأنفسهم وذويهم.
كما توجد بعض الدول التى تعتمد بشكل جوهرى على أوكرانيا وروسيا وتقع فى أزمة فعلية، مثل مصر وتونس والجزائر والمغرب ولبنان وتركيا. ووفقاً لأبحاث معهد جالوب، فإن نحو 48% من واردات القمح إلى الجزائر تأتى من أوكرانيا، وسيتعين على تلك البلدان أن تلجأ إلى الدول المصدرة الأخرى لشراء الحبوب، مما يؤدى إلى زيادة الأسعار العالمية.
وتعد الدولتان، روسيا وأوكرانيا، من الدول ذات الثقل فى إنتاج الحبوب، حيث تشكلان 29% من صادرات القمح العالمي، والخبز الذى يعد الغذاء الأساسى فى العديد من البلدان الفقيرة التى يمدونها بالغذاء. ويظل الأمر غير واضح حول ما إذا كانت موسكو سترغب فى الاستمرار فى تصدير نفس القدر من المنتجات الغذائية كما كانت من قبل أو أنها قد تسعى لفرض قيود على تدفق السلع الغذائية، لاسيما عندما يواجه سكانها أثار العقوبات.
ولا تقتصر هذه المخاوف على الدول التى تعتمد بشكل مباشر على أوكرانيا أو روسيا، حيث سيؤثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم على جميع البلدان الأشد فقراً والأقل أماناً غذائياً ، بدءاً من من بنجلاديش ومدغشقر إلى اليمن.
ووفقاً لما ذكره ماتين قايم، أستاذ الاقتصاد الزراعى فى جامعة بون:” ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 50% فى أسبوعين الأوائل من الصراع فى أوكرانيا، وبينما يحاول المستثمرون استبدال محاصيل مثل القمح بأخرى مثل الأرز أو الشعير، يؤدى ذلك إلى ارتفاع شامل فى أسعار السلع العالمية”.
ونقل الموقع أيضًا عن جوردان كوكس، رئيس قطاع الاتصالات فى برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة وصفه لعام 2022 بأنه “عام الجوع الكارثي”: “نخطط لمشترياتنا للأشهر المقبلة، لذلك لا نتطلع للتأثيرات الفورية لعملياتنا الأخرى، ولكننا نشعر بشكل فورى بارتفاع الأسعار، وتكاليف النقل”.
وجاءت الاضطرابات السياسية بعد أزمة نقص الغذاء، وأشار العديد من المحللين إلى دور هذه الأزمة كعامل مؤثر فى قيام ثورات الربيع العربى قبل عقد من الزمان.
وفى الوقت الذى يتعلق الأمر فيه بالمشاكل السياسية، ذكر قايم: ” التوقعات بحدوث اضطرابات سياسية تأتى مرتفعة للغاية، وقد بدأت بالفعل”.
وحذر المفوض الأوروبى للزراعة يانوش فويتشوفسكي، من أن أزمة الغذاء فى مناطق مختلفة يمكن أن تزيد من ضغوط الهجرة على البلدان الأوروبية.
ويقول “بوليتيكو” إن الاختبار الكبير التالى للأمن الغذائى فى العالم سيأتى فى فصل الصيف، فى الوقت الذى يحصد المزارعون الأوكرانيون محاصيلهم، كما هو الحال فى الاتحاد الأوروبى.
وفى حال ظل المزارعون يقاتلون على الخطوط الأمامية أو فقدوا أراضيهم الزراعية بالكامل، فقد تكون التوقعات قاتمة. كما أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان من الممكن حتى زراعة هذه المحاصيل خلال فصل الربيع الحالي.
3- تصاعد السياسات الحمائية
يتساءل الموقع عما سيحدث عندما تكون سياسيًا وتبدأ فى القلق من أنك لن تتمكن من إطعام الشعب؟ الإجابة بالطبع معروفة إغلاق الحدود وتخزين المنتجات الغذائية ومنع التصدير.
