(رويترز) - انقطعت الاتصالات في مدينة درنة الليبية المنكوبة وتلقى صحفيون أوامر بمغادرتها ولم يسمح لفريق إغاثة من الأمم المتحدة بالذهاب إليها يوم الثلاثاء في وقت تحاول فيه السلطات هناك احتواء حالة من الغضب العارم بسبب الإخفاق في منع وقوع أسوأ كارثة طبيعية تشهدها ليبيا.
وبعد أسبوع من السيول والفيضانات التي محت جزءا كبيرا من وسط المدينة، تظاهر سكان درنة الغاضبون في الشوارع وأحرقوا منزل عميد البلدية خلال ليل الاثنين. ويتهم السكان السلطات بالتقاعس عن صيانة سدين كانا يحميان المدينة وعدم إجلاء السكان قبل وصول العاصفة.
وبحلول صباح يوم الثلاثاء، عاد الهدوء مرة أخرى لكن اتصالات الإنترنت والهاتف ظلت معطلة. وقالت الإدارة المسؤولة عن شرق ليبيا إنها أوقفت عميد البلدية عن العمل وأقالت جميع أعضاء المجلس البلدي لدرنة بعد أن طالب المتظاهرون الغاضبون بمعاقبة المسؤولين الذين تركوا السكان يتعرضون للأذى.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن فرق البحث والإنقاذ وعمال الطوارئ وموظفي الأمم المتحدة الموجودين بالفعل في درنة ما زالوا يعملون، لكن لم يسمح لفريق بالتوجه إلى هناك من بنغازي.
وأفاد بعض الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام، بما في ذلك قنوات ناطقة باللغة العربية تبث من المدينة منذ أيام، يوم الثلاثاء بأنهم تلقوا أوامر بالخروج من درنة.
وأظهرت الاحتجاجات خلال ليل الاثنين، وهي أول علامة تدل على الاضطرابات على الأرض منذ الفيضانات، حجم التحدي الذي تشكله الكارثة للسلطات في شرق ليبيا، الخاضع الآن لسيطرة القائد العسكري خليفة حفتر.
وقال تيم إيتون من مركز تشاتام هاوس البحثي البريطاني "قوات حفتر تتعرض لضغوط لإظهار سيطرتها على الوضع، وأنها قادرة على التعامل مع التداعيات. كل الأنظار عليها لمعرفة ما إذا كانت ستلجأ إلى القمع" مضيفا أن أي اجراءات قاسية ستكون بمثابة "حسابات خاطئة".
وتابع قائلا "هذا سيظل بذرة للغضب والنزاع لفترة طويلة قادمة".
وقدم بعض المسؤولين تفسيرات تسعى للتخفيف من وطأة الأمر لانقطاع الاتصالات ولإصدار أوامر لبعض الصحفيين لمغادرة المدينة الساحلية التي يقطنها 120 ألف نسمة تقريبا. لكن لم يصدر تفسير بعد لمنع فريق من الأمم المتحدة من الدخول.
وذكر محمد البديري المتحدث باسم الشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات القابضة، وهي شركة مملوكة للدولة، لقناة ليبيا الأحرار أن الاتصالات انقطعت في المنطقة لأن بعض أسلاك (TADAWUL:1301) الألياف الضوئية تقطعت. وأضاف أن المهندسين يجرون تحقيقات بشأن ما إذا كان ذلك بسبب أعمال حفر أم تخريب ويسعون لإصلاحها.
وقال وزير الطيران المدني في حكومة شرق ليبيا هشام أبو شكيوات لرويترز عبر الهاتف إن بعض المراسلين تلقوا طلبات بالابتعاد عن مناطق عمليات الإنقاذ، لكنه نفى أن يكون ذلك مرتبطا بمسائل أمنية أو سياسية.
وأضاف "المسألة تنظيمية، وهي محاولة لتهيئة الظروف لفرق الإنقاذ للقيام بالعمل بأكثر سلاسة وفعالية".
ومضى يقول "عدد الصحفيين الكبير أصبح مربكا لهم".
وأعطى مسؤولون تقديرات شديدة التباين لأعداد القتلى منذ انهيار السدين فوق درنة في العاشر من سبتمبر أيلول مما أطلق العنان لسيل ضخم من المياه جرف في طريقه قلب المدينة وقذف به في البحر. وأكدت منظمة الصحة العالمية مقتل 3922. ويبقى آلاف في عداد المفقودين مع عدد لا يحصى من الجثث التي انجرفت إلى البحر.
* عدد أكبر
في نيويورك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للجمعية العامة إن سكان درنة "ضحايا لأكثر من مرة" بسبب الحرب وتغير المناخ و"الزعامات من قريب ومن بعيد التي أخفقت في إيجاد طريق للسلام".
وتابع قائلا "عاش سكان في درنة وماتوا في محور تلك اللامبالاة. حتى عندما هطلت من السماء أمطار أكثر بمئة مرة عن المعدل الشهري المعتاد في 24 ساعة فقط... وحتى عندما انهار سدان بعد حرب وإهمال على مدى أعوام... في وقت انمحى فيه كل ما عرفوه عن الخريطة".
وأضاف "حتى الآن في الوقت الذي نتحدث فيه هنا، تجرف الأمواج الجثث على الشاطئ من ذات البحر المتوسط الذي يتمتع فيه مليارديرات بحمامات شمس في يخوتهم الفارهة".
واحتشد متظاهرون مساء يوم الاثنين في الساحة المقابلة لمسجد الصحابة الذي يتميز بقبة ذهبية تعد أحد معالم درنة ورددوا شعارات. ولوح البعض بالأعلام من فوق سطح المسجد. وفي وقت لاحق من المساء، أحرقوا منزل عميد البلدية عبد المنعم الغيثي، حسبما قال مدير مكتبه لرويترز.
وبعد مرور أسبوع على الكارثة، لا تزال مساحات واسعة من مدينة درنة يسودها خراب موحل تجوبه الكلاب الضالة. وما زالت الأسر تبحث عن جثث المفقودين تحت الركام.
ويقول السكان الغاضبون إنه كان من الممكن منع وقوع الكارثة. ويعترف المسؤولون بوجود تعاقد لإصلاح السدود بعد عام 2007 لكنه لم يكتمل قط، وعزوا ذلك إلى انعدام الأمن في المنطقة.
وأصبحت ليبيا دولة فاشلة على مدى أكثر من عقد مع عدم وجود حكومة تمارس صلاحياتها على مستوى البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011.
قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) التي تسيطر على الشرق فرضت هيمنتها على درنة منذ عام 2019. وقبل ذلك ولعدة سنوات، سيطرت على المنطقة جماعات متشددة منها أفرع محلية لتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة.
وطالب منصور، وهو طالب مشارك في الاحتجاج بإجراء تحقيق عاجل في انهيار السدين وهو ما تسبب في "جعلنا نفقد الآلاف من شعبنا العزيز".
(إعداد دعاء محمد ورحاب علاء ونهى زكريا وأيمن سعد مسلم للنشرة العربية - تحرير سامح الخطيب)