بقلم: بيتر مانديلسون
رغم الأداء المتراجع للاقتصاد الروسى مؤخرا، فإن حجمه وإمكانات نموه جعلاه جهة جذابة للشركات العالمية للتجارة والاستثمار، بدءا من شركات التصنيع الألمانية إلى الماركات الفاخرة الفرنسية والإيطالية ومتاجر التجزئة والشركات البريطانية، فبالنسبة لها روسيا أكبر من أن تفوَت.
ولكن اليوم هناك وجهة نظر أخرى تترسخ وهى أنه إذا لم يتحول انتباه بوتين سريعا من التورط السياسى مع جيرانه إلى ترتيب أولويات الحاجات الاقتصادية لدولته، فإن الأداء المخيب للآمال للاقتصاد الروسى سيتحول إلى اتجاه ثابت.
وسوف تتوقف الاستثمارات المستقبلية على تصورات المخاطر السياسية وكذلك العائدات الاقتصادية المتوقعة، كما أن استعداد بوتين الواضح لرؤية روسيا منعزلة فى عالم مترابط يزيد من هذه الخطورة.
ولا أحد يدرك ذلك أكثر من الشركات الروسية – التى تعد فى النهاية المحركات التى سوف تنوع الاقتصاد وتقويه – وتفكر بقوة إلى أين ستأخذها تصرفات رئيسها، وهذا سوف يكون الموضوع الرئيسى فى منتدى الاقتصاد العالمى فى سانت بطرسبرج هذا الأسبوع.
وتعد أكثر الأسئلة إلحاحاً فى عقولهم هى إذا ما كان بوتين، سيد التكتيكات فى أوكرانيا حتى الآن – لديه حس يدرك به الحد الذى يجب التوقف عنده.
وقابلت الأسبوع الماضى فى رومانيا وبولندا الكثير من المراقبين المحنكين لروسيا، وهناك اعتقاد سائد بينهم أن روسيا لن تحتل المناطق الأوكرانية وراء إقليم القرم بسبب المقاومة والتكاليف المتضمنة، ولكنها تريد أن تخلق حاجزا ضعيفا أمام أوروبا ويقع فى نطاق نفوذها، كما أن هناك شكوكاً بأن روسيا تريد أن تمنع مولدوفا، الجمهورية السوفييتية السابقة، من توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وإذا استمرت موسكو فى ملاحقة هذه الأهداف وفى الضغط على السكان والساسة المحليين، فلن يصبح بإمكان أوروبا والولايات المتحدة فعل الكثير، كما أن الغرب لن يطلق حملة عسكرية كاملة – نظراً إلى اعتماد أوروبا على روسيا فى الطاقة – كما لن يفرض عليها حصاراً على غرار إيران.
ولكن هذا لا يعنى أن الغرب سيقف ببساطة مكتوف الأيدي، فسوف يتم التأكيد على الأمن الجماعى للدول الأعضاء فى حلف الناتو، كما لن يتم الاعتراف أبدا بشرعية ضم إقليم القرم، وستصبح حالة الجمود عبئاً مالياً متزايد على روسيا، كما سيتم تدعيم السلطات فى كييف من قبل أوروبا من خلال المساعدات المالية والمساعدة على إصلاح سوق الطاقة، وإذا أعاقت روسيا الانتخابات الرئاسية الأوكرانية فسوف يتم تصعيد العقوبات.
ولدى الشركات الروسية جميع الأسباب التى تدفعها إلى الخوف من ردة الفعل تلك والتى ستكون موحدة أكثر مما يفترض الساسة فى الدولة، ورغم أن تأثير ذلك لن يكون فوريا، فإنه سيكون ملحوظا فى القدرة على جذب رؤوس الأموال، وخدمة الدين والوصول إلى النظام المالى الدولي.
ومع ذلك، فإن اتخاذ تلك الإجراءات لا يعنى أن نفصل أنفسنا عن أى تواصل مع روسيان على العكس، فكل الجهود ينبغى أن تتم من أجل وجود حوار يجلب المصلحة الاقتصادية، ويؤكد وجود بديل للمواجهة.
ففى أوروبا نحن نفضل مشاركة قارتنا مع روسيا، والمحافظة على القواعد التى أدت إلى أطول فترة سلام حتى الآن، وبناء روابط اقتصادية وتجارية أقوى.
ومع ذلك، يعتمد الكثير على ما يحدث فى الأسابيع والشهور المقبلة، وينبغى أن تكون أوروبا على استعداد للرد بقوة على المزيد من زعزعة الاستقرار فى أوكرانيا وغيرها إذا كان هذا ما اختاره بوتين، حتى ولو كان ذلك فى مجرد سبيل احترامنا لأنفسنا، ولكننا أيضا لا ينبغى أن نغلق أذهاننا عن وجود علاقة من نوع مختلف مع روسيا إذا ظهرت هذه الاحتمالية.
ورغم أن هذه الاحتمالية تبدو بعيدة، ولكنها ليست خارج نطاق التصور، خاصة مع تزايد التكلفة الاقتصادية لأفعال روسيا، فالتضحية الاقتصادية للشعب الروسي، قد تجبر بوتين على إعادة التفكير فى المسار المتزعزع الذى يسلكه.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز