من فرانك جاك دانيال
قاعدة بلماحيم الجوية (إسرائيل) (رويترز) - قال مسؤولان عسكريان إسرائيليان إن فداحة الخسائر البشرية في صفوف المدنيين هي تكلفة الحملة المكثفة التي تشنها إسرائيل لتدمير حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة واستراتيجية حرب المدن التي ينتهجها المسلحون في غمرة قلق عالمي من الخسائر المذهلة الناجمة عن القصف.
ويقول مسؤولون في غزة إن إسرائيل ألقت بآلاف الأطنان من الذخائر في الأسابيع العشرة الماضية، مما أدى إلى تدمير القطاع الضيق ومقتل نحو 20 ألف شخص، كثيرون منهم لاقوا حتفهم تحت أنقاض المباني. وأصيب 50 ألفا آخرون، مع تعطل كل مرافق (TADAWUL:2083) الرعاية الصحية تقريبا.
وقال المسؤولان الإسرائيليان، في حديثهما مع الصحفيين في قاعدة بلماحيم الجوية التي تبعد 45 كيلومترا عن غزة يوم الاثنين، إن إسرائيل تدرك أن الكلفة في أرواح المدنيين لكل ضربة تتوازن مع تقييم الميزة العسكرية.
وقال أحد المسؤولين، وهو مستشار قانوني للجيش الإسرائيلي، إن سلاح الجو ينفذ "الآلاف والآلاف من الهجمات، وكثيرا ما تتطلب الهجمات قوة نيران كثيفة" لاختراق الأنفاق.
وأضاف المسؤول في مؤتمر صحفي بالقاعدة الساحلية، التي تنطلق منها طائرات عسكرية رمادية مسيرة في عمليات القصف "من المأساوي حقا أن يؤدي ذلك إلى سقوط عدد كبير من المصابين المدنيين".
وطلب الجيش الإسرائيلي عدم الكشف عن هوية المسؤولين لأسباب أمنية.
والهدف الرئيسي لحرب إسرائيل هو تفكيك القدرات العسكرية لحماس لمنع وقوع هجمات أخرى بعد أن اهتز كيان الدولة اليهودية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
لكن الخسائر في الأرواح في القطاع الفلسطيني أدت إلى تآكل الدعم العالمي بعد عشرة أسابيع من إراقة الدماء وأصبحت إسرائيل تواجه ضغوطا متصاعدة لتقليص هجومها. وحث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم الاثنين نظيره الإسرائيلي على تقليص الأضرار التي تطال المدنيين.
وقال أوستن إن حماية المدنيين في غزة "واجب أخلاقي وضرورة استراتيجية"، محذرا من أن العنف المفرط يولد الاستياء الذي قد يصب في مصلحة حماس ويجعل التعايش السلمي أكثر صعوبة على الأمد الطويل.
وضمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا أصواتها يوم الأحد إلى الدعوات المطالبة بوقف لإطلاق النار. ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي القصف بأنه "عشوائي".
وعلى سبيل المثال، قالت السلطات الصحية في غزة إن غارة جوية قتلت 19 شخصا، بينهم نساء وأطفال ورضيعان، من عائلتين أثناء النوم في منزليهما ببلدة رفح في جنوب غزة يوم الثلاثاء. وانكشفت الضربة الجوية عن حفرة عميقة وأنقاض في الموضع الذي كان يقوم فيه مبنى كبير.
وقال محمد زعرب الذي فقدت عائلته 11 شخصا في الغارة إنه لم ير مثل هذه الأسلحة من قبل. ووصف زعرب، وهو من مواليد عام 1950، ما حدث بأنه عمل همجي.
وردا على طلب للتعليق على الغارة، قال الجيش الإسرائيلي إنه يتبع الاحتياطات المجدية لتقليص الأضرار التي تلحق بالمدنيين وفق القانون الدولي.
وقال غازي حمد، المسؤول الكبير في حماس يوم الأحد إن إسرائيل تقصف عشوائيا المدارس والخيام التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين والمستشفيات التي يكفل القانون الإنساني الدولي حمايتها.
وقال المستشار القانوني للجيش الإسرائيلي، إن المستشفيات قد تتحول إلى هدف عسكري مشروع إذا استخدمها مقاتلون. وتنفي حماس أنها تعمل انطلاقا من البنية التحتية المدنية مثل المستشفيات أو المدارس.
* معدل الضحايا
قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت الذي كان يتحدث إلى جانب أوستن في مؤتمر صحفي إن القوات الإسرائيلية تتبع القانون في عملياتها وتعمل على "تقليص الضرر الذي يلحق بالسكان المدنيين".
وقال ياجيل ليفي، خبير العلاقات العسكرية المدنية في جامعة إسرائيل المفتوحة، إن معدل المصابين المدنيين في الحرب بلغ نحو 61 بالمئة في أكتوبر تشرين الأول، أي نحو مثلي المعدل في الصراعات السابقة في غزة. وأضاف أن ذلك قد يشير إلى تفسير قواعد الاشتباك بمرونة أكبر لتقليص المخاطر التي تتعرض لها القوات البرية الإسرائيلية "من خلال إيقاع عدد أكبر من القتلى على الجانب الآخر".
وقال المسؤولون إن هدف الحكومة من الحرب وهو تدمير حماس يعني أن الحملة أشد وطأة مما كان عليه الحال في الصراعات السابقة التي كان هدفها ردع الجماعة عن شن هجمات.
وقال ليفي إنه بصرف النظر عن السبب، فإن إسرائيل "لا تكسب القلوب والعقول"، وإن الخيار السياسي هو الحل الوحيد على المدى الطويل.
وقال المستشار القانوني إنه بسبب العدد الهائل من القنابل، لم تتمكن إسرائيل دائما من التحذير قبل الضربة، ولهذا السبب تحولت إلى الإخلاء الجماعي لمناطق الصراع.
وغادر كثيرون من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة منازلهم عدة مرات بناء على تعليمات إسرائيلية بثتها في الراديو ووسائل التواصل الاجتماعي.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير آخر إن إسرائيل تخطط سلفا لنحو 90 بالمئة من غاراتها اليومية على غزة. وقال المسؤولان إن التخطيط المسبق يتضمن عملية من عشر خطوات لتحديد القيمة العسكرية للهدف، ومدى تناسب الرد، من بين أمور أخرى.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري إن الجيش تراجع عن هجمات حين لاحظ تواجدا غير متوقع لمدنيين ويختار الذخيرة التي تلائم كل هدف لتجنب الأضرار غير الضرورية. وتقدر السلطات في غزة أن 60 بالمئة من المنازل تضررت بسبب الهجوم.
وقال هاجاري "نعلم أن هذا صعب، لكننا نحاول إنقاذ الأرواح".
(إعداد محمد حرفوش للنشرة العربية - تحرير أيمن سعد مسلم)