القاهرة (رويترز) - وقع الهجوم الذي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنه في الوقت الذي كان وزيرا الدفاع والداخلية المصريان يسيران فيه صوب طائرة هليكوبتر تنتظر لتقلهما عائدين من شبه جزيرة سيناء في ديسمبر كانون الأول الماضي.
وقالت خمسة مصادر من الجيش والشرطة لرويترز إن المتشددين أطلقوا صاروخا موجها بالليزر على الطائرة فدمروها.
نجا الوزيران من الهجوم الذي وقع على قاعدة العريش الجوية وكانت دقته وجرأته تذكارا بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي من المتوقع أن يفوز بسهوله بفترة ثانية في انتخابات الرئاسة التي تجري الشهر الجاري، ما زال في غمار حملة عسكرية كبرى لتحقيق الأمن الذي وعد به المصريين.
ورغم الدعم الشعبي الواسع لم تلحق قوات الأمن الهزيمة بعد بالمتشددين في سيناء التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية قاعدة لحملته من أجل إقامة دولة خلافة إسلامية في مصر.
واختصت الأمم المتحدة تنظيم الدولة الإسلامية في مصر بالذكر في تقرير أصدره الأمين العام في يناير كانون الثاني فأبدت قلقها من قدرة التنظيم على التكيف.
وذكر الجيش المصري الهجوم في بيان مقتضب في اليوم الذي وقع فيه دون ذكر تفاصيل. وامتنع متحدث عسكري يتحدث أيضا باسم وزارة الدفاع عن الإدلاء بأي تعليق آخر على الهجوم.
ولم ترد وزارة الداخلية على مكالمات هاتفية أو على أسئلة عن طريق تطبيق واتساب عن الهجوم على الطائرة الهليكوبتر.
وبين حصر أجرته رويترز لبيانات القوات المسلحة منذ أواخر عام 2014 أن الجيش أعلن قتل أكثر من 1800 متطرف في المنطقة خلال تلك الفترة.
وفي الشهر الماضي شن الجيش هجوما حظي بتغطية إعلامية واسعة وقال إنه قتل العشرات من "التكفيريين" واحتجز المئات في سيناء التي تعد معقلا رئيسيا لتنظيم الدولة الإسلامية بعد الهزائم التي مني بها في ليبيا والعراق وسوريا.
ويقول الجيش إن الحملة الجديدة تشهد تنسيقا غير مسبوق بين الجيش والقوات البحرية والقوات الجوية في سيناء وإن هذه الأساليب ستسهم في تطهير سيناء من المتطرفين.
ويقول أنصار السيسي إن الوضع الأمني الآن أفضل من ذي قبل ومن الاضطرابات التي هزت مصر لسنوات بعد انتفاضة الربيع العربي عام 2011 رغم أن الأمن لم يستتب بالكامل.
ولم ترد رئاسة الجمهورية على طلبات للتعليق على الوضع الأمني.
غير أن سنوات من النشاط العسكري في سيناء لم تمنع مقاتلي التنظيم من شن هجماتهم التي تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة وإثارة القلاقل.
وفي الشهور الأربعة الماضية نفذ المتطرفون عمليتين بارزتين،
تلك التي استهدفوا فيها القاعدة الجوية في 19 ديسمبر كانون الأول وعملية سابقة هاجموا فيها مسجدا في 24 نوفمبر تشرين الثاني وقتلوا أكثر من 300 فرد.
في العملية التي كانت الطائرة الهليكوبتر هدفها تقول المصادر في الجيش والشرطة إن المتطرفين احتلوا بيتا على أطراف القاعدة الجوية يوم الهجوم واستخدموا صاروخا روسي الصنع من طراز كورنيت وهو سلاح أكثر تقدما بكثير مما يستخدمونه عادة من بنادق وسترات انتحارية وألغام.
وقال عدد من الدبلوماسيين الأجانب إن استهداف المتطرفين لكبار المسؤولين في الحكومة أمر نادر وإن الهجوم أزعج المؤسسة الأمنية المصرية.
* "القوة الغاشمة"
وقع الهجوم بعد ثلاثة أسابيع من إصدار السيسي أوامره للقادة العسكريين باستخدام "القوة الغاشمة" في محاربة المتطرفين.