وأثار هذا المخاوف بالفعل، لدرجة دعت وزراء مجموعة السبع خلال الأسبوع الماضي، لإرسال رسالة عاجلة بشأن ضرورة إلغاء أى حواجز تجارية فى وقت تشهد فيه الأسواق العالمية تقلبات شديدة.
لكن تظل الكثير من البلدان غير مهتمة بهذه الدعوات، حيث فرضت المجر المزيد من القيود على صادرات الحبوب، وتقول إن هذه الخطوة ليست حظرا شاملاً على الصادرات، مما أثار إدانة شديدة من قبل المفوضية الأوروبية. وفى الوقت نفسه، فرضت تركيا والأرجنتين وصربيا، بالإضافة إلى كل من أوكرانيا وروسيا نفسيهما، حظراً على التصدير أو هددت بفرضه.
و قال قايم، من جامعة بون: “إذا كانت الدول المصدرة الرئيسية تفعل ذلك، فهذا سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار فى بقية المناطق على مستوى العالم فى الأسواق الدولية، بشكل أكبر مما هى عليه، وهذا يضر بالبلدان التى تعتمد بشكل أساسى على استيراد الغذاء”.
وتزداد مخاوف المسئولين الأمريكيين بشأن قيام الصين بتخزين السلع الغذائية بشكل استراتيجى من أجل أن يكون لها نفوذ سياسى أكبر على البلدان التى تعتمد على استيراد الغذاء فى القارة الأفريقية.
وفى أثناء ذلك، استغلت فرنسا الأزمة لتؤكد إنها كانت على صواب طوال الوقت فى إتباع أجندة “السيادة الغذائية” لتعزيز قدرة الاتحاد الأوروبى على الاكتفاء الذاتى باستخدام الموارد الداخلية، بدلاً من الاعتماد على كل علف الحيوانات من أوكرانيا وفول الصويا البرازيلي، والأسمدة الروسية القائمة على النيتروجين.
و قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى خطاب له عبر التليفزيون بشأن الحرب فى أوكرانيا الأسبوع الماضى : “لم يعد بإمكاننا الاعتماد على الآخرين لإطعام أنفسنا” ، حيث أعلن دعمه لمخططاته من أجل السيادة الغذائية فى أجندته الأوسع نطاقًا لتحقيق استقلال ذاتى استراتيجى أكبر فى الاتحاد الأوروبي، عندما يتعلق الأمر بقطاع التجارة الدولية والدفاع.
وواصلت فرنسا مساعيها لتمارس قدرًا أكبر من الاستقلال على إنتاجها الزراعي، رغم ذلك كان التركيز الأكبر على زيادة إنتاج المحاصيل البروتينية فى الاتحاد الأوروبى من أجل الاعتماد بشكل أقل على فول الصويا المستورد من الأمريكتين. ومع تأثير الأزمة الأوكرانية على الجهود المبذولة لوقف إزالة الغابات من أجل الزراعة، بدأ اللون الأخضر يتلاشى بسرعة من حملة السيادة الغذائية.
4- تحطم الأحلام الخضراء
ويقول “بوليتيكو” إن الحرب فى أوكرانيا قد تعنى التراجع عن طموحات أوروبا الكبيرة لجعل قطاع الزراعة يقضى على الملوثات التى أثرت على المناخ والبيئة.
ويعنى التراجع فى استيراد الذرة من أوكرانيا، انخفاض حصة العلف للحيوانات فى أوروبا خلال العام الجاري، وارتفاع أسعار علف الحيوانات لمزارعى أوروبا، الذين يكافحون بالفعل لتغطية نفقاتهم. ويأتى الكثير من هذا العلف الأوكرانى بشكل تقليدى عبر موانئ البحر الأسود التى تم حظرها حالياً.
