(رويترز) - زعمت مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة يوم السبت أنها سيطرت أخيرا على مدينة باخموت في شرق أوكرانيا بعد أطول معركة في الحرب وأكثرها دموية، بينما نفت كييف سقوط المدينة لكنها قالت إن الوضع حرج هناك.
وفي حال التأكد مما أعلنه رئيس مجموعة فاجنر يفجيني بريجوجن من إخراج قواته الأوكرانيين من آخر منطقة مأهولة بالسكان داخل المدينة فإن ذلك سيكون أول انتصار كبير لموسكو منذ أكثر من عشرة أشهر.
لكن أي شعور بالنصر بالنسبة لروسيا قد ينتهي سريعا على ما يبدو. ويأتي هذا الإعلان بعد أسبوع حققت فيه القوات الأوكرانية أسرع مكاسبها منذ ستة أشهر في ضواحي باخموت الشمالية والجنوبية، وهو ما دفع بريجوجن للقول إنه عرّض قواته داخل المدينة لخطر التطويق.
وأضاف بريجوجن، الذي انتقد مرارا الجيش النظامي الروسي لتخليه عن الأرض التي استولى عليها رجاله في وقت سابق، أن قواته ستنسحب من باخموت في غضون خمسة أيام لنيل قسط من الراحة وتسليم المدينة إلى الجيش النظامي.
وقال بريجوجن في مقطع مصور ظهر فيه بزي قتالي أمام صف من المقاتلين يحملون الأعلام الروسية ولافتات فاجنر "اليوم، في الساعة 12 ظهرا، سيطرنا على باخموت بالكامل. سيطرنا بالكامل على المدينة كلها، من منزل إلى منزل".
وقال المتحدث باسم الجيش الأوكراني سيرهي تشيرفاتي في مقابلة مع رويترز "هذا ليس صحيحا. وحداتنا تقاتل في باخموت".
وكتبت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار على تيليجرام تقول "معارك عنيفة في باخموت. الوضع حرج".
وأضافت "حتى الآن، تسيطر قواتنا الدفاعية على بعض المنشآت الصناعية والبنية التحتية في المنطقة و(منشآت) القطاع الخاص".
* "الفئران في المصيدة"
بغض النظر عن مغادرة القوات الأوكرانية باخموت من عدمه، فإنها تتراجع ببطء داخل المدينة صوب مجموعة من المباني على الحافة الغربية للمدينة.
ومع ذلك، فإن القوات الأوكرانية حققت أسرع مكاسبها منذ ستة أشهر في المناطق الشمالية والجنوبية لباخموت واستولت على مساحات شاسعة من الأراضي من القوات الروسية.
واعترفت روسيا بفقدان بعض الأراضي حول باخموت الأسبوع الماضي، بينما نفت تأكيدات بريجوجن بأن المناطق المحيطة بالمدينة التي توجد بها قوات نظامية قد سقطت.
وتقول كييف إن هدفها في باخموت يتمثل في جذب القوات الروسية من أماكن أخرى على الجبهة إلى المدينة لإلحاق خسائر كبيرة بها هناك وإضعاف خط دفاع موسكو في المناطق الأخرى قبل شن هجوم مضاد كبير مخطط له.
وقال قائد القوات البرية في الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي للجنود المتمركزين على جبهة باخموت هذا الأسبوع "دخلت قوات فاجنر باخموت مثلما تدخل الفئران المصيدة".
في غضون ذلك، قالت المخابرات العسكرية البريطانية يوم السبت إن موسكو تضاعف جهودها على ما يبدو في المعركة حول باخموت، إذ نقلت مزيدا من القوات إلى هناك على الرغم من وجود عجز لديها في الإمدادات في بقية الأماكن. وأضافت عبر تويتر أنه من المرجح بشدة أن روسيا نشرت ما يصل إلى عدة كتائب من جنود الاحتياط لتعزيز قطاع باخموت.
وأظهرت معركة باخموت الشقاق العميق بين مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة التي تجند الآلاف من المدانين في السجون الروسية وبين الجيش النظامي الروسي. ولأسبوعين، دأب بريجوجن على نشر رسائل يومية مصورة وصوتية للتنديد بقيادة الجيش الروسي، وغالبا ما كانت مليئة بالسباب.
وفي مقطع مصور يوم السبت، قال "مات أشخاص أكثر بخمسة أضعاف من العدد المفترض" بسبب "نزوات" وزير الدفاع سيرجي شويجو ورئيس الهيئة العامة للأركان فالير جيراسيموف. وشكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على "منحنا هذه الفرصة والشرف العظيم للدفاع عن وطننا".
ترى موسكو أن الاستيلاء على باخموت سيكون نقطة انطلاق نحو التوغل في منطقة دونباس التي تقول إنها ضمتها من أوكرانيا. وجعلت روسيا من باخموت هدفا رئيسيا لهجوم ضخم استمر في الشتاء والربيع وفشل في تحقيق أي مكاسب على الأرض في أي مكان آخر.
لكن بريجوجن أقر بأن باخموت، وهي مدينة كان يسكنها 70 ألف نسمة قبل الحرب، لها أهمية استراتيجية محدودة، على الرغم من أهميتها الرمزية الكبيرة بسبب حجم الخسائر في أكثر المعارك البرية دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وتصل المعركة الطاحنة إلى ذروتها في ظل تجهيز كييف لهجومها المضاد، وهو ثاني مرحلة كبيرة في الحرب بعد ستة أشهر أبقت قواتها خلالها في الوضع الدفاعي لمواجهة الهجوم الروسي الكبير.
وحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قمة مجموعة السبع في اليابان يوم السبت، وظفر بتعهدات بالدعم من بينها إشارة من واشنطن إلى أنها ستدعم في الوقت الحالي تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات إف-16 المقاتلة. وكان إرسال طائرات مقاتلة في السابق أمرا محظورا.
لم يغادر زيلينسكي أوكرانيا منذ الغزو إلا في ديسمبر كانون الأول، وجاءت القمة لتظهر الثقة التي اكتسبها في الآونة الأخيرة في السفر لأنحاء مختلفة من العالم لعرض قضيته بشكل شخصي. وفي طريقه إلى اليابان توقف في السعودية لحضور قمة جامعة الدول العربية، وذلك بعد أسبوع من رحلة أوروبية شملت روما وبرلين وباريس ولندن.
ومثل ذلك تناقضا جليا مع بوتين، الذي لم يسافر خارج الدول السوفيتية السابقة سوى مرة واحدة منذ بدء الغزو، وكان ذلك إلى طهران وعاد منها في اليوم نفسه.
وكانت دعوة بوتين القائمة لحضور قمم مجموعة السبع سببا في تسمية المجموعة مجموعة الثماني قبل طرد بوتين بسبب غزو أصغر نطاقا لأوكرانيا في 2014. وهو الآن مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب، وبرز غيابه عن قمة في الصين هذا الأسبوع للدول السوفيتية السابقة في وسط آسيا.
(إعداد محمد عطية ومحمد أيسم للنشرة العربية - تحرير علي خفاجي)