من أوليفر هولمز
بيروت (رويترز) - افترضت منظمات المساعدات على مدى عشرات السنين أنها تعرف ما هو أفضل للاجئين والفقراء لكن مجموعة متزايدة من الدلائل تبين أنها كانت على خطأ.
فكل من البحث العلمي والخبرة العملية مثلما هو الحال مع حشود السوريين الفارين من الحرب الأهلية يبين أن اقتصار الأمر على تقديم سلع الإغاثة التقليدية ربما لا يكون أكثر الطرق فعالية لمساعدة المعوزين.
وعلى سبيل التجربة تقدم وكالات المساعدات نقودا أيضا وتترك اللاجئين يقررون بأنفسهم ماذا يحتاجون. وربما تكون النتائج غير متوقعة. فالأموال تنفق بتعقل ونادرا ما تهدر على عكس الأحكام المسبقة القديمة لدى المانحين.
لبنان الذي يقيم فيه لاجىء من بين كل أربعة من السكان قدم درسا يقول إن الثقة بالمحتاجين تؤتي أكلها.
بدلا من تقديم البطاطين والسخانات مباشرة قدمت منظمات المساعدات نقودا لآلاف اللاجئين السوريين في الجبال بلبنان هذا العام بأمل أنهم سينفقونها على البطاطين والسخانات للشتاء. لم يفعلوا ذلك.
لكن النقود لم تهدر أيضا. فاللاجئون وهم من بين ملايين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية كان لديهم احساس أفضل من الوكالات التي تساعدهم بالنسبة لما يحتاجون إليه أكثر ومن ثم أنفقوا الأموال على الطعام والماء.
في التقييم الأول الدقيق للمساعدات النقدية للاجئين وجدت لجنة الإنقاذ الدولية في لبنان أن المال لم ينفق بأي كميات كبيرة على المخدرات والسجائر. ولم تجد أيضا زيادة في الجريمة أو الفساد وهي الأشياء التي خشى المانحون من أنها ستواكب المساعدات النقدية أو أنها ستحد من اقبال الناس على العمل.
وتبحث بعض المنظمات الإنسانية التي واجهها هذا الدليل تغيير أساليبها. لكن إقناع المانحين في القطاعين الخاص والحكومي بأن يثقوا بالناس الذين يريدون مساعدتهم وكذلك الاعتقاد القديم لدى جماعات المساعدات نفسها والتي قررت على مدى عشرات السنين ماذا يريد الناس أدى إلى تباطؤ برامج المساعدات النقدية.
وقالت المسؤولة في لجنة الإنقاذ الدولية رادها راجكوتيا "هناك توتر بين الناس الذين يعرفون ما هي احتياجاتهم الفعلية وقطاع الإغاثة الإنسانية الذي لم يهيكل بطريقة تسمح للناس بأن يحددوا اختياراتهم."
وقال دانييل ماسترسون وهو باحث في جامعة ييل أجرى البحث للجنة الإنقاذ الدولية إن الناس الذين حصلوا على أموال من الأمم المتحدة وجماعات مساعدات أخرى كانوا أيضا أقل احتمالا أن يؤدوا اعمالا خطيرة أو أن يرسلوا اولادهم للعمل أو أن يبيعوا أشياء مثل ماكينات الحياكة التي يمكن أن تستعمل لكسب دخل.
وقال ماسترسون "من يحصلون على النقود هم بشكل متكرر أقل اعتمادا على الأطعمة الأدنى نوعية أو تخطيا للوجبات أو تناولا لكميات أقل من الطعام." وأضاف "بل إن هناك زيادة في الانتظام في الدراسة (لأبنائهم)."
* انعدام الثقة
لكن المدفوعات النقدية الشهرية لا تزال تمثل ثلاثة في المئة من مساعدات الأمم المتحدة في لبنان الذي يوجد به أكبر نسبة من اللاجئين في العالم بالقياس إلى عدد السكان.
على اتساع العالم يقدم الجانب الأكبر من المساعدات في شكل مواد يختارها عمال الإغاثة مثل الخيام والبطاطين.
وتخشى المنظمات الإنسانية من أن يقل استعداد المانحين لتمويل برامج النقود بالمقارنة بالمساعدات التقليدية التي يعرفون من خلالها ماذا يتلقى الناس تحديدا. وقال ماسترسون "المنظمات القائمة تعمل بصلاحية محددة. المساعدات النقدية لا يمكن أن تكون ضمنها."
النتائج التي توصلت إليها لجنة الإنقاذ الدولية في لبنان تدعمها البحوث في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. فقد توصلت دراسة إلى أنه عندما قدم مبلغ 200 دولار لمدمني المخدرات والمجرمين المعوزين في أكواخ ليبيريا أنفقوها على ضروريات بسيطة أو بدأوا بها أعمالا خاصة شرعية.
والمساعدات النقدية لها ميزة أخرى هي أنها أرخص. فالعمل الإغاثي التقليدي ينطوي على تكاليف ضخمة. المواد تحتاج لإحضارها ونقلها وتسليمها غالبا لفترات طويلة. ومطلوب لذلك أعداد كبيرة من العاملين ومطلوب أيضا إعادة تقييم دورية لاحتياجات اللاجئين.
وعلى النقيض من ذلك ليس هناك تكاليف نقل عالية على النقود كما تقول نينيت كيلي ممثلة المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في لبنان. ويمكن للوكالات أيضا أن تخفض تكاليف التخزين والتوزيع.
* استفادة الدولة المضيفة
وقالت كيلي إنه عندما بدأت الأمم المتحدة في استعمال المساعدات النقدية عام 2013 شعرت الحكومة اللبنانية بالقلق إزاء إمكانية ان يصبح اللاجئون السوريون في حال أفضل من الفقراء اللبنانيين.
من بين إجمالي اللاجئين السوريين وهم 3.2 مليون لاجىء هناك أكثر من مليون في لبنان. وقالت الحكومة اللبنانية إنها لا يمكنها تحمل عبء مثل هذا العدد الكبير وخفضت بشدة الأعداد المسموح بدخولها البلاد.
وهناك غضب أيضا بين السكان المحليين الذين يشتكون من أن اللاجئين يأخذون الوظائف المتاحة ويتسببون بالتالي في انخفاض الأجور كما يتسببون في اكتظاظ المدارس بالتلاميذ والمستشفيات بالمرضى.
وقالت كيلي "أردنا التأكد من أننا لا نتسبب في ضرر من خلال برنامج المساعدة النقدية وأنه أيضا يقدم فائدة للمجتمع اللبناني المحلي الذي يجني فائدة في الحقيقة."
لقد توصل بحث لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن اللاجئين أنفقوا الأموال في البلدات اللبنانية التي يعيشون فيها. وقال ماسترسون "هناك أثر إيجابي آخر هو أنك تدفع نقودا في شرايين الاقتصاد. أنت تزيد الناتج المحلي الإجمالي."
وطبقا لبحثه لا تزيد المساعدة النقدية التضخم في لبنان وكل دولار من المساعدات يترجم إلى زيادة 2.13 دولار في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زيادة الإنفاق. وقال ماسترسون "لم نعد في حاجة لمزيد من الخوف من المساعدة النقدية."
(إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية - تحرير محمد اليماني)