وأثارت المخاوف من نقص الأعلاف، دعوات لتأجيل أو حتى إعادة التفكير بشكل كلى فى خطط الاتحاد الأوروبى البارزة لتحقيق الاستدامة فى القطاع الزراعي. كما تدرس المفوضية الأوروبية اقتراحًا من غالبية وزراء الزراعة فى الاتحاد الأوروبى لإلغاء شرط التخلى عن جزء كبير من الأراضى الزراعية خارج الإنتاج للمساعدة فى تعزيز حماية الطبيعة، واستخدامه بدلاً من ذلك فى زراعة الأعلاف الحيوانية.
ولكن أثار ذلك الاقتراح هجمات لاذعة من قبل الخضر، حيث يرون بأنها فرصة مثالية لتقليل كمية الموارد التى يتم تسليمها إلى صناعات اللحوم والألبان.
5- توقعات بانقطاع الإمدادات من زيت عباد الشمس
يستورد الاتحاد الأوروبى نحو 50% من إنتاج أوكرانيا من زيت بذور عباد الشمس، والذى يدخل فى غالبية الصناعات بدءًا من الأطعمة المخبوزة والمعلبة والمُعدّة مسبقًا، إلى الأطعمة القابلة للدهن والصلصات والحساء. كما أنه يستخدم على نطاق واسع فى منتجات الحلويات ويعتبر مكون يصعب استبداله فى أغذية الأطفال.
وقالت ناتالى ليكوك، المدير العام لدى “فيديول”، الرابطة الشاملة لتكرير الزيوت النباتية فى الاتحاد الأوروبى المسؤولة عن إمداد قطاع صناعة المواد الغذائية: “من الواضح أن ذلك سيؤدى إلى انقطاع الإمدادات لأننا نعتمد على الإمدادات المنتظمة من زيت بذور عباد الشمس الأوكرانى إلى أوروبا، ونشعر بالقلق الفعلى فى هذه المرحلة بشأن إمكانية توفيره.”
وقال روبين مورينو، رئيس مجموعة برودولس الإسبانية لصناعة الحلويات، إن مخزوناتهم معرضة لخطر النفاد فى أقل من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، كما حذر من أن الأهمية الكبيرة لأوكرانيا كمزود عالمى لزيت عباد الشمس تعنى أن التداعيات ستمتد خارج قطاع الحلويات والمخابز الاسبانية.
وأضاف مورينو: “نحن فى وضع مريب حيث يصارع قطاع صناعة الأغذية الأوروبية والعالمية بشكل كامل من أجل إمدادات زيت عباد الشمس المتبقية، فى حين يجرى البحث عن زيوت بديلة، ولكن لن يكون ذلك كافياً لتعويض الخسارة من الزيت الأوكرانى”.
وتأتى المطاعم وقطاع صناعات الخدمات الغذائية فى الخطوط الأمامية التى ستتضرر من هذا الانقطاع، حيث تعتمد على زيت بذور عباد الشمس لطهى وجباتها وقليها.
وقال أرنو دوفور، رئيس الخدمة الغذائية الأوروبية، التى تمثل سلاسل الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز (NYSE:MCD) وستاربكس وبرجر كينج، إن زيت عباد الشمس سيكون الخطوة الاولى التى ستشعر فيها معظم المطاعم بالأزمة، مع توقعات بظهور أزمة لحوم الدواجن فى المرحلة التالية، بسبب ارتفاع أسعار علف الحيوانات.
ويتدافع القطاع الصناعى لإيجاد بدائل من أجل الحفاظ على رفوف المحال التجارية ممتلئة، فقد يتم نقل تكاليف إعادة تصنيع المنتج وتكييف ملصقات المكونات إلى المستهلكين.
