من أحمد رشيد وأحمد أبو العينين
بغداد (رويترز) - توعدت إيران برد قاس بعد أن أسفرت ضربة جوية أمريكية في بغداد يوم الجمعة عن مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني والعقل المدبر للنفوذ العسكري المتنامي لطهران في الشرق الأوسط.
وكان الجنرال سليماني (62 عاما) يعتبر ثاني أقوى رجل في إيران بعد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
ويمثل الهجوم الذي وقع خلال الليل بأوامر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصعيدا كبيرا في "الحرب غير المباشرة" في الشرق الأوسط بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما إسرائيل والسعودية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الغارة الجوية استهدفت تعطيل "هجوم وشيك" من شأنه أن يعرض حياة أمريكيين للخطر في الشرق الأوسط. لكن معارضين ديمقراطيين يقولون إن الرئيس الجمهوري زاد مخاطر تصعيد العنف في منطقة خطرة.
وامتنع بومبيو، في مقابلتين أجرتهما معه شبكتا فوكس نيوز وسي إن إن، عن الخوض في تفاصيل التهديد المزعوم، لكنه قال إن "تقييما على أساس معلومات المخابرات" كان الدافع المحرك وراء القرار الأمريكي باستهداف سليماني.
وأسفر الهجوم أيضا عن مقتل القيادي العراقي الكبير أبو مهدي المهندس، وهو مستشار لسليماني.
وتخوض إيران صراعا طويلا مع الولايات المتحدة، وتصاعد بشكل حاد الأسبوع الماضي بهجوم على السفارة الأمريكية في العراق نفذه أفراد فصائل تدعمها طهران في أعقاب غارة جوية أمريكية على فصيل كتائب حزب الله الذي أسسه المهندس.
وفي رد فعل على الضربة، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إن واشنطن انتهكت الاتفاق الذي تبقي بموجبه جنودا أمريكيين في بلاده.
ووضعت إسرائيل جيشها في حالة تأهب بينما أعربت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن القلق من تصاعد التوتر.
وقال مسؤولون أمريكيون طلبوا عدم الكشف عن هويتهم إن سليماني قتل في هجوم بطائرة مسيرة. وقال الحرس الثوري الإيراني إنه مات في هجوم بطائرات هليكوبتر أمريكية.
وناشدت السفارة الأمريكية في بغداد جميع المواطنين مغادرة العراق فورا.
ويغادر عشرات الأمريكيين العاملين لدى شركات النفط الأجنبية في البصرة البلاد. وقال مسؤولون عراقيون إن عمليات الإجلاء لن تؤثر على الإنتاج وإن الصادرات لم تتأثر.
وارتفعت أسعار النفط ثلاثة دولارات بسبب المخاوف من تعطل إمدادات النفط من الشرق الأوسط.
وقال خامنئي إن انتقاما عنيفا بانتظار "المجرمين" الذين قتلوا سليماني وإن مقتله، رغم مرارته، سيضاعف الحافز لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل.
ودعا خامنئي في بيان بثه التلفزيون الرسمي إلى الحداد ثلاثة أيام وعين نائبه الجنرال إسماعيل قاءاني ليخلفه في قيادة فيلق القدس.
* أصبع ديناميت
ووصف منتقدو ترامب العملية بأنها حماقة.
وقال جو بايدن نائب الرئيس السابق والمنافس الأبرز لترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة "كل ما فعله ترامب أنه غرس أصبع ديناميت في برميل بارود".
وبصفته قائدا لفيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري، لعب سليماني دورا رئيسيا في القتال بسوريا والعراق.
وعلى مدى عقدين، كان سليماني في موقع الصدارة في جهود إبراز نفوذ إيران العسكري في الشرق الأوسط، وأصبح من المشاهير في الداخل والخارج.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن اغتيال سليماني سيجعل إيران أكثر حزما في مقاومتها للولايات المتحدة، بينما قال الحرس الثوري إن القوات المناوئة للولايات المتحدة ستثأر لمقتل سليماني في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
وخرج مئات الإيرانيين في مسيرة صوب المجمع الذي يقيم به خامنئي في وسط طهران لتقديم التعازي.
وقالت مينا خوسر زاده وهي ربة منزل في طهران "لست مؤيدة للنظام لكنني كنت معجبة بسليماني. كان شجاعا وكان يحب إيران. أشعر بأسف شديد لخسارتنا".
وفي كرمان مسقط رأس سليماني، تجمع أشخاص اتشحوا بالسواد أمام منزل والده، وهم يبكون بينما كانوا يستمعون لتلاوة القرآن.
وقال محمد رضا سراج وهو مدرس ثانوي "الأبطال لا يموتون. لا يمكن أن يكون ذلك حقيقيا. قاسم سليماني سيظل حيا".
ولطالما كانت إسرائيل تعتبر سليماني مصدر خطر كبيرا. وقطع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زيارته لليونان بينما قالت إذاعة الجيش الإٍسرائيلي إن الجيش في حالة تأهب.
ووصفت وزارة الدفاع الروسية قتل سليماني بأنها خطوة تنم عن "قصر نظر" ستؤدي إلى تصعيد الوضع في المنطقة.
*هجمات سابقة
ويملك فيلق القدس الذي كان يقوده سليماني، إلى جانب وكلائه مثل جماعة حزب الله اللبنانية والحشد الشعبي في العراق، وسائل كافية للرد.
وفي سبتمبر أيلول، حمّل مسؤولون أمريكيون إيران المسؤولية عن هجوم مدمر بصواريخ وطائرات مسيرة على منشأتين للنفط في أرامكو (SE:2222) بالسعودية، شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة.
ونفت إيران مسؤوليتها عن الهجمات واتهمت واشنطن بدق طبول الحرب بإعادة فرض عقوبات صارمة على أهم صادراتها وهو النفط لإجبار طهران على التفاوض من أجل التوصل لاتفاق لتجميد أنشطتها النووية.
ونجا سليماني من عدة محاولات لاغتياله من وكالات مخابرات غربية وإسرائيلية وعربية على مدى العقدين المنصرمين.
وحشد فيلق القدس، المنوط به تنفيذ عمليات خارج حدود إيران، الدعم للرئيس السوري عندما بدا أنه على شفا الهزيمة في الحرب الأهلية المستعرة منذ 2011 كما ساعد الفصائل الشيعية المسلحة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
وتولى سليماني قيادة فيلق القدس في عام 1998، وهو منصب ظل فيه خلف الكواليس لسنوات بينما كان يعزز روابط إيران بجماعة حزب الله اللبنانية والحكومة السورية والجماعات الشيعية في العراق.
(شارك في التغطية إدريس علي في واشنطن ومايكل جورجي في دبي ومها الدهان في بغداد وستيفن فاريل في القدس -إعداد أيمن سعد مسلم - تحرير أحمد حسن)