باريس (رويترز) - يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول تحد في الشوارع لبرنامج إصلاحاته التي تخدم مصالح الشركات يوم الثلاثاء بخروج عمال الاتحاد العام للعمال (سي.جي.تي) اليساري المتشدد في مسيرات في المدن الفرنسية احتجاجا على تخفيف الإجراءات المنظمة للعمل.
وفي دعوة موجهة للطبقة العاملة وصف فيليب مارتينيز رئيس الاتحاد العام للعمال المرتبط بالحزب الشيوعي الإصلاحات بأنها "انقلاب اجتماعي" وانتقد تعهد ماكرون بعدم تقديم تنازلات لمن سماهم "الكسالى".
وكانت الاتحادات العمالية قد عطلت محاولات سابقة لإضعاف قانون العمل الفرنسي لكن هذه المرة بدا ماكرون أكثر ارتياحا بعد امتناع اتحادين عماليين آخرين أحدهما أكبر اتحاد عمالي في البلاد (سي.اف.دي.تي) عن المشاركة في الاحتجاجات.
وحددت الحكومة الشهر الماضي، بعد مفاوضات استمرت أسابيع، إجراءات منها وضع حد أقصى لمدفوعات التي يحصل عليها المفصولون بدون وجه حق وإعطاء الشركات حريات أكبر فيما يتعلق بالتوظيف والتسريح.
ولا يشير الإصلاح بشكل مباشر لعدد ساعات العمل البالغ 35 ساعة في الأسبوع، وهو أيقونة قانون العمل الفرنسي، لكنه يطلق أيادي الشركات في تحديد الأجر وظروف العمل. وتعتزم الحكومة تبني الإجراءات الجديدة التي ستصدر في مرسوم يوم 22 سبتمبر أيلول.
وقال ماكرون خلال زيارة لأثينا يوم الجمعة لقادة الأعمال الفرنسيين "أنا مصمم تماما ولن أقدم أي تنازلات للكسالى أو للمنتقدين أو للمتشددين".
وقال إن تعبير "الكسالى" كان يقصد به الذين فشلوا من قبل في إقرار إصلاحات لكن الكثيرين فسروه باعتباره هجوما على العاطلين أو العاملين الذين يستفيدون أكثر من غيرهم من إجراءات الحماية الوظيفية.
ويعتز العمال الفرنسيون منذ فترة طويلة بالحقوق التي يكفلها لهم قانون العمل لكن الشركات تشكو من أن هذه الحقوق تحد من الاستثمار وخلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي. ويتجاوز معدل البطالة الفرنسي مستوى تسعة بالمئة منذ نحو عشر سنوات.
وتتابع ألمانيا إصلاحات ماكرون باعتبارها اختبارا لمدى التزامه بإعادة تشكيل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وهو ما يتعين عليه القيام به لضمان مساندة برلين له في إصلاحات أوسع نطاقا تتعلق بالوحدة النقدية.
والاتحاد العام للعمال هو ثاني أكبر نقابة عمالية في فرنسا لكن نفوذه بدأ يخفت. وقال مارتينيز إن احتجاجات الثلاثاء على مستوى البلاد مجرد "مرحلة أولى" سيتبعها المزيد. ووصف إشارة ماكرون "للكسالى" بأنها إهانة للعمال.
وقال أعضاء في الاتحاد العام للعمال من العاملين في السكك الحديدية وقطاعات النفط والكهرباء إنهم سيلتزمون بدعوته للإضراب يوم الثلاثاء.
وقال مارتينيز للقناة الثانية بالتلفزيون الفرنسي "عمال الاتحاد العام للعمال ينصتون للشعب ويفهمونه ولا يحدثون انقسامات".
ومن المتوقع أن يزور ماكرون سان مارتان وهي منطقة فرنسية في الكاريبي يوم الثلاثاء لتفقد آثار الأعصار إرما المدمر.
* انقسام النقابات العمالية
حاولت الحكومات اليمينية واليسارية على مدى عقود تعديل قانون العمل الذي يقع في ثلاثة آلاف صفحة لكن كان الحال ينتهي بها إلى تخفيف مطالبها في مواجهة احتجاجات في الشوارع.
وعمل ماكرون وزيرا للاقتصاد في حكومة الرئيس فرنسوا أولوند الاشتراكية التي أثارت محاولاتها تغيير قانون العمل احتجاجات استمرت أسابيع وبلغ عدد المشاركين فيها وقت ذروتها نحو 400 ألف شخص وأثارت تمردا داخل حزبه.
وأجبر أولوند على تخفيف مقترحاته لكن لم تظهر بوادر حتى الآن على أن ماكرون مستعد للتراجع.
وأشار استطلاع رأي نشرت نتائجه في الأول من سبتمبر أيلول إلى أن الناخبين مختلفون بشأن الإصلاحات. فقال نحو ستة من كل عشرة إنهم يعارضون مرسوم ماكرون لتعديل قانون العمل. لكن في تعليقهم على كل إجراء على حدة حصلت أغلب الإجراءات على تأييد الأغلبية.
ومع تسارع معدل النمو الاقتصادي وتراجع معدل البطالة وانقسام الاتحادات العمالية بشأن الإصلاحات لم يعد واضحا ما إذا كانت الاحتجاجات ستكتسب زخما في نهاية الأمر.
وقال وزير المالية برونو لو مير لصحيفة ليزيكو إن الناخبين اختاروا ماكرون "لتنفيذ الإصلاحات التي تجنبتها فرنسا على مدى 30 عاما".
ووصف اتحاد العمال الأكبر في البلاد (سي.اف.دي.تي) مرسوم ماكرون بأنه يمثل "خيبة أمل كبيرة" لكنه قال إنه لن ينضم لمظاهرات الاتحاد العام للعمال.
وقرر الاتحاد الأصغر حجما (اف.أو) المتحالف عادة مع الاتحاد العام للعمال (سي.جي.تي) عدم المشاركة كذلك في خطوة أثارت خلافات بين صفوفه.
(إعداد لبنى صبري للنشرة العربية - تحرير منير البويطي)