من أليستير ماكدونالد
ستراسبورج (رويترز) - وجه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مناشدة للدول الأوروبية يوم الأربعاء للمشاركة في استيعاب موجة من المهاجرين المتزاحمين على حدودها ولكن في الوقت نفسه تعهد بتشديد الإجراءات على الحدود لعدم قبول اللاجئين غير المرغوب فيهم.
وبينما كان يونكر يتحدث كانت هناك حالة من الفوضى في أنحاء القارة حينما أغلقت الشرطة في المجر والنمسا والدنمرك الطرق السريعة بينما كانت مجموعات من المهاجرين تضم كل منها المئات تسير شمالا. وتحدى عشرات الآلاف من المهاجرين السياج الحدودي الجديد للمجر وقوانين اللجوء الخاصة بالاتحاد الأوروبي وعبروا الحدود للوصول إلى المانيا والسويد.
وفي مواجهة معارضة من زعماء وطنيين منعوا إقرار خطة في وقت سابق لنقل طالبي اللجوء من إيطاليا واليونان والمجر المزدحمة باللاجئين استغل يونكر خطابه السنوي عن حالة الاتحاد أمام البرلمان الأوروبي في الدعوة لزيادة أرقام استيعاب اللاجئين وفقا للحصص الإجبارية إلى أربعة أمثالها لتصل إلى 160 ألفا.
وقال "الأعداد مهولة. وهي مخيفة بالنسبة للبعض" وذلك في إشارة إلى ارقام تفيد بأن نصف مليون شخص ربما يكونون قد وصلوا إلى أوروبا هذا العام. "ولكن الوقت الحالي ليس ملائما للوذ بالخوف.. ولكن لاتخاذ إجراء شجاع وحازم ومتضافر."
ووجه مناشدة من أجل "عدالة تاريخية" مذكرا أبناء أوروبا الشرقية بماضيهم حينما واجهوا استقبالا متفاوتا في الترحيب حينما كانوا لاجئين.
وعارضت قيادتا جمهورية التشيك وسلوفاكيا بشدة نظام الحصص وقالتا إن ذلك سيجتذب مزيدا من اللاجئين وسيثقل كاهل المجتمعات المحلية. ولكن مع إلقاء ألمانيا وفرنسا بثقلهما وراء يونكر قالت رئيسة الوزراء البولندية إيفا كوباج إنها تلقت رسالته هي الأخرى.
وبعد أن صرح منافسها في انتخابات الشهر المقبل إن على بولندا ألا تذعن للضغوط من جانب الاتحاد الأوروبي قالت "إن الدعوات من أجل تضامن بولندا ليست ابتزازا.. إن العمل بشكل مشترك وفاعل ضمن الاتحاد الأوروبي يصب في مصلحتنا.. لنكن محترمين.. الرئيس يونكر ذكرنا بأننا كنا لاجئين في يوم من الأيام."
وقال رئيس المفوضية الأوروبية بعد خطابه إنه شعر بالتشجيع عقب مناقشاته الأخيرة مع القيادات الوطنية قبل أن يجتمع وزراء داخلية الدول الأوروبية يوم الاثنين لمحاولة التوصل لموقف مشترك من مقترحاته.
الاستجابة العالمية
ومع عدم انكسار حدة العنف في العراق وسوريا التي لجأ أربعة ملايين من مواطنيها إلى الدول المجاورة فإن الأزمة الأوروبية نالت اهتماما عالميا. فقالت أستراليا إنها ستقبل 12 ألف سوري إضافي وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن واشنطن ملتزمة باستيعاب عدد إضافي.
وقال يونكر إنه ينبغي على أوروبا أن تستوعب مزيدا من اللاجئين قبل أن يقوموا برحلات بحرية محفوفة بالمخاطر تنظمها عصابات إجرامية للوصول إليها. وهناك أيضا حاجة لأن تقدم أوروبا الدعم لتركيا والأردن ولبنان التي استضافت عددا من السوريين والعراقيين فاق كثيرا عدد من استضافهم الاتحاد الأوروبي.
واقترح يونكر اعتماد آلية دائمة لإعادة التسكين حينما تواجه الدول زيادة في أعداد القادمين إليها. وبمقتضى القوانين المطبقة حاليا فإن أول دولة من دول الاتحاد الأوروبي يصل إليها المهاجرون يتعين عليها التعامل مع طلباتهم باللجوء.
وباستثناء بريطانيا وأيرلندا والدنمرك التي لديها استثناءات قائمة فإنه ليس بمقدور الدول سوى تطبيق سياساتها الخاصة إذا واجهت أزمتها بنفسها.
ويقول مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إن المفوضية الأوروبية مستعدة لدفع مجلس الدول الأعضاء لتجاوز أي أزمة من خلال التصويت عليها. وهو أمر يكره القادة القيام به عادة. وربما يكشف بصورة أكبر الانقسام بين الشرق والغرب في هذه القضية.