كيف ترى منظمة الزراعة والأغذية الأزمة؟
قال شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” إن روسيا وأوكرانيا تؤديان دورًا ملحوظًا في الإنتاج والعرض العالميين للأغذية. وتعدّ روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، فيما تحتلّ أوكرانيا المرتبة الخامسة. وهما يؤمّنان معًا 19% من إمدادات الشعير في العالم و14% من إمدادات القمح و4% من إمدادات الذرة، ما يعني بالإجمال أكثر من ثلث صادرات الحبوب في العالم. كما أنهما تحتلان مرتبة الصدارة في تأمين بذور اللفت وتستحوذان على 52% من السوق العالمي لتصدير زيوت عباد الشمس. والإمدادات العالمية من الأسمدة مركّزة للغاية أيضًا حيث تُعتبر روسيا المنتج الرئيسي لها.
أضاف فى تدوينة له على موقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن الاختلالات اللوجستية وفي سلاسل إمداد الحبوب الخشنة والبذور الزيتية من أوكرانيا وروسيا والقيود المفروضة على الصادرات من روسيا سيكن لها تداعيات ملحوظة على الأمن الغذائى. وسوف يؤثر ذلك بشكل خاص على نحو خمسين من البلدان التي تعتمد على روسيا وأوكرانيا لتأمين نسبة تتراوح بين 30% أو أكثر من إمداداتها من القمح. والعديد من هذه البلدان هي من البلدان الأقل نموًا أو البلدان المنخفضة الدخل أو بلدان العجز الغذائي الواقعة في أفريقيا الشمالية وآسيا والشرق الأدنى. وتعتمد بلدان كثيرة في أوروبا وآسيا الوسطى على روسيا لتأمين أكثر من 50% من إمداداتها من الأسمدة ومن شأن النقص فيها أن يتواصل حتى العام المقبل.
عوامل الخطر الرئيسية
وعدد المدير العام للفاو عوامل الخطر الرئيسية، وقال إن محاصيل الحبوب ستكون جاهزة لحصادها خلال شهر يونيو. ولا يزال الغموض يكتنف قدرة المزارعين في أوكرانيا على حصادها وتسليمها إلى الأسواق. كما أدّى النزوح الكثيف للسكان إلى خفض أعداد اليد العاملة والعمّال الزراعيين، وسيكون من الصعب الوصول إلى الحقول الزراعية. وسوف تطال القيود أيضًا تربية الماشية والدواجن وإنتاج الفواكه والخضروات.
وأُغلقت الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود. وحتى في حال لم تتضرر البنى التحتية للنقل الداخلي، سوف يتعذّر شحن الحبوب الخشنة بواسطة القطارات بفعل عدم وجود نظام للسكك الحديدية صالح للعمل. ولا يزال بإمكان السفن العبور من خلال المضايق التركية وهي ممرات تجارية حاسمة الأهمية تعبر من خلالها كميات كبرى من شحنات القمح والذرة. ومن شأن رفع أقساط التأمين الخاصة بمنطقة البحر الأسود أن يؤدي إلى تفاقم ارتفاع تكاليف الشحن العالية بالأساس، فتضاف إلى التكاليف المرتفعة لاستيراد الأغذية. ومن غير الواضح بعد أيضًا ما إذا كانت مرافق التخزين والتجهيز ستبقى سليمة وسيظل فيها موظفون.
وقال دونيو إن الموانئ الروسية الواقعة على البحر الأسود لا تزال تعمل حتى الآن ومن غير المتوقع حدوث أي اختلال ملحوظ في الإنتاج الزراعي في الأجل القصير. غير أّنّ العقوبات المالية المفروضة على روسيا أدت إلى انخفاض هام في القيمة وهو ما من شأنه، في حال استمراره، أن يقوّض الإنتاجية والنمو وأن يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع تكاليف الإنتاج الزراعي بقدر أكبر.
أضاف أن روسيا تعد جهة فاعلة أساسية في سوق الطاقة العالمية وقد أدى الصراع الحالي إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة مع ما لذلك من تأثيرات سلبية على القطاع الزراعي.
