كانت الصادرات من شمال شرق آسيا مقياس قوة الاقتصاد العالمى لفترة طويلة، إذ تنتج المنطقة، التى تربط بين التقنية العالية الساحرة لليابان والخبرة التايوانية والكورية فى مجال الالكترونيات وبراعة الصين فى التجميع، ما يقرب من ربع إجمالى البضائع التى يتم تصديرها حول العالم، ويبدو أن تلك القوة الساحقة آخذة فى التباطؤ، فتراجعت صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 8.1% فى ابريل عن الشهر ذاته العام السابق، وهو ما يعد أسوأ معدل لها فى عامين، وانخفضت الصادرات الصينية بنسبة 6.4% على أساس سنوي، كما تراجعت الصادرات اليابانية والتايوانية، ويبدو أن تلك البيانات الضعيفة تشير إلى تجدد ضعف الاقتتصاد العالمي، وفى الواقع لم تعد الصادرات الآسيوية المقياس الذى يمكن الاعتماد عليه فى قياس الطلب العالمى كما كانت من ذى قبل.
أولا: هناك مشكلة تقلبات العملة، إذ تشترى أمريكا حوالى 15% من الصادرات الآسيوية، ولكن عندما تكون قيمة الدولار كما هو الحال الآن، تتراجع قيمة الصادرات إلى الدول الأخرى، فى حين تزداد الشحنات التى يتم تصديرها بعملات أخرى غير الدولار قوة، ويشير فريدريك نيومان، لدى بنك«إتش إس بى سى»، إلى أن واردات أوروبا من آسيا التى تتم بعملة اليورو آخذة فى الارتفاع على نحو مطرد.
وذكرت مجلة الايكونوميست فى تقرير لها أنه حتى قبيل ارتفاع قيمة الدولار الذى بدأ منذ منتصف عام 2014، فإن العلاقة بين صادرات شمال شرق آسيا والنمو فى الاقتصادات المتقدمة بدأت فى الانهيار، فعلى سبيل المثال، ارتفعت صادرات شمال شرق آسيا خلال الثلاث سنوات الماضية بوتيرة أكثر تباطؤاً من الاقتصاد الأمريكي. وتكمن أحد التفسيرات المحتملة لهذا الاختلاف فى خروج بعض المناطق عن المنافسة فى المنطقة مثل ارتفاع تكاليف العمالة الصينية، ولكن هذا التفسير غير مقنع، إذ اتبعت الصادرات من الاقتصادات الناشئة خلال العام الماضى نفس مسار تباطؤ صادرات شمال شرق آسيا، وكان أداء الصادرات من أمريكا اللاتينية ووسط وشرق أوروبا أسوأ، وارتفعت حصة المنطقة من الصادرات العالمية من 22% فى عام 2011 إلى 23% العام الماضي.
وهناك تفسير أفضل وراء هذا الاختلاف وهو أن هيكل التجارة فى شمال شرق آسيا قد تغير، فبعد أن انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية فى عام 2011، هرعت الشركات العالمية إلى زيادة سلاسل الإمداد الخاصة بها من موطئ قدمها فى آسيا إلى الصين، وهو ما أثار طفرة فى تجارة السلع الوسيطة فى جميع أنحاء المنطقة- وهى شبكة غالبا ما يطلق عليها «مصنع آسيا»- مع قيام اليابان وكوريا الجنوبية بتصنيع غالبية الأجزاء المعقدة وتقوم الصين بجمعها فى صورة منتجات نهائية.
وبدأت هذه العملية فى التباطؤ على نحو ملحوظ نظراً لأن الصين بدأت فى رفع قيمة سلاسل الإمداد الخاصة بها، وقال لويس كوجيس، لدى رويال بنك أوف سكوتلاند، إن حصة أجزاء السلع الوسيطة من إجمالى الواردات فى الصين تراجعت بنحو 11% منذ عام 2007 وحتى بداية العام الجارى، ونتيجة لذلك، كانت هناك حاجة أقل للتجارة بين الدول الآسيوية لإنتاج نفس السلع النهائية كما كان فى الماضى.
وما يدعم هذا التفسير هو أن الصادرات الصينية كانت أكثر مرونة من الدول الأخرى داخل «مصنع آسيا»، وخلال العامين السابقين، ارتفعت الصادرات الصينية بنسبة 6% سنوياً فى المتوسط من حيث القيمة الدولارية، وارتفعت الصادرات من كوريا الشمالية وتايوان بنسبة 2% فقط، فى حين تراجعت الصادرات اليابانية بنسبة 6%. ومع احتواء الصين على المزيد من سلاسل الإمداد الإقليمية، فيمكن أن تكون الصادرات الصينية وحدها مقياساً أفضل للاقتصاد العالمى، ورغم ارتفاع قيمة اليوان، ازدادت الصادرات الصينية بنحو 5.9% منذ بداية العام الجارى حتى الآن، وهو ما يعد ارتفاعاً من 4.6% خلال الفترة ذاتها العام الماضى، مما يشير إلى أن الطلب العالمى مازال ضعيفاً ولكنه على الأقل آخذ فى الارتفاع.