من محمد سالم ونضال المغربي
رفح (قطاع غزة)/الدوحة (رويترز) - نُصبت خيمة أسرة أبو مصطفى أمام السياج الخرساني والمعدني المرتفع الذي يفصل قطاع غزة عن مصر في مدينة رفح، وهي آخر مكان آمن نسبيا في القطاع الفلسطيني الذي دمره الهجوم العسكري الإسرائيلي إلا أنها ربما تتعرض أيضا لهجوم الآن.
وأفراد أسرة أبو مصطفى من بين أكثر من مليون فلسطيني يتكدسون حاليا في المنطقة المحيطة برفح ويخشون من أنه لم يبق أمامهم أي مفر داخل القطاع الصغير الذي تحول على نطاق كبير إلى أنقاض ولا يزال القتال مستعرا فيه.
وقالت ليلى أبو مصطفى "يعني إحنا كل يوم متشحططين ونازحين، والنزوح هذا صعب عليَ يعني عشان عندي بنتين معاقات وما أقدرش أحمل وأودي وأجيب، ولا عندي سيارة ولا عندي كارة".
وأضافت "إذا في نزوح أنا مش طالعة من هون".
وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضع خطة لإجلاء المدنيين المحتشدين في رفح سواء في خيام بالشوارع أو في مناطق خالية أو على الشاطئ أو، مثل أسرة أبو مصطفى، على الشريط الرملي الممتد بطول الحدود المصرية.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ نتنياهو في اتصال هاتفي بأن إسرائيل يجب ألا تمضي في عملية عسكرية في رفح دون خطة لضمان سلامة من يلوذون بها.
وجاءت المكالمة بعد أيام من قول بايدن إن الرد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة "مبالغ فيه".
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن المفاوضين الذين يعملون على اتفاق لتأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين المحتجزين في غزة حققوا "تقدما حقيقيا" خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وأشار المسؤول إلى استمرار وجود بعض الفجوات "الكبيرة" المتعلقة بهذا الاتفاق والتي يجب سدها.
وقبل الهجمات السابقة على مدن غزة كان الجيش الإسرائيلي يطلب من المدنيين المغادرة دون إعداد أي خطة إجلاء محددة. وتقول وكالات الإغاثة إن أي هجوم على رفح سيكون كارثيا في حرب أحدثت بالفعل مآسي لا تُوصف.
وبدأت الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول حينما عبر مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) السياج الحدودي إلى إسرائيل التي تقول إنهم قتلوا 1200 شخص أغلبهم مدنيين واحتجزوا نحو 250 رهينة.
وبعد أربعة أشهر، تحولت غزة إلى أنقاض. وتحت قصف يومي مكثف تجتاح القوات البرية الإسرائيلية أغلب مناطق القطاع لتسحق المنازل والمباني العامة والبنية التحتية بضربات جوية ونيران مدفعية وتفجيرات.
وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن أكثر من 28 ألفا قُتلوا في الحرب، نحو 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال. وصار ما يزيد على 85 بالمئة من سكان غزة بلا مأوى. وخلص مسح أجرته الأمم المتحدة إلى أن واحدا تقريبا من كل 10 أطفال دون الخامسة من العمر مصاب بسوء تغذية حاد.
ولم تنجح حتى الآن الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. ورفضت إسرائيل الأسبوع الماضي مقترحا لحماس قائلة إنها لن توقف القتال بينما تبقي حماس كتائب تقول إسرائيل إنها مختبئة في رفح.
وقالت مصادر أمنية مصرية إن من المقرر إجراء المزيد من المحادثات الرفيعة المستوى يوم الثلاثاء بحضور مسؤولين كبار من قطر والولايات المتحدة، فضلا عن وفدين إسرائيلي وفلسطيني.
وبدأت الغارات الجوية الإسرائيلية تستهدف رفح في الأيام القليلة الماضية.
وقالت حماس يوم الأحد إن الغارات الجوية الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الأيام الأربعة السابقة أسفرت عن مقتل اثنين من الرهائن وإصابة ثمانية آخرين.
وذكرت حماس أن أي هجوم إسرائيلي على رفح يعني "نسف" المحادثات التي تستهدف التوصل إلى اتفاق بشأن تحرير الرهائن المتبقين.
* خطة إجلاء المدنيين
أكد نتنياهو في مقابلة بثتها شبكة (إيه.بي.سي) الأمريكية يوم الأحد أن القوات الإسرائيلية ستهاجم رفح لكنه قال إنهم يعدون "خطة تفصيلية" للمكان الذي يمكن أن يتوجه إليه المدنيون هناك.
وقال نتنياهو "سنفعل ذلك. سنجد كتائب حماس الإرهابية المتبقية في رفح".
وأضاف "سنفعل ذلك مع توفير ممر آمن للسكان المدنيين".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن "أي هجوم إسرائيلي على نطاق واسع على رفح سينشئ وضعا كارثيا له بُعد جديد وغير عادل".
وشكك نتنياهو في دقة عدد القتلى الفلسطينيين ووصف الأرقام التي تعلنها السلطات الصحية في غزة التي تديرها حماس بأنها "إحصاءات حماس".
وقال "قُتل مدني واحد فقط مقابل كل إرهابي من حماس في غزة".
وأضاف "لقد قتلنا أو جرحنا نحو 20 ألف إرهابي من حماس، من بينهم 12 ألف مقاتل" دون أن يوضح المزيد.
وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن نحو 70 بالمئة من القتلى في غزة من النساء أو الأطفال دون سن 18 عاما. وقال الجيش الإسرائيلي في مؤتمر صحفي في ديسمبر كانون الأول إنه يعتقد بأن مدنيين اثنين تقريبا قُتلا في غزة مقابل كل مقاتل من حماس.
وتصف منظمة الصحة العالمية نظام وزارة الصحة الفلسطينية لتسجيل القتلى والمصابين بأنه "جيد للغاية" وتستشهد وكالات الأمم المتحدة بانتظام بأرقام الوزارة المتعلقة بعدد القتلى.
وأمام السياج الحدودي الذي تعلوه أسلاك (TADAWUL:1301) شائكة، تعلّق أسرة أبو مصطفى ملابسها المغسولة بين الخيام. وتطهو الأسرة أي قدر ضئيل من الطعام يحصلون عليه في عبوات صفيح فارغة فوق نار على الرمل.
وقالت مريم إن الخوف من شن هجوم على رفح هو الشغل الشاغل في كل حوار بالمدينة المكتظة. ومريم امرأة فرت من منزلها في مدينة غزة في أوائل الحرب مع أبنائها الثلاثة، خمسة وسبعة وتسعة أعوام.
وأضافت مريم "مش قادرة أوصف شعوري، حاسة إنه في عاصفة جوات راسي، وأولادي كل شوي بيسألوني، إسرائيل بدها تجتاح رفح؟ طب وين نروح؟ راح نموت؟ وما عندي إجابات".
(شارك في التغطية دان وليامز من القدس وأحمد محمد حسن من القاهرة - إعداد محمد أيسم وسامح الخطيب ومحمد علي فرج للنشرة العربية - تحرير علي خفاجي)