من كارولينا تاجاريس ولفتريس باباديماس
مالاكاسا/كالاماتا (اليونان) (رويترز) - أدلى ناجون من كارثة غرق قارب أودت بحياة مئات المهاجرين على الأرجح بالقرب من اليونان بشهاداتهم عن مهربي بشر بشمال أفريقيا كدسوهم في قارب صيد متهالك. وتحدثوا عن الجحيم الذي عاشوه على متنه بدون طعام أو ماء.
وقال البعض أيضا إن أفعال خفر السواحل اليوناني عجلت بالنهاية المأساوية. وأخبروا السلطات القضائية عن محاولة فاشلة لسحب قارب الصيد المكدس بحمولة زائدة، مما أدى إلى انقلابه في الساعات الأولى من يوم 14 يونيو حزيران.
ووفقا للأدلة التي اطلعت عليها رويترز، ورد الحديث عن محاولة كارثية من خفر السواحل لسحب القارب في ست من أصل تسع إفادات لناجين قدموها لمسؤولين في القضاء اليوناني يحققون في أسباب المأساة.
وقال أحد الناجين السوريين إنه ومهاجرين آخرين على متن القارب أدريانا، الذي تعطل في طريقه إلى إيطاليا، صرخوا قائلين "توقفوا!" بعد أن ربط قارب خفر السواحل اليوناني حبلا بقارب المهاجرين وبدأ في قطره مع زيادة السرعة.
وأضاف أن قارب المهاجرين أخذ يميل يمينا ويسارا ثم انقلب.
وقال ثلاثة شهود آخرين إنهم لا يعرفون سبب انقلاب القارب. ولن تنشر رويترز أسماء الناجين التسعة الذين أدلوا بشهاداتهم التي لم تنشر علنا.
وتتعارض أقوال الشهود الستة مع التصريحات العلنية لخفر السواحل والحكومة في اليونان اللذين نفيا أي محاولة لسحب القارب وقالا إنه انقلب عندما كان خفر السواحل يبعد عنه بنحو 70 مترا.
وقالت وزارة النقل البحري، التي تشرف على خفر السواحل، لرويترز إنها لا تستطيع التعليق على قضايا محل تحقيق سري ومستمر يجريه الادعاء.
وأدلى الناجون التسعة بشهاداتهم يومي 17 و18 يونيو حزيران أمام المحققين الذين أجروا تحقيقا أوليا في الكارثة. واحتُجزت مجموعة من مهربي البشر المشتبه بهم في 15 يونيو بتهم تشمل القتل غير العمد وتهريب المهاجرين والتسبب في غرق قارب على ذمة تحقيق أوسع قد يفضي إلى محاكمة. وينفي المشتبه بهم ارتكاب أي مخالفات.
وفي مقابلة أخرى أجرتها رويترز على نحو منفصل، روى ناجيان آخران واقعة قطر القارب وطلبا عدم نشر اسميهما خوفا من انتقام السلطات اليونانية. ووصف أحدهما، الذي عرف نفسه باسم محمد، اللحظات المرعبة عندما انقلب القارب، وقال إن هذا حدث عندما بدأ خفر السواحل في سحب القارب.
وأضاف "سحبونا بسرعة وانقلب القارب. تأرجح يمينا ويسارا وانقلب. وبدأ الناس يسقطون فوق بعضهم... كانوا فوق بعضهم، وكانوا يصرخون، ويُغرقون بعضهم البعض. وقع ذلك في الليل وكانت هناك أمواج. كان الأمر مرعبا".
وردا على تقارير وسائل الإعلام المحلية، التي نقلت عن بعض الناجين قولهم إن قارب الصيد تم سحبه، نفى متحدث باسم خفر السواحل علنا في 15 يونيو حزيران أن يكون قارب خفر السواحل قد ربط حبلا بقارب المهاجرين في أي وقت.
وبعد يوم واحد، عدل خفر السواحل تصريحاته وقال إن قاربه ربط حبلا بقارب المهاجرين لمساعدته على الاقتراب كي يتواصلوا معه. ونفى أنه حاول في وقت لاحق قطر القارب قائلا إنه أبقى على مسافة بينهما.