ويشكل القمح غذاء أساسيًا لأكثر من 35% من سكان العالم ومن شأن الصراع أن يؤدي إلى انخفاض مفاجئ وحاد في صادرات القمح من كلّ من روسيا وأوكرانيا. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان المصدّرون الآخرون قادرين على سدّ هذه الفجوة. فقوائم جرد القمح في كندا متدنية بالفعل في الوقت الراهن، والصادرات من الولايات المتحدة والأرجنتين وبلدان أخرى ستكون محدودة على الأرجح بسبب محاولة الحكومات فيها تأمين العرض المحلي.
ومن المرجح أن تؤدي البلدان المعتمدة على واردات القمح إلى رفع الكميات المطلوبة بشدة، مما يمارس ضغطًا إضافيًا على العرض العالمي. ومن المتوقع أن تشهد التجارة العالمية بالذرة انكماشًا بفعل توقعات عدم التعويض عن فواقد التصدير من أوكرانيا من جانب مصدّرين آخرين وبسبب ارتفاع الأسعار.
أضاف أن الشكوك لا تزال تحدق أيضًا بتوقعات التصدير الخاصة بزيت عباد الشمس وغيره من الزيوت البديلة، وتأثيرات ذلك قد تتسع لتطال زيوت النخيل والصويا وبذور اللفت، على سبيل المثال.
توصيات مدير عام “فاو”
1- الإبقاء على التجارة العالمية بالأغذية والأسمدة مفتوحة: يجدر بذل ما أمكن من جهود في سبيل حماية أنشطة الإنتاج والتسويق الضرورية لتلبية الطلب المحلي والعالمي. ويجب أن تواصل سلاسل الإمداد عملها، ما يعني حماية البنى التحتية القائمة لتجهيز المحاصيل والمواشي والأغذية، وسائر النظم اللوجستية.
2- إيجاد مزودين جدد وأكثر تنوعًا للأغذية: يجدر بالبلدان التي تعتمد على واردات الأغذية من روسيا وأوكرانيا البحث عن مزودين بدلاء لاستيعاب الصدمة. كما يجدر بها الاعتماد على المخزونات الغذائية الموجودة حاليًا وتنويع إنتاجها المحلي بما يضمن حصول الأشخاص على أنماط غذائية صحية.
3- دعم المجموعات الضعيفة، بما في ذلك النازحين داخليًا: يجدر بالحكومات توسيع نطاق شبكات الأمان الاجتماعية لحماية الضعفاء. وفي أوكرانيا، يجدر بالمنظمات الدولية أن تتدخل للمساعدة في الوصول إلى من هم بأمس الحاجة. وعلى نطاق العالم، سوف يُدفع الكثيرون إلى دائرة الفقر والجوع بفعل الصراع القائم ويتعين علينا أن نوفر لهم برامج للحماية الاجتماعية حسنة التوقيت ومحددة الأهداف.
4- تجنّب ردود الفعل المخصصة على مستوى السياسات: يجدر بالحكومات، قبل تنفيذ أي إجراءات لتأمين الإمدادات الغذائية، النظر في تداعياتها المحتملة على الأسواق الدولية. فمن شأن خفض التعريفات الجمركية على الواردات أو استخدام القيود على الصادرات أن يساعد في التصدي لتحديات الأمن الغذائي لبلدان بمفردها على المدى القصير، ولكنهما سيؤديان أيضًا إلى رفع الأسعار في الأسواق العالمية.
5- تعزيز الشفافية في الأسواق وتشجيع الحوار: إنّ ضمان قدر أكبر من الشفافية والمعلومات عن أوضاع الأسواق العالمية كفيل بمساعدة الحكومات والمستثمرين على اتخاذ قرارات مستنيرة في ظلّ التقلبات التي تشهدها أسواق السلع الأساسية الزراعية. ومن شأن مبادرات على غرار نظام المعلومات المتعلقة بالأسواق الزراعية التابع لمجموعة العشرين أن يعزز درجة الشفافية هذه من خلال إتاحة عمليات تقييم موضوعية وحسنة التوقيت للأسواق.