من إيزابيل كولز
حسن شام (العراق) (رويترز) - توثق طبقات الرسوم الجدارية المتلاحقة على جدران منازل البلدات التي اجتاحها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية تغير اتجاه الريح في الحرب الدائرة بشمال العراق بعد أن استعاد المقاتلون الأكراد (البشمركة) هذه البلدات من جديد.
وتضمنت أحدث العبارات المكتوبة على الجدران تحية وإشادة بالبشمركة وقد كتبت فوق عبارات أقدم- سبق أن تم تصحيح بعضها- والتي كانت تعلن أن البيوت "ملك للدولة الإسلامية."
واستعادت القوات الكردية بلدة إثر الأخرى حتى أصبحت تسيطر على نحو نصف الأراضي التي انسحبت منها في أغسطس آب الماضي عندما اخترق مقاتلو الدولة الاسلامية دفاعاتهم في شمال غرب البلاد الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة في سبتمبر أيلول إلى شن غارات جوية هي الأولى في العراق منذ عام 2011.
وحقق المقاتلون الأكراد في الآونة الأخيرة نصرا بالغ الأهمية مع طرد المقاتلين الإسلاميين من معبر ربيعة الإستراتيجي الحدودي وبالتالي قطع شريانهم الرئيسي من الموصل إلى سوريا والذي كان يستخدم لإعادة تزويد المقاتلين المتشددين بالمؤن على جانبي الحدود.
ويشعر الأكراد في العراق حاليا أن المد قد انقلب لمصلحتهم على الرغم من خسارة أشقائهم في سوريا السيطرة على مئات البلدات لصالح مقاتلي الدولة الإسلامية وهو ما دفع آلاف اللاجئين إلى الهرب إلى تركيا.
لكن لضمان سيطرتهم على باقي ما خسروه سيتعين على الأكراد التغلب على عدد كبير من التحديات التي تتراوح بين افتقارهم إلى الأسلحة الثقيلة والدعم الجوي الأمريكي في المناطق الشرقية القريبة من الحدود مع ايران والسكان العرب الذي يرفضون مزاعم ملكية الاكراد لأراضيهم في مناطق أخرى.
*ألغام ودبابات
وشرح الأمين العام لوزارة البشمركة جبار ياور المشاكل التي تواجهها قواته على طول جبهة المواجهة وأشار بقلمه الليزر إلى المناطق المضطربة على خارطة أمامه والتي تبدأ من معبر ربيعة على الحدود السورية في الشمال الغربي إلى خانقين على مقربة من الحدود الإيرانية.
وقال "خطتنا هي تحرير المناطق التي خسرناها" شارحا كيف سيقوم رجاله في المرحلة التالية بانتظار القوات العراقية حتى تحرر محافظتي صلاح الدين الشمالية والأنبار الغربية قبل أن يبادروا لاتخاذ الخطوة التي تلي ذلك.
وأضاف "لا يمكننا التقدم باتجاه الموصل وحدنا. إذا اقتربت القوات العراقية من نينوى حينها سيكون بامكاننا شن عمليات مشتركة."
ولا يزال مقاتلو الدولة الإسلامية يسيطرون على سهول نينوى شمال شرق الموصل وهي موطن الاقليات الدينية والعرقية التي نزحت بأعداد هائلة مع انسحاب البشمركة من المنطقة في أغسطس آب الماضي.
ومنذ ذلك الحين استعاد الأكراد السيطرة على جميع الأراضي المرتفعة المحيطة بالسهول وهو ما منحهم تفوقا استراتيجيا على الأرض.
غير أن المقاتلين الأكراد يرون أنه من الصعب الدفاع عن الأراضي المنبسطة في سهل نينوى من دون دبابات ومدرعات.
ويشير الأكراد إلى ان الأسلحة التي أرسلتها دول غربية حتى الآن لا تضاهي ترسانة الدول الاسلامية التي تشمل سيارات الهامر الأمريكية المصفحة التي غنموها من الجيش العراقي.
