من جورج جحا
بيروت (رويترز) - قصائد مجموعة الشاعرة السورية نسرين أكرم خوري (بجرة حرب واحدة) تتسم ببساطة فنية أخاذة تتفجر إيحاء ورموزا وصورا لتصف عمل الحرب في النفس والعالم المحيط بها.
أهمية البساطة في مثل هذه الحال تكمن في أمور منها بعدها عن التسطيح والسذاجة وفي الوقت نفسه عن التعقيد إذ استطاعت الشاعرة الشابة أن تحول أوضاعا معقدة جدا إلى شأن إنساني نفاذ وبسيط وجمالي على ما فيه من المفجع.
الرموز في قصائد المجموعة عامة "سيالة" بعيدة عن الغموض الفكري البارد أو المرهق إنما هي شئ من الحياة مألوف وقادر على أن ينقلنا إلى آفاق نكتشف أنها كانت قابعة في أعماقنا.
القصائد -وهي من نوع قصيدة النثر- حافلة بتأثيرات الحرب التي تعصف ببلدها لكنها لا تكتفي بتصوير الموت مباشرة والخراب المادي.. إنها تروي حكايات الحب التي قضى عليها الرحيل والآمال المندثرة سحقا والمقاهي المطفأة بعد أن كانت تجمعات تشكل مهرجانات محلية للناس في السهرات الحلوة.
المجموعة التي اشتملت على 41 قصيدة ووردت في 86 صفحة متوسطة القطع صدرت عن (دار التكوين) في دمشق وبلوحة غلاف للفنانة التشكيلية أمل زياد كعوش. نسرين أكرم خوري ولدت في حمص سنة 1983 وهذه هي مجموعتها الأولى.
القصيدة التي حملت عنوان المجموعة (بجرة حرب واحدة) تقول فيها الشاعرة وبموسيقى واضحة مختصرة واقع عالمها "لا أخوات لي كي تنادي أمي علي بأسمائهن / ولم يخلقني الله على شبه واحدة من عشيقات حبيبي /كنت البكر بين أحفاد العائلتين / بجديلة شقراء طويلة / في بيت بلا شرفات / بقيت الوحيدة العازبة / بين الصديقات السمراوات / كل هذه الوحدة يا الله / أطاحت بها البلاد / بجرة حرب واحدة / وصرت أحار متى أرد / إن نادوا علي / بقتيلة أم بقاتلة."
وفي قصيدة (غميضة) تستعمل أسلوب "الطرة والنقشة" أو "الملك والكتابة" أي اختيار شخص وجها من وجهي قطعة النقد والآخر الوجه الثاني والمراهنة على أي منهما يربح.
تقول "نحن الخاسرين / نلعب (طرة–نقش) بفكة على وجهها التقطت صورة للهزيمة / وعلى الآخر كتبت كلمات تأبيننا / نرشو بها حصالة الهاتف كي نسمع أصواتا لا تجيب / نرميها في بحيرت التمني / ونراقب دوائر حظنا وهي تتلاشى."
وفي قصيدة (ما بقي من أدراج النازح) تقول "قبل أن أمشي ويغادرني بيتنا / تركت فستاني الجديد مرميا على السرير / تتدلى منه ورقة الماركة / كتميمة تحرسه / لكنها -على ما يبدو– لم تمنع أصابع الحرب / من فض بكارته."
وفي قصيدة (مقهى الفرح) تكثيف واختصار لسمات من الحرب وتحول من الفرح إلى أرض موحشة. تقول "كانوا شلة شباب يلتقون كل مساء في مقهى الفرح / يشربون النرجيلة .. يلعبون الورق / يشاهدون مباريات كرة القدم / يتعاركون بسبب ورقة رماها أحدهم وقلبت (اللعبة) رأسا على عقب / أو بسبب تسلل احتسبه الحكم الاوروبي هدفا / أو لخلاف أزلي بين مشجعي النثر وجمهور التفعيلة.
"مرة تسلل أحدهم واستبدل ريش وسادات المعارك بالرصاص / وهكذا بدلا من أن تفض بكوب شاي / صار يلزمها بطحة دم / يبغيها المقهى بعد رحيلهم الواحد تلو الاخر.
"المقهى الذي أصيب بتشمع الكبد ومات / ولكنه على ما يبدو طالب المدينة بحرق جثته / وتركها جمرة لا تنطفىء ولا تشعل نرجيلة."
قصيدة (أنسولين) فيها تفلت لطيف من كابوس الحرب والالتفات إلى الحب وهموم الذات. قالت الشاعرة "يقول: أحب نمشك الخفيف / والغمازة تلك
من جورج جحا
بيروت (رويترز) - قصائد مجموعة الشاعرة السورية نسرين أكرم خوري (بجرة حرب واحدة) تتسم ببساطة فنية أخاذة تتفجر إيحاء ورموزا وصورا لتصف عمل الحرب في النفس والعالم المحيط بها.
أهمية البساطة في مثل هذه الحال تكمن في أمور منها بعدها عن التسطيح والسذاجة وفي الوقت نفسه عن التعقيد إذ استطاعت الشاعرة الشابة أن تحول أوضاعا معقدة جدا إلى شأن إنساني نفاذ وبسيط وجمالي على ما فيه من المفجع.
الرموز في قصائد المجموعة عامة "سيالة" بعيدة عن الغموض الفكري البارد أو المرهق إنما هي شئ من الحياة مألوف وقادر على أن ينقلنا إلى آفاق نكتشف أنها كانت قابعة في أعماقنا.
القصائد -وهي من نوع قصيدة النثر- حافلة بتأثيرات الحرب التي تعصف ببلدها لكنها لا تكتفي بتصوير الموت مباشرة والخراب المادي.. إنها تروي حكايات الحب التي قضى عليها الرحيل والآمال المندثرة سحقا والمقاهي المطفأة بعد أن كانت تجمعات تشكل مهرجانات محلية للناس في السهرات الحلوة.
المجموعة التي اشتملت على 41 قصيدة ووردت في 86 صفحة متوسطة القطع صدرت عن (دار التكوين) في دمشق وبلوحة غلاف للفنانة التشكيلية أمل زياد كعوش. نسرين أكرم خوري ولدت في حمص سنة 1983 وهذه هي مجموعتها الأولى.
القصيدة التي حملت عنوان المجموعة (بجرة حرب واحدة) تقول فيها الشاعرة وبموسيقى واضحة مختصرة واقع عالمها "لا أخوات لي كي تنادي أمي علي بأسمائهن / ولم يخلقني الله على شبه واحدة من عشيقات حبيبي /كنت البكر بين أحفاد العائلتين / بجديلة شقراء طويلة / في بيت بلا شرفات / بقيت الوحيدة العازبة / بين الصديقات السمراوات / كل هذه الوحدة يا الله / أطاحت بها البلاد / بجرة حرب واحدة / وصرت أحار متى أرد / إن نادوا علي / بقتيلة أم بقاتلة."
وفي قصيدة (غميضة) تستعمل أسلوب "الطرة والنقشة" أو "الملك والكتابة" أي اختيار شخص وجها من وجهي قطعة النقد والآخر الوجه الثاني والمراهنة على أي منهما يربح.
تقول "نحن الخاسرين / نلعب (طرة–نقش) بفكة على وجهها التقطت صورة للهزيمة / وعلى الآخر كتبت كلمات تأبيننا / نرشو بها حصالة الهاتف كي نسمع أصواتا لا تجيب / نرميها في بحيرت التمني / ونراقب دوائر حظنا وهي تتلاشى."
وفي قصيدة (ما بقي من أدراج النازح) تقول "قبل أن أمشي ويغادرني بيتنا / تركت فستاني الجديد مرميا على السرير / تتدلى منه ورقة الماركة / كتميمة تحرسه / لكنها -على ما يبدو– لم تمنع أصابع الحرب / من فض بكارته."
وفي قصيدة (مقهى الفرح) تكثيف واختصار لسمات من الحرب وتحول من الفرح إلى أرض موحشة. تقول "كانوا شلة شباب يلتقون كل مساء في مقهى الفرح / يشربون النرجيلة .. يلعبون الورق / يشاهدون مباريات كرة القدم / يتعاركون بسبب ورقة رماها أحدهم وقلبت (اللعبة) رأسا على عقب / أو بسبب تسلل احتسبه الحكم الاوروبي هدفا / أو لخلاف أزلي بين مشجعي النثر وجمهور التفعيلة.
"مرة تسلل أحدهم واستبدل ريش وسادات المعارك بالرصاص / وهكذا بدلا من أن تفض بكوب شاي / صار يلزمها بطحة دم / يبغيها المقهى بعد رحيلهم الواحد تلو الاخر.
"المقهى الذي أصيب بتشمع الكبد ومات / ولكنه على ما يبدو طالب المدينة بحرق جثته / وتركها جمرة لا تنطفىء ولا تشعل نرجيلة."
قصيدة (أنسولين) فيها تفلت لطيف من كابوس الحرب والالتفات إلى الحب وهموم الذات. قالت الشاعرة "يقول: أحب نمشك الخفيف / والغمازة تلك المتواضعة على مكان غريب من وجهك / أنا لم أر النمش الخفيف / وما زلت أبحث عن الغمازة / ولكنني أصدقه وأكذب كل المرايا."
وفي قصيدة (أنانية) اختصار وتكثيف رمزيان تصويريان للرحيل ولكثير من مآسي الحرب. تقول "أنا العتبة التي أزهرت مفتاحا / أنا المفتاح الذي أزهر بابا / أنا الباب الذي أزهر بيتا / أنا البيت الذي أزهر عائلة / أنا العائلة التي أزهرت وداعا / أنا الوداع بباب مقفل وعتبة تبكي مفاتيح."