من نضال المغربي
غزة (رويترز) - بدأت الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في قطاع غزة في التحسن حينما أدت المصالحة بين حركة حماس التي تسيطر على القطاع والسلطة الفلسطينية التي مقرها الضفة الغربية في أكتوبر تشرين الأول، إلى هبوط في الأسعار التي تثقل كاهلهم.
وبعد ثلاثة أشهر، لا تزال هناك خصومات على منتجات كثيرة من الملابس إلى السيارات، لكن قليلين فقط من نحو مليوني شخص يقطنون القطاع الذي تحاصره إسرائيل هم الذين يشترون.
ورغم أن حماس سلمت إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، والتي ألغت ضرائب إضافية فرضتها حماس على الشركات، وهو ما أتاح مجالا لخفض الأسعار، إلا أنه لا تزال هناك خلافات بين القيادتين المتنافستين.
ونتج عن ذلك أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يتراجع عن خفض قدره 30 بالمئة في الأجور فرضه في أبريل نيسان على 60 ألف موظف حكومي بقوا في قوائم الرواتب لدى السلطة الفلسطينية حينما فقدت السيطرة على قطاع غزة لصالح حماس في 2007.
وكثير من هؤلاء الموظفين غارقون الآن في ديون للبنوك عن قروض كانوا حصلوا عليها للتغلب على صعوبات معيشية.
وقال ماهر الطباع، وهو خبير اقتصادي ومدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية لقطاع غزة، إن خفض الأجور "حرم أسواق قطاع غزة من 160 مليون دولار خلال الثمانية أشهر الماضية".
وبالنسبة للأفراد، كانت العواقب قاسية. ففي إحدى الصيدليات في غزة هذا الأسبوع، إضطرت أم أحمد للاكتفاء بالأدوية التي تستطيع دفع ثمنها في وصفة طبية لابنها، وقالت وهي تختار عقارين من مسكنات الألم وتترك المضادات الحيوية الأعلى سعرا، "حتى في أسوأ أحلامي لم أتخيل أننا سنمر بمثل هذه الظروف التعيسة".
وقال الطباع إن أي تحسن اقتصادي في غزة يعتمد إلى حد كبير على قيام إسرائيل برفع القيود الحدودية المشددة التي فرضتها بعدما سيطرت حماس على القطاع، وهو ما انعكس في تقارير للبنك الدولي على مدى السنين.
وتشير إسرائيل إلى أن هناك مخاوف أمنية وراء القيود، التي تتضمن حصارا بحريا وحظرا شبه تام على الصادرات من القطاع وقيودا على استيراد مواد معينة مثل الصلب الذي يمكن أن يستخدمه نشطاء مسلحون في صنع أسلحة أو عمل تحصينات.
وتشير أيضا مصر، الوسيط الرئيسي في المصالحة الفلسطينية والتي تحارب صعود التيار الإسلامي في صحراء سيناء المجاورة لغزة، إلى اعتبارات أمنية في إبقاء حدودها مع القطاع مغلقة إلى حد كبير.
* مخاوف دولية..
تحث دول كثيرة أقلقها تفاقم الأزمة الاقتصادية في غزة على فتح الحدود بشكل أكبر.
وقال البنك الدولي في سبتمبر أيلول إن تخفيف القيود على حركة السلع والأفراد سيتيح تجارة ضرورية لإعادة بناء البنية التحتية والاقتصاد، اللذين تضررا بشدة جراء حرب استمرت سبعة أسابيع بين إسرائيل ونشطاء مسلحين في غزة في 2014.
وكان هناك 550 تاجرا من غزة لديهم تصاريح لدخول إسرائيل حتى ديسمبر كانون الأول 2017، بانخفاض قدره 85 بالمئة منذ أواخر 2015، بحسب لجنة فلسطينية تنقل طلبات الدخول إلى السلطات الإسرائيلية.
وتقول إسرائيل إن بعض التصاريح تستغل لتهريب مواد وأسلحة وأموال إلى النشطاء.
وتوقع البنك الدولي أن يبلغ النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في غزة 4 بالمئة في 2017، وهو ليس كافيا لمنع شبه جمود في الدخل الحقيقي للفرد وزيادة في البطالة.
ويقدر الطباع معدل البطالة حاليا في غزة عند 46 في المئة.
* مبيعات ضعيفة
قالت "مترو" ثاني أكبر متاجر السوبرماركت في غزة إن المبيعات هبطت لأدنى مستوياتها منذ إنطلاق النشاط قبل بضع سنوات.
وقال خليل اليازجي، وهو أحد مالكي مترو، "الناس حاليا لا تشتري إلا الاشياء الأساسية.. الأساسية يعني أهم الأهم.
"نحن غير قادرين على تغطية مصاريف التشغيل".
وقلص السوبرماركت بعض سلعه وخفض وارداته، خشية انتهاء صلاحية مخزونات جديدة بينما لا تزال على أرفف المتجر.
وفي سوق غزة القديم، الذي كان يموج بالحركة في الماضي، قال ممدوح زين الدين، وهو صاحب متجر للعطارة والبهارات، إنه ربما يوقف نشاطه.
وتابع قائلا "الأسواق في انهيار..المصالحة في انهيار، كما كل شيء في غزة".
وتبدو تأثيرات الصراع المسلح والأوجاع الاقتصادية في غزة واضحة للعيان في كرم أبو سالم، المعبر التجاري الوحيد بين إسرائيل وقطاع غزة.
ويمر نحو 800-1000 شاحنة محملة بالسلع متجهة إلى غزة عبر المعبر يوميا، لكن الطباع قال إن هذا العدد انخفض إلى 400 في الأسابيع الماضية بعدما خفض التجار الواردات بسبب ضعف طلب المستهلكين.
وتزايدت التوترات أيضا منذ اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في السادس من ديسمبر كانون الأول، متراجعا عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة لعقود.
وقتل 16 من الفلسطينيين المحتجين في اشتباكات مع الشرطة، وأطلق نشطاء في غزة 18 صاروخا أو قذيفة مورتر (هاون) عبر الحدود إلى إسرائيل، التي ردت بهجمات جوية.
وأغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم يوم السبت قبل يوم من قيامها بتدمير ما قالت إنه نفق يمتد تحت المعبر تستخدمه حماس لشن هجمات.
وأعيد فتح المعبر يوم الثلاثاء، لكن يبدو أن من المستبعد أن يشهد المزيد من التيسير.
ولا تزال هناك خلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية حول مصير 40-50 ألف موظف عينتهم حماس منذ أن سيطرت على قطاع غزة في 2007. وتشكل مسألة الأمن نقطة خلاف رئيسية أخرى، حيث لا تزال حماس تدير الشرطة والأمن الداخلي في غزة بعد تسليمها إدارة القطاع للسلطة.
وانهارت محادثات سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي يرأسها عباس في 2014، وتم اقتراح حكومة وحدة وطنية لدعم عباس في محاولته لإقامة دولة في الضفة الغربية وغزة.
لكن إسرائيل عرقلت جهود المصالحة قائلة إنها لن تتفاوض مع حكومة فلسطينية تعتمد على دعم من حماس، وهي جماعة لا تعترف بإسرائيل وتدعو إلى تدميرها.
(إعداد علاء رشدي للنشرة العربية - تحرير وجدي الالفي)