جوهانسبرج، 29 ديسمبر/كانون أول (إفي): رغم الاثر العميق والشعور بالفخر لدى سكان جنوب أفريقيا لتنظيم مونديال 2010 لكرة القدم، إلا ان الأمر تحول الى ما يشبه المشكلة الكبرى بعد رحيل المنتخبات والملايين من عشاق الساحرة المستديرة، نظرا لسوء ادارة واستثمار البنية التحتية التي انشئت خصيصا لتنظيم البطولة وتكلفت عشرات المليارات من الدولارات.
فضعف الاستفادة المادية من الملاعب، وغيرها من عناصر البنية التحتية للبطولة، يدفع المتابع للوضع الى القول بان كل ما جنته الدولة الافريقية الوحيدة التي شرفت بتنظيم ما تؤكد الفيفا على انه "الحدث الرياضي الأهم على مستوى العالم" كان تحسين الصورة الذهنية لدولة جنوب أفريقيا، في ظل معدلات الجريمة والعنف المرتفعة، في بلد يعتبر الأخطر على مستوى الكرة الارضية.
فحسب استفتاء أجراه الاتحاد الدولي، فإن نحو 99% من المشجعين الذين سافروا لجنوب افريقيا لمؤازرة منتخبات بلادهم راضون عن المستوى، وصنفوا المونديال بأنه كان إيجابيا للغاية، فيما أعرب 98% عن رضاهم بالمناخ العام، بينما أكد 84% منهم أنهم حسنوا الصورة التي كانت في مخيلتهم عن البلد المستضيف.
ولم تؤثر موجة التفاؤل تلك على السياح فقط بل امتدت حتى لمواطني جنوب افريقيا أنفسهم الذين ما فتئوا يؤكدون بعد المونديال انهم أصبحوا واثقين في قدرة بلادهم على التقدم أكثر من أي وقت مضي، وذلك بحسب 84% منهم، فيما أعرب تسعة من كل عشرة اشخاص أن تقديرهم لأنفسهم زاد بشكل كبير بعد النجاح المبهر للتنظيم والمناخ المثير للبطولة وسط أنغام الفوفوزيلا.
ووصل الامر ببعض المحللين، مثل الجامايكي هوراك كامبل، الأستاذ بجامعة سيراكوس في نيويورك، ان قال "لقد امتدت إيجابيات المونديال لكل حدود القارة الأفريقية، إنها عززت الثقافة والتراث الأفريقي كاملا".
ورغم ذلك، وبعد أشهر قليلة من ختام المونديال، في 11 يوليو/تموز الماضي، بدأت جنوب أفريقيا في التعثر أمام صعوبات اقتصادية متمثلة في الحصول على عائدات مادية من الملاعب الجديدة التي تم إنشاؤها خصيصا للبطولة، علما بأن اجمالي الاستثمارات التي خصصتها الحكومة للمونديال من مطارات وطرق وملاعب بلغت 42 مليار و500 مليون يورو على الأقل.
وتكلف إنشاء ملعب كيب تاون وحده 450 مليون يورو، ليتحول إلى بؤرة مشاكل عقب عودة نجوم المونديال ومشجعيهم لبلادهم، حيث قررت الشركة التي أدارت أعماله خلال البطولة وتدعى (سيل ستاد فرانس) التخلي عن التزامها بتأجير الملعب لمدة 30 عاما.
وتعللت الشركة بأنها توصلت لنتيجة وهي ان اعتنائها بهذا الملعب الضخم سيكلفها مبالغ باهظة وأن المبالغ التي حددتها للإنفاق عليه خلال الأعوام الخمس المقبلة أكدت لها ان هذا الاستثمار سيكون "غير مسئول وغير حكيم".
وتواجه ملاعب سوكر سيتي، وبولوكوين، وبورت إليزابيث وضعا اقتصاديا لا يمكن تحمله بعد أن عجزت عن استضافة أية أحداث هامة بانتهاء المونديال.
ولحل تلك المشكلة العويصة، حاولت حكومة جنوب افريقيا مناشدة فرق الرجبي والكريكيت، الرياضتان المنتشرتان في البلاد واللتين تديران أموالا أكثر من كرة القدم، لاقامة مبارياتها على الملاعب الجديدة او الانتقال إليها لضمان استمراريتها.
إلا أن رد تلك المؤسسات الرياضية وفرق الرجبي والكريكيت كان بالرفض، لأن مسئولي الرياضة الجنوب افريقية لم يستشيروهم بخصوص كيفية إنشاء تلك الملاعب إذا كانوا يرغبون في استغلالها لإقامة تلك المباريات عقب المونديال.
وقال المدير التنفيذي للعبة الكريكيت في جنوب افريقيا، جيرالد ماجولا "بكل اسف، فمساحة الملاعب محدودة. إنهم لم يسألوننا قبل بدء تلك المشروعات ولن نستطيع ان نشكل جزءا من هذا المشروع الذي تسعى إليه الحكومة".
وعلى جانب آخر، أكد محللون آخرون، من بينهم بيت كويتزير، من مجلة "نشرة الاستخبارات الرائدة"، ان غياب التخطيط كان السبب الأوضح خلال إنشاء تلك الملاعب المبهرة، مشبها الوضع الحالي بـ"دفع الفاتورة بعد أن رحلت المنتخبات والمشجعون عن البلاد".
وبخصوص نظام النقل العام الجديد والذي شيد خصيصا لخدمة جماهير المونديال، فإن القليل فقط من مواطني البلد الأفريقي من يستفيدون من خط سكك "جاوترين"، والذي يعتبر مثالا على حداثة خطوط النقل في البلاد، لأن القليل فقط من يستطيع ان يدفع ثمن تذكرته البالغة (10 يورو) لنقله من وسط مدينة جوهانسبرج حتى المطار الرئيسي. (إفي).