بقلم: جيفرى فرانكليمتلك
أليكساس تسيبراس، رئيس الوزراء اليونانى، فرصة ليصبح، بالنسبة لبلاده كما كان كيم داى جونج، رئيس كوريا الجنوبية، ولويز اناشيو لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل، لبلادهما، رجل يسارى يتحرك تجاه المسئولية المالية وتحرير الأسواق، ومثل تسيبراس، انُتخب الاثنين فى وقت أزمة اقتصادية، وكلاهما واجها على نحو فورى القيود المالية الدولية التى يمكن أن يتحمل الساسة المعارضين ثمن تجاهلها.
وبعد تولى السلطة، كان كيم ولولا قادرين على التكيف، سياسياً وعقلياً، مع الحقائق الجديدة التى تواجههما، وأطلقا الإصلاحات اللازمة، فبدأت كوريا الجنوبية تحت رئاسة كيم فى كبح جماح مجموعة المؤسسات الصناعية التى تسمى “شيبول”، مجموعة الشركات التى تملكها وتديرها عائلة تسيطر على صناعات معينة وتحتكرها، ونفذت البرازيل تحت حكم لولا نظام “بولسا فاميليا”، وهو نظام المدفوعات النقدية المباشرة للأسر الذى يعود إليه الفضل فى نشل الملايين من الفقر.
ومع ذلك، أمضى تسيبراس وحزبه “سيريزا” أول ستة أشهر من توليهم الحكم ضيقى الأفق بشأن الوقائع المالية، غير قادرين على رؤية الأشياء من منظور الآخرين، وقرارهم بإجراء استفتاء بشأن شروط حزمة الإنقاذ التى وضعها مقرضو اليونان أظهرت أيضاً ضيق أفقهم.
وإذا كان تسيبراس يقرأ من النص العادى، فمن المنطقى أن يطلب من اليونانيين التصويت بنعم، ولكنه طالبهم بالتصويت بلا، وهو ما فعلوه وبفارق كبير على نحو مفاجئ، ومن الواضح أنه اعتقد أن ذلك سيعزز جبهته، ولكنه عزز بكل بساطة موقف الألمان المقتنعين بأن الوقت حان لخروج اليونان من منطقة اليورو.
وبعد أسبوع واحد فقط من الاستفتاء، واجه تسيبراس الواقع أخيراً، وهو أن شركاء اليونان داخل اليورو غير مستعدين لتقديم شروط أسهل، وعلى النقيض أصروا على مزيد من التنازلات القاسية ثمناً لحزمة إنقاذ ثالثة.
والجانب المضئ الوحيد فى هذا التاريخ المأساوى هو أن بعض مؤيدى تسيبراس فى الداخل ربما يكونوا على استعداد الآن لابتلاع دواء المقرضين المر، ولا ينبغى أن يقلل المرء من شأن استمرار المعارضة بين اليونانيين حيال الإصلاحات، ولكن مثل كيم ولولا، يستطيع تسيبراس حشد الدعم السياسى من بعض اليساريين الذين يعتقدون أنه “إذا قال الآن أن هذه التدابير لا يمكن تجنبها، فلن يكون هناك حقاً أى بديل”.
ومن الممكن أن تكون الحكومات الدائنة الأجنبية غير عقلانية أيضاً، ولم تكن المفاهيم الخاطئة وأخطاء القادة فى ألمانيا وغيرها من الدولة المقرضة أقل من تلك التى ارتكبها القادة اليونانيين الأقل خبرة، وعلى سبيل المثال، كان الاعتقاد بأن التقشف المالى يزيد الدخل بدلاً من تخفيضه، حتى على المدى القصير، خطأ، وكذلك كان رفض شطب الديون فى عام 2010، وتفسر هذه الأخطاء السبب لماذا أصبحت نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى أعلى اليوم، مما كانت عليه آنذاك.
وعزز رفض كل جانب الاعتراف بأخطائه عناد الطرف الآخر، فكان من الممكن أن يكون أداء ألمانيا أفضل إذا اعترفت أن التقشف المالى يؤدى إلى الانكماش على المدى القصير، كما كان من الأفضل أن يعترف اليونانيون أن الديمقراطية لا تعنى أن الشعب يستطيع التصويت لإعطاء نفسه أموال الدول الأخرى.
ووفقاً لنظرية الألعاب، فحقيقة أن اليونانيين والألمان لديهم مصالح اقتصادية مختلفة ليس كافياً لتفسير النتائج السيئة للمفاوضات حتى الآن، وإذا كان الاختلاف فى المفاهيم أمراً محورياً، فالتوصل إلى اتفاق فى حالات المساومة لا يتطلب فقط أن يكون لدى المفاوضين فكرة واضحة عن أولوياتهم بل أيضاً إدراك أكثر شئ يريده الطرف الآخر.
وتناشد “الصفقة السيئة” كل جانب التخلى عن أهم أولوياته، فما كان ينبغى أن يوافق البنك المركزى الأوروبى على شطب صريح للديون اليونانية، وما كان ينبغى لليونان أن تضطر إلى تحقيق فائض كبير فى الميزانية الأولية فى الوقت الراهن، وبمقتضى “الصفقة الجيدة” يقبل الدائنون تعديل أسعار الفائدة وتمديد مواعيد الاستحقاق، كما يقترح صندوق النقد الدولى الآن، حتى لا تضطر اليونان إلى سداد ما لا يمكنها سداده على مدى السنوات المقبلة، فى مقابل إصلاحات هيكلية معززة للنمو.
ويأمل المرء أن تكون التجربة السيئة فى الأشهر الستة الأخيرة التى دفعت الجانبين إلى الوصول إلى تصور أوضح للأولويات والواقع السياسى، وسيكون هذا ضرورياً إذا كان يتعين على الجانبين التوصل إلى صفقة جيدة وليس صفقة سيئة، أو حتى الفشل التام فى التعاون، بحيث تنسحب اليونان من اليورو.
والفكرة المتكررة فى الأزمة اليونانية منذ اندلاعها أواخر عام 2009 هو أن اليونان والدول الدائنة فى منطقة اليورو ترددوا فى النظر فى الدروس المستفادة من أزمات الأسواق الناشئة السابقة، وبعد كل شئ، قالوا إن اليونان عضو فى منطقة اليورو وليست دولة نامية، ولذلك، على سبيل المثال، لم يرغب البنك المركزى الأوروبى والمفوضية الأوروبية فى البداية أن تلجأ اليونان إلى صندوق النقد الدولى ولم يرغبا فى شطب الديون اليونانية.
وتحمل أزمات الأسواق الناشئة حقاً دروساً مهمة، وإذا تمكن تسيبراس الآن من السير على خطى كيم ولولا، فسيخدم بلاده جيداً.
المصدر: بروجيكت سينديكيت