من من ديفيد لويس
جوبا (رويترز) - عندما اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 2013 وجدت نياياث أولواك نفسها محاصرة وسط النيران في بلدة ملكال الشمالية ومزقت رصاصة ساقها. نجت هي غير أن ساقها لم تنج.
عندما غادرت المستشفى وجدت ملاذا مع أسرة في مدينة يي الواقعة إلى الجنوب لكنها اضطرت للفرار من جديد بعد اتساع نطاق الحرب.
والآن أصبح بيتها في مخيم خارج العاصمة تحيط به الأسلاك الشائكة والتحصينات المحاطة بأكياس الرمل التي يقوم فيها رجال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالحراسة.
وليس لدى هذه السيدة المسنة أمل يذكر أن ينجح زعيما الجانبين المتحاربين في جنوب السودان، رئيس جنوب السودان سلفا كير من قبيلة الدنكا ونائبه السابق ريك مشار من قبيلة النوير، في مداواة العداوة الشخصية والقبلية التي قسمت جنوب السودان بعد عامين فحسب من إعلان قيام الدولة لتصبح أحدث دول العالم.
قالت وهي تجلس على الأرض الترابية في ملجأ كان يستخدم من قبل لتعليم الأطفال القواعد اللغوية والرياضيات لكن الوافدين الجدد أصبحوا يشغلونه الآن "لا أعتقد أن القيادات ستحل هذا الوضع في أي وقت قريبا. أنا حتى لا أعرف ما يتقاتلون عليه".
يستضيف المخيم الواقع خارج جوبا 30 ألف شخص أي ما يزيد بنسبة 50 في المئة على طاقته الاستيعابية.
ويمثل اللاجئون في المخيم جزءا من أكبر حركة انتقال للناس في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994. ويبلغ اجمالي عدد اللاجئين حوالي مليونين داخل جنوب السودان وما يقرب من العدد نفسه خارج حدود الدولة.
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن الصراع، الذي ترجع جذوره أيضا إلى الرغبة في السيطرة على الثروة النفطية في جنوب السودان، يرقى إلى حد التطهير العرقي ويهدد بالتصاعد إلى إبادة جماعية.
وقال مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي بعد التجول في المخيم حيث تنتشر في الجو روائح الصرف الصحي ويلعب الأطفال كرة القدم "روى لي الناس قصص الخوف والعنف".
واستغل سكان المخيم المعدمين فرصة وجود جراندي للشكوى من المصاعب التي يواجهونها يوميا.
وشكا كون تشول منسق التعليم من ازدحام المخيم ونقص المقننات. وقالت أنجلينا نياجاك إحدى المندوبات عن النساء إن من يغادرن المخيم لمحاولة زيادة دخلهن يجازفن بالتعرض للاعتداء والاغتصاب على أيدي مسلحين.
وفي موجة الاشتباكات الرئيسية الأخيرة في يوليو تموز الماضي قتل 60 شخصا في المخيم. والآن تقف ناقلات جنود مدرعة حول محيط المخيم. وتعهد جراندي بنقل شكاوى سكان المخيم في لقاءاته مع قادة جنوب السودان.
وقال "لا حيلة لي سوى مخاطبة إحساسهم بالمسؤولية على أن يكون عندهم هذا الإحساس. فهروب الناس دليل واضح على أنك لا تأخذ مسؤولية كافية عن مواطنيك. فالناس لن يهربوا إذا لم يشعروا بالخوف".
* جهود السلام
بعد فشل عدة محاولات للتوصل إلى سلام أطلق جنوب السودان حوارا وطنيا في حين سعت قيادات إقليمية لإحياء المحادثات التي تمت بوساطة دولية.
غير أن قلة من سكان المخيم هي التي تتمسك بالأمل في الوقت الذي لا يشارك فيه ريك مشار المحتجز في جنوب أفريقيا رهن الإقامة الجبرية في المفاوضات.
وقال جون ويوال المنتمي لقبيلة النوير الذي لا يبعد بيته سوى خمسة كيلومترات "هذا يتعلق بالسلطة. المشكلة حدثت عندما قال ريك إنه سيشارك في الانتخابات أمام سلفا".
وأضاف "يحتاجون فقط لجمع هذين الاثنين معا. فلن يحدث سلام في جنوب السودان ما دام ريك مستبعدا".
وقال جراندي إن فشل الاتفاقات السابقة، بدءا من تلك التي أنهت عقودا من الحرب مع الخرطوم وفتحت لجنوب السودان باب الاستقلال إلى محاولات السلام الأخيرة، معناه أن إعادة بناء الثقة مهمة صعبة.
وقال "لابد من التوصل إلى اتفاق جيد جدا لإقناع الناس بالعودة. ولابد أن يكون قابلا للاستمرار. فلا شيء أسوأ من عودة الناس واضطرارهم للفرار من جديد".
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير علا شوقي)