من طارق عمارة
تونس (رويترز) - صنفت منظمة مراسلون بلا حدود تونس كأول بلد عربي في حرية الصحافة وعزز الصحفيون التونسيون هذه الحرية منذ انتفاضة 2011 التي أنهت حكم زين العابدين بن علي.. إلا أن كثيرا منهم لا يزال يعاني أوضاعا اجتماعية هشة تهدد بنسف هذا المكسب.
وهذا الشهر وضعت منظمة مراسلون بلا حدود تونس في المرتبة 96 عالميا في مجال حرية الصحافة والأولى عربيا متقدمة بحوالي 30 رتبة مقارنة بالعام الماضي. وقبل انتفاضة 2011 كانت تونس تحتل المرتبة 164 وتصنف على أنها من أكثر الدول انتهاكا لحرية الصحافة في العالم.
لكن من المفارقات أن مشاعر الخيبة والإحباط عمت صفوف الإعلاميين في تونس بدلا من الاحتفال بهذه المناسبة وذلك مع تزايد سخط فئة غير قليلة منهم على أوضاعهم الاجتماعية الهشة والمتردية وخصوصا بين الشبان.
ويوم الثلاثاء أعلن صحفيو وتقنيو راديو شمس إف.إم -الذي صادرته الدولة بعد انتفاضة 2011 بعد أن كان ملك ابنة الرئيس السابق- الدخول في إضراب عن العمل للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والحصول على منح.
ومنذ أيام دخل أيضا صحفيو جريدة التونسية الورقية في اعتصام للمطالبة بصرف رواتب الأشهر الثلاثة الماضية.
وحرية الصحافة والتعبير من المكاسب النادرة التي نالها التونسيون منذ 2011 ولكن كثيرين يخشون أن تكون هذه الحريات مهددة في ظل الوضع المتردي لفئة غير قليلة من الصحفيين.
وقال رئيس الوزراء الحبيب الصيد إنه معتز بالقفزة النوعية التي حققها الإعلام الوطني بما بوّأ البلاد مكانة متميزة في مجال حرية الصحافة والتعبير وأكد حرص الحكومة على دعم الظروف الملائمة "لاضطلاع الصحفيين التونسيين -في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية- برسالتهم النبيلة على الوجه الأفضل".
وإضافة إلى راديو شمس إف.إم وجريدة التونسية يعتصم أيضا صحفيون بشركة كاكتوس للإنتاج الإعلامي للمطالبة بتحسين الأوضاع المهنية وتغيير صيغة التشغيل الهشة إلى عقود واضحة تتضمن كل الحقوق.
وحولت الاعتصامات والإضرابات موعدا كان يفترض أن يكون يوما للاحتفال إلى يوم للغضب خصوصا لدى الصحفيين الشبان.
وقالت الصحفية منى البوعزيزي "كيف سنحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة وزملاؤنا في (شمس إف.إم) في إضراب عام؟ كيف سنحتفل وزملاؤنا في جريدة التونسية بلا أجور منذ 90 يوما؟ كيف سنحتفل وزملاؤنا المطرودون في حنبعل لم يتحصلوا على حقوقهم؟ كيف سنحتفل وبعض زملائنا في قناة الحوار التونسي يعانون غطرسة؟ كيف سنحتفل وزملاؤنا في قناة تونسنا يعملون بلا عقود؟".وتضيف البوعزيزي وهي صحفية بجريدة الشروق أونلاين "كيف سنحتفل وفي قطاعنا يحتضر يوميا عشرات الصحفيين بسبب القهر والظلم واستبداد بعض الحمقى الذين يستغلون ملياراتهم المشبوهة لسحق أبناء السلطة الرابعة؟".
* حريات وتحديات
يعاني الصحفيون الشبان من تدني الرواتب ويخلق هذا أجواء مشحونة ويضع مزيدا من الضغوط على أصحاب المؤسسات الإعلامية التي تجني أرباحا ضخمة من عائدات الإعلانات لكنها تواصل الاعتماد على سياسات تشغيل هشة.
وقال محمود الذوادى رئيس مركز تونس لحرية الصحافة "لا يمكن أن نضمن الأسس الثابتة لحرية التعبير دون تغيير الواقع المادي المخجل والمرير للصحفيين."
ولا يتجاوز أجر بعض الصحفيين 200 دولار شهريا.
وقال نقيب الصحفيين ناجي البغوري في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء "ما شهدناه هذا العام مخيف ولم يسبق أن حدث في تاريخ تونس. حوالي 180 صحفيا تم طردهم بينما تلقينا 300 شكوى لعدم خلاص الرواتب."
وأضاف أن حماية الصحفي وتعزيز حقوقه من أهم الأولويات لنقابة الصحفيين في المرحلة المقبلة.
ولكن رغم التقدم في مجال الحريات والتخلص من سطوة الحكومة والسلطة على وسائل الإعلام مازالت عدة شوائب تخيم على الإعلام المحلي وربما تهدد الحرية الهشة أصلا لعل أبرزها عدم توافر حماية للصحفيين حيث أصبح الصحفي عرضة للاعتداء من قبل الشرطة والمواطنين دون أن يلي ذلك جزاء أو محاسبة.
وخلال كثير من المظاهرات في السنوات الأخيرة تعرض عدد من الصحفيين للعنف على أيدي قوات الأمن. واعتذر المسؤولون في عدة مناسبات لكن دون حالة عقاب واحدة.
ويقول مركز تونس لحرية الصحافة إن أكثر من 80 بالمئة من الصحفيين لا يقدمون بلاغات وشكاوى بعد الاعتداء عليهم نظرا لبطء الإجراءات.
(تغطية صحفية للنشرة العربية طارق عمارة من تونس - تحرير أمل أبو السعود)