وكان هناك أيضا عائق آخر لتقدم الأكراد هو العبوات الناسفة البدائية الصنع التي زرعها مقاتلو الدولة الإسلامية لدى انسحابهم والتي أدت إلى تراجع البشمركة من عدد من البلدات التي استولوا عليها بسبب العبوات الناسفة والألغام والهجمات المرتدة لمقاتلين انتحاريين.
وقال ياور إن قرارا اتخذ قبل عدة اسابيع لوقف التقدم على عدد من الجبهات بغية الحد من الضحايا إلى أن تتلقى البشمركة معدات لكشف العبوات الناسفة من الدول الغربية بالإضافة إلى التعليمات عن كيفية اسخدامها.
وأرسلت البحرين عددا من هذه المعدات وهي تدرب حاليا فريقا من عناصر البشمركة على استخدامها في قاعدة في مدينة السليمانية الكردية.
*خليط من الحلفاء
عندما تخلى الجيش العراقي عن قواعده في الشمال مضى الأكراد قدما في محاولة لتحقيق طموحات قديمة العهد في المناطق المتنازع عليها لكنهم وجدوا استرجاعها اصعب مما توقعوا.
وبعد خوفهم من الافراط في التمدد من جديد بات الأكراد أقل اهتماما بخوض المغامرة في مناطق سيواجهون فيها على الارجح مقاومة من السكان المحليين.
ففي منطقة مخمور إلى الجنوب من أربيل على سبيل المثال هدأ القتال لعدة أسابيع لكن البشمركة لم يكونوا على عجل لتجنب أي رد فعل من السكان العرب الذين يرفضون احتلالهم للمنطقة.
وقال المسؤول الكردي نشأت علي صالح في مخمور "نحتاج إلى قوة عربية هناك بسبب الحساسية العرقية."
ومن غير الواضح أي قوة عربية يمكن الاستعانة بها في هذا الأمر غير ان المسؤولين الأمريكيين والعراقيين يخططون لإشراك السنة في قوات حرس وطني تنزع أولا السلطة المركزية من بغداد وتؤلب ثانيا السنة على الدولة الاسلامية.
أما في جنوب مدينة كركوك فقد عثرت القوات الكردية على حليف عربي غير متوقع تمثل في الميليشيات الشيعية التي سارعت لقتال الدولة الاسلامية في غياب أي جيش هناك.
وتمكنت القوتان من طرد المقاتلين المتشددين من بلدة طوز خورماتو وفكوا الحصار في الشهر الماضي عن بلدة أمرلي المجاورة.
وفي مناطق أخرى يعمل الأكراد عن كثب مع الجيش العراقي وخصوصا في المنطقة الشرقية من خط المواجهة.
وتسيطر قوات كردية تنتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بشكل أساسي على المنطقة بين كركوك ومدينة جلولاء شرق البلاد غير بعيد عن الجبهة الإيرانية.
وقال عدد من المسؤولين الأكراد إن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يوجهوا ضرباتهم الجوية إلى مناطق تتخطى أمرلي لأنها في هذه الحالة ستكون قريبة بشكل غير مريح من الأجواء الإيرانية.
مهما يكن من أمر فإن الجيش العراقي لا يزال يحافظ على وجود له في محافظة ديالى الشرقية التي تضم جلولاء وهو الذي ينفذ غارات جوية على المنطقة.
وقال ياور إن قوات البشمركة تحيط بشكل كامل تقريبا بمدينة جلولاء- التي توالت على السيطرة عليها قوى مختلفة منذ استولت عليها الدولة الإسلامية في بداية عملياتها العسكرية في شمال العراق- بانتظار استيلاء القوات العراقية على مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين المجاورة.
وأضاف ياور "ما نتوقعه إذا حرر الجيش العراقي هذه المنطقة هو قطع طريق الإمداد عنهم وأن يتركوا المنطقة."
(إعداد داليا نعمة للنشرة العربية - تحرير محمد عبد العال وأحمد حسن)