ويستخدم الجيش المصري طائراته الحربية ودباباته وقواته التي حاربت المتطرفين الإسلاميين في سيناء منذ سنوات.
ويقول بعض الدبلوماسيين والمحللين إنه لا بد أن يتبنى الجيش أساليب أكثر فعالية في محاربة المتطرفين ويتحاشى إثارة استياء السكان بالأساليب الأكثر تدميرا من غارات جوية وحظر تجول وفرض مناطق عازلة أدت إلى تسوية مناطق سكنية بالأرض ودفعت بالبعض إلى اعتناق الأفكار المتطرفة.
وقال مهند صبري المؤلف والباحث المصري المتخصص في الأمن في سيناء "نحن نشهد العملية العسكرية ذاتها (مثلما كان يحدث من قبل). قصف بالقوات الجوية والبرية وحشد للمدرعات الثقيلة على الأرض".
وقال دبلوماسي غربي إن السلطات المصرية تركز استراتيجيتها العسكرية على الحرب التقليدية باستخدام الأسلحة الثقيلة بدلا من اللجوء إلى أساليب أكثر تحديدا تعتمد على الاستخبارات في القضاء على التطرف.
وقال العقيد تامر الرفاعي المتحدث العسكري لرويترز إن قوات الأمن تضيق الخناق على المتطرفين وتقطع طرق إمدادهم وهروبهم.
وقال "جزء (من القوات) يمشط البيوت وجزء يدور في مناطق سكنية ... جزء آخر بيداهم أي بؤر إرهابية موجودة سواء في مناطق سكنية أو غير سكنية. إن شاء الله مش ها تقف (لن تتوقف) العملية إلا لما (تكون) انتهت سيناء من الإرهاب".
وذكر في رسالة موجهة عبر التلفزيون في الآونة الأخيرة أن المدنيين سيحصلون على تعويضات مالية عن الأضرار المادية الناجمة عن أعمال القتال وإن مئات من مشروعات التنمية تتم في سيناء، لكنه لم يذكر تفاصيل.
ويقول الجيش إن 16 من رجاله سقطوا في هذه العملية، وذلك بخلاف مئات قتلوا في السنوات الأخيرة. ويقول تنظيم الدولة الإسلامية عبر منافذه الإعلامية على الانترنت إنه قتل عشرات من الجنود في الشهر الماضي من خلال وسائل من بينها استخدام العبوات الناسفة المزروعة على الطرق بكثافة.
وسجل التنظيم الهجوم على القاعدة الجوية في مقطع فيديو نشر على الانترنت ظهر فيه صاروخ موجه وهو يدمر طائرة هليكوبتر رابضة على الأرض. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة مقطع الفيديو من مصدر مستقل.
* معصوب العينين
قال المزارع محمد سويلم لرويترز إن مقاتلي التنظيم احتلوا بيته قرب القاعدة يوم الهجوم. وقالت مصادر الجيش والشرطة الخمسة إن هذا هو المكان الذي أطلق منه المتطرفون الصاروخ.
وقال سويلم (36 عاما) "وقفت سيارة أمام البيت نزل منها مسلحون ملثمون بعضهم كان يرتدي ملابس عسكرية مموهة. في البداية حسبتهم من الشرطة".
وأضاف "عصبوا عيني وأخذوني بالسيارة إلى مكان لعدة ساعات ثم أعادوني. ولم أعرف ما حدث حتى اليوم التالي عندما جاءت الشرطة لتفتيش البيت واستجوابي" عن الهجوم.
وأعلن محافظ شمال سيناء عبد الفتاح حرحور عقب الهجوم خطة لإنشاء مساحة عازلة مؤمنة تمتد شرقا وغربا حول المطار.
وقال مصطفى السيد (51 عاما) جار سويلم في المنطقة التي سيتم إخلاؤها "يعتقدون إن ده (الإخلاء) هو ما سيحمي المطار. هم (الأمن) يعتقدون خطأ. هم لا يعلمون أن مثل تلك الأمور ستزيد من غضب الأهالي ضدهم".
وقال حرحور إنه سيتم تعويض من يضطرون للخروج من بيوتهم.