وقال نيكوس سبانوس، وهو أدميرال متقاعد في خفر السواحل اليوناني، لرويترز إن من غير المرجح أن يكون قارب خفر السواحل قد حاول القيام بخطوة خطيرة مثل سحب قارب الصيد المنكوب.
وأضاف "كان هدف (خفر السواحل) هو التواصل بشكل أفضل لمساعدة القارب وتقييم الوضع. هذا ما أفهمه. لأنهم إذا حاولوا سحبه أو أي شيء آخر، لكان ذلك محفوفا بالمخاطر وما كانت هذه الطريقة الصحيحة".
* "لا تساعدوننا. سنذهب إلى إيطاليا"
عندما انقلب القارب أدريانا وغرق على بعد 47 ميلا إلى الجنوب الغربي من بيلوس، في المياه الدولية التي تقع ضمن اختصاص سلطة البحث والإنقاذ في اليونان، كان يقل ما بين 400 و750 مهاجرا معظمهم من سوريا ومصر وباكستان، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وعُثر على إجمالي 104 ناجين، لكن رجال الإنقاذ قالوا إنه من غير المرجح العثور على آخرين، سواء أحياء أم أموات، في واحدة من أكثر المناطق عمقا بالبحر المتوسط.
ووفقا للأدلة، تم تقديم سجل قارب خفر السواحل إلى السلطات القضائية ويحمل تفاصيل عن حالتين تفصل بينهما ساعتان عندما اقترب خفر السواحل من أدريانا.
وجاء في السجل أن خفر السواحل في الساعة 11:40 من مساء يوم 13 يونيو حزيران اقترب من قارب الصيد الذي تعطل محركه، وربط حبلا بالقارب كي يقترب منه ويتحدث مع من كانوا على متنه لتقييم الوضع وما إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة.
وصرخ الأشخاص الذين كانوا على متن القارب "لا تساعدوننا" و"سنذهب إلى إيطاليا" وفكوا الحبل، وفقا للسجل الذي ذكر أن المحرك أعيد تشغيله واتجه القارب غربا.
ثم في الساعة 1:40 صباحا، أصدر مركز عمليات خفر السواحل توجيهات لقاربه بالعودة إلى قارب الصيد لتفقد حالته بعد توقفه.
وأفاد السجل بأن قارب خفر السواحل اقترب من قارب الصيد على مسافة 70 مترا تقريبا وسمع الكثير من الصراخ، وفي أقل من سبع دقائق انقلب.
* 55 دولارا إضافية للوقوف على سطح القارب "الأكثر الأمانا"
ذكر الناجون أن القارب أدريانا انطلق من شاطئ في مدينة طبرق الليبية أو بالقرب منها في 10 يونيو حزيران تقريبا. وقال محمد، أحد الناجين، لرويترز إن مهربي البشر أخذوا أمتعتهم وتخلصوا من زجاجات مياه الشرب قبل أن يصعدوا إلى متن القارب لإفساح مكان لمزيد من الأشخاص.
وبحسب الأدلة، قال مهاجر سوري للسلطات القضائية إن مساحة كل شخص كانت 40 سنتيمترا فقط.
وقال جميع الناجين الأحد عشر إنهم دفعوا ما بين 4500 وستة آلاف دولار للرحلة، وإن المهربين قالوا لهم إنهم سيصلون إلى إيطاليا في غضون ثلاثة أيام. وقال ثلاثة ناجين للسلطات إنهم دفعوا ما بين 50 إلى 200 يورو (55-220 دولارا) إضافية مقابل الوقوف على سطح القارب الذي يعد أكثر أمانا.
وكان هؤلاء من بين آلاف حاولوا الوصول إلى جنوب أوروبا هذا العام في قوارب تنطلق من شمال أفريقيا. ووفقا لبيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، رُصدت أكثر من 50 ألف حالة عبور "غير نظامية للحدود" لوسط البحر المتوسط ، معظمها ينطلق من تونس وليبيا، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023 بزيادة 160 بالمئة عن العام الماضي.
وبعد أسبوع من المأساة التي وقعت بالقرب من اليونان، توجد الآن مخاوف من مقتل أكثر من 30 مهاجرا بعد غرق زورق كان متجها إلى جزر الكناري الإسبانية.
(إعداد نهى زكريا للنشرة العربية - تحرير رحاب علاء)