من جون لويد
(رويترز) - يزيد ضغط الكماشة الوجودية التي تعيش دولة إسرائيل بين فكيها كلما زاد عدد القتلى من المدنيين واتسع نطاق الدمار في قطاع غزة.
والحرب الحالية بين إسرائيل وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) هي شاهد إضافي على الحقيقة التاريخية التي تقول إنه كان على الآباء أن يغزوا الأرض التي يعيش عليها الإسرائيليون اليوم ويدافعون عنها بشراسة. فما الأمل الذي بقي في الوصول إلى تسوية دائمة مع العرب؟
في كتابه "أرضي الموعودة" يثير آري شافيت الصحفي في هاآرتس بشكل متكرر ولاذع أخطر سؤال مطروح على بلاده: كيف نعيش كشعب حر على خلق على أنقاض شعب يعيش في حرمان؟ كيف نداوي جراح العرب المطرودين؟ وكيف نرعى الدولة-الحصن التي دفعنا فيها ثمنا غاليا؟
كتب شافيت يقول "إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الغرب التي تحتل شعبا آخر." ويضيف "وفي المقابل إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الغرب المهددة وجوديا. كل من الاحتلال والخوف يجعل دولة إسرائيل فريدة. الخوف والاحتلال هما الدعامتان التوأم لحالتنا."
شافيت يحب بلاده لكنه مع ذلك لا يخجل من وصف الدم الذي سال غزيرا عندما نالها شعبه. إنه ليس وحده في هذا المكان غير المريح. كتاب "1948" من تأليف المؤرخ بيني موريس واضح بنفس القدر بشأن الأعمال الوحشية التي صاحبت طرد 700 ألف فلسطيني إلى نفي دائم عندما كانت الدولة الجديدة تكافح من أجل أن تولد.
ورغم حرمانه من منصب جامعي لسنوات بسبب ردته عن المواقف الرسمية الصهيونية بشأن "كفاح التحرير" لم يغير موريس كلمة في كتابه لكنه غير رأيه في طبيعة الدولة الإسرائيلية فلم ينظر إلى قادتها بل نظر إلى الفلسطينيين وقادتهم معتبرا إياهم أعداء لا مهادنة معهم وربما لن يقوم سلام معهم أبدا.
كان هذا التغيير عرضا لمرض.
رغم أن إسرائيليين بارزين مثل ديفيد جروسمان يرفعون أصواتهم ضد الهجوم على غزة ورغم أنه كانت هناك مسيرات احتجاج صغيرة في إسرائيل فقد ظلت معارضة الإسرائيليين للحرب مكبوحة بينما بقيت الغالبية بين مؤيد ومحايد.
ويقول تمار هيرمان وهو باحث في علوم السياسة وناشط سابق في حركة السلام الآن ومؤلف الدراسة الشاملة عن الحركة إن اليسار المؤيد للسلام "فقد الصلة بالتيار الرئيسي." وحتى جروسمان الذي قتل ابنه في حرب 2006 في لبنان كتب يقول إن منطق الطريق المسدود الراهن يدفع إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها وكتب ذلك رغم أنه منتقد قوي لرفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مد يده لحماس أو الحديث بنية صافية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم المعسكر الفلسطيني المعتدل.
هكذا هناك قوتان متواجهتان كل منهما متحصنة في فكرها. ويقول نتنياهو "ليس هناك بالفعل حرب أكثر عدلا من هذه" بينما يقول خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس لتشارلي روز "أريد ان أعيش بدون احتلال."
يعرف مشعل جيدا أن الحرب التي يرفض إنهاءها عنيفة بشكل غير متناسب. فسلاح حماس الرئيسي -الصواريخ- يصل الى مدى في إسرائيل أكثر من ذي قبل لكنه فشل إلى الآن في إحداث الكثير من الأضرار في حين يملك جيش الدفاع الإسرائيلي التفوق العسكري بمختلف أشكاله على مقاتلي حماس. وإذا استمرت الحرب فإن الهزيمة أيا كان ما تعنيه سوف تكون بالتأكيد لحماس.
أقوى سلاح لدى حماس هو شاشات التلفزيون المنتشرة في العالم. فصور الأحياء السكنية التي دمرتها القنابل في غزة ومقتل كثيرين جدا من الأطفال الفلسطينيين –آخرهم سقط في مدرسة تابعة للأمم المتحدة يوم الأربعاء- أشياء مفزعة يلوم المشاهدون في الدول المسالمة والليبرالية إسرائيل عليها. والتعبير المتزايد عن ذلك يمثله الآن بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة الذي وصف الدمار بأنه "لا أخلاقي" مطالبا بالمحاسبة عنه والمعاقبة عليه. وفي نفس الوقت فإن أقوى حلفاء إسرائيل –الولايات المتحدة- عبرت عن "بالغ القلق" لأن المشردين الفلسطينيين لا يجدون الأمان في المنشآت التابعة للأمم المتحدة والتي تحولت إلى ملاجيء. وليس أمام أي زعيم غربي أكثر من الدعوة إلى هدنة. والهدنة التي تريدها حماس وبشروطها تتضمن بشكل خاص رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة وتخفيف التدابير الامنية التي تطبقها مصر على حدودها مع القطاع.
لكن مشاهد الدمار التي تظهر على التلفزيون لا يمكن أن تخفي حقيقة تخزين أسلحة حماس عمدا قرب المستشفيات والمدارس والمخابيء أو ما يمكن أن يكون رفضا من مقاتلي حماس للسماح لسكان غزة بمغادرة الأماكن التي تحذر إسرائيل من أنها أهداف محددة للقصف. وهذه التهم التي يرددها الإسرائيليون بين وقت وآخر وبعض المراقبين كذلك يمكن التأكد من حقيقتها أو زيفها إذا سمح بتحقيق أما التلفزيون فلم يقدم دليلا معها أو ضدها.
العقلية الجماعية لإسرائيل لا تسمح بتغطية تلفزيونية تنافسية. إن إسرائيل محكومة بالخوف من أن العالم المحيط بها يزداد غموضا وبالتالي أكثر خطورة. إيران التي فترت علاقتها مع حماس خلال السنوات الثلاث الماضية تدعو الآن كافة المسلمين إلى المشاركة في تدمير إسرائيل. وأعداء إسرائيل -كما كانوا دائما- يمكن أن يخسروا ويخسروا بينما إسرائيل لا يمكنها أن تخسر إلا مرة واحدة.
لكن دائرة العنف يمكن الا يكون صعبا كسرها.
في عرض لكتاب "أرضي الموعودة" يرصد جوناثان فريدلاند رئيس التحرير التنفيذي للجارديان بعض الحركة في اتجاه "هدف ضروري" يتمثل في الاعتراف بأعمال القمع التي تمت في الماضي والحاجة إلى اقتسام الأراضي. ويعتقد جروسمان أن الرأي الإسرائيلي ينضج تحت الضغط بما يكفي لأن يكون قادرا على تشكيل حركة فلسطينية-إسرائيلية يمينية-يسارية قوية للتفاوض والوصول إلى تسوية صعبة تتجاوز مواقف القادة السياسيين الإسرائيليين المتحجرة.
ومع ذلك يبقى السؤال الوجودي معلقا فوق رأس كل إسرائيلي: "ماذا إذا كان حل الدولتين غير ممكن؟" إنه السؤال الرهيب لأن الأمر إذا كان كذلك فإن كل ما يبقى على نحو واقعي هو الحرب التي ستمتد إلى المستقبل المنظور. غزة يمكن أن تكون مقدمة لما قد يحدث.
(إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي)