إيهاب حسن.
القاهرة، 29 ديسمبر/كانون أول (إفي): يبدو أن مظاهرات 15 مارس/آذار الماضي التي خرجت في الضفة الغربية وقطاع غزة، ترفع شعار "الشعب يريد انهاء الانقسام"، هو ما جعل القيادات الفلسطينية المتناحرة تدرك أن المصالحة هي قدر الشعب الفلسطيني إذا ما أراد الحياة الكريمة كغيره من شعوب العالم.
وفشلت كل المساعي لتحقيق المصالحة بين حركتي (حماس) التي تحكم قطاع غزة و(فتح) التي تحكم قبضتها على الضفة الغربية بعد المواجهات المسلحة بين الطرفين، منذ أن سيطرت الأولى على القطاع الواقع على الحدود المصرية في صيف 2007 ، بعد عام من فوزها بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/كانون ثان 2006.
وتصدت أكثر من عاصمة عربية في مقدمتها القاهرة والرياض وغيرهما لمحاولات للتوسط بين الطرفين انتهت ظاهريا بالتوقيع رسميا برعاية مصر في الرابع من مايو/آيار الماضي على اتفاق للمصالحة بين فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية خلال احتفال عقد بالقاهرة.
وتضمن اتفاق المصالحة، الذي جاء بعد أكثر من 18 شهرا من المفاوضات تشكيل حكومة من شخصيات مستقلة تتولى التحضير لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية متزامنة خلال مهلة عام من توقيع الاتفاق (مايو/آيار 2012) إلى جانب معالجة ملفات الأمن والانتخابات وتفعيل منظمة التحرير.
ولا شك في أن أهمية المصالحة تنبع من أنه لا سلام أو حرب بدونها، فمثلا إذا قامت السلطة الفلسطينية بـ"تسوية" ما مع إسرائيل في غياب المصالحة يستحيل تطبيقها في غزة، وبالمثل لا تستطيع حماس إذا قررت أن تقوض التهدئة وتعود لاستئناف "المقاومة" تفعيل قرارها، وبالأخص في ظل التباين الأيديولوجي فيما يخص إدارة الصراع العربي- الإسرائيلي.
وبالرغم من أن مدير المخابرات المصرية مراد موافي أكد أن بلاده تدير عملية الحوار الفلسطيني منذ 2008 "كي يتم تجاوز الانقسام لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة"، إلا أنه قال "الطريق ما زال طويلا وشاقا ويحتاج إلى العمل بكل صدق وتوافق جماعي".
وبجانب الخلاف الحاد بين الجانبين الذي اصطدم به تطبيق بنود الاتفاق حول الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة في ظل تمسك الرئيس محمود عباس برئيس الوزراء الحالي سلام فياض الذي ترفضه حماس تماما، فإن إسرائيل رفضت من جانبها هذا الاتفاق، واعتبرته خطرا على مصالحها ودشنت حملة دولية ضده.
واستمر اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه بالقاهرة معلقا، إلى أن برز مجددا عمليا في 24 نوفمبر/تشرين ثان الماضي بلقاء القاهرة الذي جمع بين الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والذي أكدا خلاله أنه يمثل "قوة دفع حقيقية باتجاه المصالحة".
ولكن في أعقابه سرعان ما واصل الجانبان تبادل الاتهامات، ولم يُنفذ شيء لا على صعيد إطلاق المعتقلين أو وقف الحملات الإعلامية. ووصفت مصادر مطلعة ملف المعتقلين بـ"المعقد" إذ تترقب حماس إطلاق حركة فتح لأنصارها من السجون في الضفة أولا، بينما ترى الثانية أنه يجب تطبيق عودة كوادرها للقطاع بضمانات عدم الملاحقة والمسائلة وهو ما ترفضه الأولى.
ومؤخرا، أكدت حركة حماس أنها ترفض استبعاد خيار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وقالت إنها أيضا لا تمتلك استبعاد حق المقاومة العسكرية للشعب الفلسطيني، وذلك ردا على تصريحات عباس حول وجود توافق معها على أن تكون المقاومة سلمية وشعبية ولا وجود لمقاومة عسكرية.
وجاءت تصريحات الرئيس عباس هذه في سياق مقابلة مع شبكة (يورونيوز) مننصف الشهر الجاري، حيث قال إنه اتفق مع مشعل خلال الاجتماع الأخير بالقاهرة على أسس الاتفاق القائمة على التهدئة والهدنة في غزة والضفة الغربية، وكذلك أن تكون المقاومة سلمية، بالإضافة إلى إقامة الدولة على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967.
وظل هذا التراشق إلى أن أعلن قبل أسبوع خلال اجتماع بالقاهرة ضم أمناء الفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس عن إقرار الشراكة السياسية الكاملة بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل في هذه المرحلة التي وصفها خالد مشعل بأنها "غير مسبوقة منذ تأسيس منظمة التحرير".
وقال مشعل، إن الانقسام حالة طارئة واستثنائية، وآن الأوان لطيه. وأكد مجددا "أن المصالحة الوطنية هي ضرورة وليست مصلحة عابرة"، موضحا أنه "لا يستطيع أحد الآن الانفراد بالقرار السياسي ولا بإدارة مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير".
وجاء اجتماع 22 من شهر ديسمبر الجاري بعد الاجتماع الأول للجنة منظمة التحرير التي شكلت بعد إعلان القاهرة في 2005 ، ليؤكد عباس على أهمية تفعيل مؤسساتها، والتعهد بدمج جميع الفصائل في المنظمة، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، والبدء في التحضير لانتخاب مجلس وطني جديد.
فيما تعقد لجنة المصالحة المجتمعية، التي تضم 17 عضوا من مختلف الفصائل، أول اجتماع لها على الأرض الفلسطينية بقطاع غزة في الرابع من الشهر المقبل للبدء في تنفيذ اتفاق المصالحة.
ومن المعروف أن حركتي حماس والجهاد ترفضان الاعتراف بإسرائيل وهو ما يمثل عائقا أمام لحاقهما بحركة فتح داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي تم بحث إعادة تفعيلها وتطوير وصياغة هياكلها قبل الانتخابات العامة المزمعة في مايو/آيار المقبل.
وسرعان ما أعلنت تل أبيب أن المصالحة بين حركتي فتح وحماس تقضي على أية فرصة للعودة المحتملة لمفاوضات السلام، وقالت إنها "لن تتحدث مع حكومة لا تعلن رسميا اعترافها بإسرائيل وتتخلى عن الإرهاب وتقبل الاتفاقيات المبرمة سابقا بين إسرائيل ومنظمة التحرير".
والمثير للجدل،أن إسرائيل في ظل الانقسام الذي تباركه منذ 2007 لم تعط الرئيس الفلسطيني أي تنازل يذكر يقوي موقفه المدافع عن المفاوضات المتوقفة منذ أكثر من عام بسبب عدم التوقف عن بناء المستوطنات والتي تتسارع وتيرة البناء فيها بالقدس والضفة الغربية حتى هذه اللحظة.
وبدورها، لا تتصور واشنطن أن تكون حماس جزءا من حكومة فلسطينية مقبلة، طالما أنها لم تستجب بعد لشروط الرباعية الدولية، وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل، ناهيك عن تهديد البيت الأبيض بقطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية.
ويأتي تفعيل المصالحة بعد أن تقدم الرئيس عباس أواخر سبتمبر/أيلول الماضي بطلب الحصول على اعتراف دولي من قبل الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس على حدود عام 1967 وهو ما تعارضه أوروبا والولايات المتحدة، مصرين على استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
كما يأتي بعدما رفعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 13 الجاري العلم الفلسطيني على مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، كأول منظمة دولية تعترف بدولة فلسطين كعضو كامل الحقوق، بعد إقرار ذلك في 31 أكتوبر/تشرين أول الماضي بالرغم من اعتراضات الولايات المتحدة وإسرائيل.
وهكذا يظل ملف المصالحة بين المطرقة الإسرائيلية الأمريكية وسندان الانقسام الذي تثار مخاوف تجدده عقب إجراء انتخابات تشريعية واحتمال فوز "حماس"، مرة أخرى، لأنه في هذه الحالة يمكن أن تفقد نخبة "فتح" ما تبقى من مزايا يتمتعون بها، وهو ما ينطبق أيضا على نخبة الحركة الإسلامية.(إفي)