وجدد يونكر انتقاده لقيام رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ببناء حاجز على الحدود مع صربيا غير العضو في الاتحاد الأوروبي. ولكنه اعترف بأنه لا يوجد حل سهل للأزمة.
وشددت مقترحات المفوضية الأوروبية الأخيرة المكونة من سبع نقاط- والتي تضمنت أيضا إنشاء صندوق بقيمة 1.8 مليار يورو لمساعدة الدول الأفريقية التي تضم كثيرا من المهاجرين لأسباب اقتصادية- على سرعة ترحيل كل الأشخاص من غير المؤهلين للحصول على حق اللجوء.
في الطريق
ولكن تطبيق معايير الاتحاد الأوروبي المشتركة أمر متباين. ويعترف مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأنه حتى مع إنشاء "نقاط ساخنة" يديرها موظفون من الاتحاد الأوروبي لمساعدة إيطاليا واليونان على تجفيف موجات اللاجئين القادمين من مختلف أنحاء البحر المتوسط .. ما زال من غير الواضح كيف يمكن إجبار أعداد كبيرة من رافضي المغادرة على الرحيل.
والشيء نفسه ينطبق على من يعاد تسكينهم. وكثير من السوريين والعراقيين والإريتريين الذين يقول الاتحاد الأوروبي إنهم الأكثر استحقاقا ويشكلون الجزء الأكبر ممن تعرض عليهم الإقامة يريدون الوصول إلى دول غنية كألمانيا والسويد.
وعلى الرغم من أن القانون يلزمهم بالبقاء في الدولة التي تجري فيها دراسة طلبهم اللجوء فإن هذا الصيف قد أظهر كيف يمكن أن يتجاهل الناس ذلك. وهو ما شكل ضغطا على المناطق التي يطبق فيها نظام تأشيرة شينجن الأوروبية.
وبدأ نحو 300 شخص بينهم أطفال اليوم الأربعاء السير بجانب طريق رئيسية تربط الدنمرك بألمانيا. ويبدو أنهم يعتزمون العبور إلى السويد التي فيها بالفعل كثير من اللاجئين.
وقالت منظمة العفو الدولية "بينما ستساعد المقترحات اليوم في التعامل مع أزمة اللاجئين.. فإنها لن تحلها بالطبع.. لا على المدى القصير ولا على المدى البعيد. وينبغي أن تعمل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع المفوضية لتنفيذ عملية تعديل شامل أكثر طموحا لنظام اللجوء المطبق في الاتحاد الأوروبي.
أوقفوا القوارب
ويونكر رئيس سابق للوزراء في لوكسمبورج. وتسبب خلال تسعة شهور شغل فيها منصبه في إغضاب زملاء في قمة الاتحاد الأوروبي من خلال اتهامهم بتغليب المشاعر القومية. ورحب أعضاء البرلمان في ستراسبورج بشكل حميمي بمناشدته العاطفية.
وقال يونكر في كلمته التي استمرت 80 دقيقة وأصر على إلقائها برغم وفاة والدته يوم الأحد "إن أوروبا تمثل اليوم طاقة أمل.. ملاذا للاستقرار في أعين النساء والرجال في الشرق الأوسط وأفريقيا. وهذا شيء نفخر به ولا نخشاه."
"إن أوروبا التي أرغب أن أعيش فيها متجسدة عند من يريدون تقديم المساعدة" واستنكر الدعوات للتمييز بين اللاجئين بحسب دينهم وقال إن القارة الأوروبية بحاجة إلى طريق قانونية جديدة لاجتذاب العمال والمواهب.
وأبدى نايجل فاراج زعيم حزب الاستقلال البريطاني المعارض للاتحاد الأوروبي معارضته قائلا إن معظم من يصلون هم فارون من أزمات اقتصادية وإن على الاتحاد الأوروبي أن يحذو حذو أستراليا في تطبيق سياسة "أوقفوا القوارب" لوقف تدفق "أعداد مهولة" منهم.
وقاطع البرلماني الإيطالي جيانلوكيا بونانو المنتمي لحزب رابطة الشمال المعارض للهجرة يونكر ليقول إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تملي سياسات الهجرة على أوروبا. واشتكت برلين من أن إيطاليا لم تفعل شيئا يذكر لوقف تدفق المهاجرين على الشمال.
وقال يونكر إن أزمة اللاجئين هي أولويته الأولى.. وتأتي قبل الاقتصاد وأزمة ديون اليونان وأوكرانيا والتغير المناخي والتصويت على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن تلك القائمة من القضايا تظهر أن الاتحاد الأوروبي في حالة سيئة. وتابع قوله "لا توجد روح أوروبا في هذا الاتحاد.. ولا يوجد اتحاد في هذا الاتحاد."