غالبًا ما تخلق موجات الابتكار عمالقة، فقد استطاعت شركة “مايكروسوفت” مواكبة الطفرة المسجلة فى الحواسيب المكتبية، كما فعلت شركة “أبل” مع هواتفها الذكية.
ربما يكون الذكاء الاصطناعى هو التحول التكنولوجى الكبير التالى، فهو سيغير طريقة إدارة الأعمال ووظائف المجتمع.
وإذا سار الأمر على هذا النحو، فإن الكثير من الشركات التى تبيع البرامج والأجهزة التى تدعم الذكاء الاصطناعى ستستفيد، لكن لا أحد فى وضع أفضل من صانع رقائق الذكاء الاصطناعى المتخصصة الأمريكى “إنفيديا”، التى تجاوزت قيمتها السوقية حاجز التريليون دولار مؤخرًا.
وهذا يثير تساؤل مهم.. هل سيسهم الذكاء الاصطناعى فى ضم “إنفيديا” إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، ولا شك أن الضجيج المثار حول الذكاء الاصطناعى يُصعب الإجابة على السؤال.
بدأت الحماسة بشأن “إنفيديا” تتصاعد فى نوفمبر بعد صدور “تشات جى بى تى”، وهو روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعى، ومنذ ذلك الحين أطلقت جميع أنواع الشركات منتجات مفعمة بالذكاء الاصطناعى مما زاد مستوى الحماس.
جنسن هوانج، رئيس “مجموعة اٍن فيديا (NASDAQ:NVDA)”، متفائل بشكل لا يثير الدهشة، كما أنه يتحدث عن “عصر جديد للحوسبة”، ويبدو أن المستثمرون مبتهجين بنفس القدر، فقد ارتفع سعر سهم “إنفيديا” بأكثر من الضعف منذ بداية العام الجارى.
وأوضحت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن الإفراط فى الحماس له ما يبرره، فشركة “إنفيديا” فى وضع تُحسد عليه، إذ يدور عملها الأساسى حول تصميم رقائق عالية الأداء، وفى البداية باعت هذه الرقائق إلى مُصممى ألعاب الفيديو.
وكانت هذه الرقائق أيضًا عالية الكفاءة فى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعى، ومن هنا ظهرت سوق جديدة مزدهرة لـ”إنفيديا”، لكن الشركة لم تكن محظوظة فقط، فهى تُحسن أدائها كثيرًا مع كل جيل من الرقائق الجديدة، لتستحوذ اليوم على أكثر من 80% من سوق رقائق الذكاء الاصطناعى المتخصصة.
وكان لدى “إنفيديا” أيضًا خطة مدروسة للاستثمار فى مجالين ساعدا على ترسيخ تفوقها، إحداهما يتمثل فى الشبكات المتقدمة، نظرًا لأن نماذج التدريب بالذكاء الاصطناعى تتطلب قدرًا هائلاً من قوة المعالجة، بالتالى تُستخدم العديد من الرقائق، وأحيانًا الآلاف، فى آن واحد، وهذه الرقائق تتبادل البيانات عبر شبكة عالية الأداء ومصممة خصيصًا للذكاء الاصطناعى.
جدير بالذكر أن “إنفيديا” تسيطر اليوم على 78% من هذا السوق، بفضل شرائها شركة “ميلانوكس” المتخصصة فى عام 2019.
وتتمثل القوة الأخرى لـ”إنفيديا” فى برمجياتها، حيث تحظى منصة الذكاء الاصطناعى الخاصة بها “كيودا” بشعبية بين المبرمجين وتعمل فقط على رقائق الشركة.
وركزت الشركة على تشجيع المطورين على استخدام برمجياتها قبل وقت طويل من قيام منافسيها بجذبهم من خلال، على سبيل المثال، منح وصول مجانى إلى رقائقها وبرامجها لبعض الباحثين فى مجال الذكاء الاصطناعى، وعلى الرغم من كل هذه المزايا، إلا أن هيمنة “إنفيديا” الدائمة غير مضمونة.
فى البداية، ربما يتلاشى بعض الحماس المحيط بالذكاء الاصطناعى، فكلما زادت آفاق توقعات الشركة، زاد عدد المنافسين الذين ستجذبهم، فهناك شركات ناشئة وصُناع رقائق كبار مثل “إيه إم دى” و”إنتل” يريدون حصة من شبكة “إنفيديا” وأعمال الرقائق، فيما يعمل آخرون على البرمجيات مفتوحة المصدر والملكية التى قد تضعف سيطرة منصة “كيودا”.
ومع ذلك، ربما يظهر التحدى الأكبر من عملاء “إنفيديا” أنفسهم، حيث تعمل أذرع الحوسبة السحابية فى كل من “أمازون” و”ألفابت” على تصميم رقائقها المصممة خصيصًا للذكاء الاصطناعى، وكلاهما يتمتع بمزايا تجعلهما متنافسين مخيفين.
وتشكل الحكومات أيضًا خطرًا، حيث تبحث الجهات التنظيمية القلقة بشأن المخاطر التى يشكلها الذكاء الاصطناعى على المجتمع والأمن القومى عن طرق للسيطرة على التكنولوجيا.
وفى العام الماضى، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على بيع الرقائق وأدوات صناعة الرقائق عالية الأداء لبعض الشركات الصينية، الأمر الذى أثر على مبيعات “إنفيديا” فى الربع الثالث.
ومع ذلك، يبدو المستقبل مشرقًا فى الوقت الحالى، فحتى إذا كان هوس الذكاء الاصطناعى هادئًا، فمن المؤكد أن التكنولوجيا ستكون أكثر فائدة من العملات المشفرة، وهو جنون آخر استفادت منه “إنفيديا”، وربما تتسبب العمليات التنظيمية فى إعاقة النمو، لكنها لن تقضى عليه على الأرجح.
ولم يقدم أى من منافسى “إنفيديا” حتى الآن منتجات ذكاء اصطناعى تجمع بين البرامج والرقائق والشبكات، لكن الميزة الرئيسية لـ”إنفيديا” تكمن فى قدرتها على تجميع هذه العناصر وإنشاء نظام بيئى جذاب، ويبدو هذا كثيرًا وتقدمه شركات أخرى مثل “مايكروسوفت” و”أبل”.