بيروت/دمشق (رويترز) - بدأت حافلات تنقل مئات من مسلحي المعارضة وأسرهم في مغادرة بلدة حرستا بجيب الغوطة الشرقية في سوريا يوم الخميس وتسلم الجيش المنطقة في أول استسلام لصالحه من نوعه منذ بدأت قبل شهر واحدة من أشرس الحملات في الحرب التي دخلت عامها الثامن.
وتضع موافقة أحرار الشام على قبول شروط الجيش وإخلاء حرستا الحكومة على طريق تحقيق أكبر نصر لها على مسلحي المعارضة منذ معركة حلب في عام 2016.
وبعد حلول الليل غادرت نحو 30 حافلة تقل مسلحين من المعارضة وأسرهم المدينة. وقالت وسائل إعلام سورية رسمية إن الحافلات أقلت 1580 شخصا من بينهم 413 من مسلحي المعارضة الذين منحوا ممرا آمنا إلى شمال غرب سوريا.
وقال الإعلام الحربي لجماعة حزب الله اللبنانية حليفة الأسد يوم الأربعاء إن نحو 1500 من مقاتلي جماعة أحرار الشام بالإضافة إلى 6000 شخص من عائلاتهم سيغادرون حرستا بموجب اتفاق مع الحكومة.
وحث ضابط بالجيش في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مقاتلي المعارضة الذين لم يتفاوضوا على اتفاق بعد، على الاستسلام.
وقال "من أراد الاستسلام والعودة إلى حضن الوطن فأهلا وسهلا، ومن أراد الموت فالموت له".
وهجوم الجيش السوري على الغوطة الشرقية، التي تضم مدنا وبلدات وأراضي زراعية على مشارف دمشق، هو أحد أعنف المعارك في الحرب السورية. وأدى الهجوم إلى مقتل أكثر من 1500 شخص في قصف متواصل بالطائرات والقذائف والصواريخ.
وقبل صعودهم للحافلات نقلت لقطات تلفزيونية مجموعة صغيرة وهي تصلي المغرب فيما قد تكون آخر صلاة لهم في البلدة فيما ركض أطفال بين الكبار وهم في انتظار ركوب الحافلات.
وقال مصدر عسكري إن من المتوقع أن يبقى ما بين 18 ألفا و20 ألفا في حرستا تحت حكم الحكومة السورية.
وشهدت الحملة العسكرية على الغوطة الشرقية استخدام سوريا وحليفتها روسيا أساليب أثبتت نجاحها في مناطق أخرى من البلاد منذ انضمام موسكو للحرب في 2015. وتتمثل تلك الأساليب في حصار المنطقة المستهدفة وقصفها وشن هجوم بري ثم عرض ممر آمن للخروج للمسلحين وأسرهم.
وفي منطقة أخرى من الغوطة الشرقية ذكر التلفزيون الحكومي إن أكثر من ستة آلاف شخص فروا من مدينة دوما الأكبر مساحة التي تسيطر عليها المعارضة منذ يوم الأربعاء وعبروا الحدود إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة.
وبقرار جماعة أحرار الشام الاستسلام في حرستا لن يتبقى تحت سيطرة المعارضة سوى دوما وجيب آخر في الغوطة الشرقية يشمل بلدات جوبر وعين ترما وعربين وزملكا.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب إن 19 شخصا قتلوا في ضربات جوية استهدفت مناطق في الغوطة الشرقية صباح يوم الخميس بينها عربين وزملكا.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن مقاتلي المعارضة أطلقوا صواريخ من الغوطة الشرقية على دمشق اليوم الخميس فقتلوا شخصين. وعرض التلفزيون لقطات لأجزاء مشتعلة من المقذوفات في شوارع وحدائق.
* استسلام
قاد الأسد سيارته بنفسه يوم الأحد إلى جبهة قتال جديدة سيطرت قواته عليها في الفترة الأخيرة في الغوطة الشرقية إظهارا لموقفه القوي فيما يبدو في الحرب التي تسير لصالحة منذ أن أرسلت روسيا قوات جوية لمساعدته في عام 2015.
واتفاق استسلام المقاتلين في حرستا هو الأول في الغوطة الشرقية وبدأ تنفيذه يوم الخميس بتبادل للأسرى. وفي حديث للتلفزيون الحكومي بكى جندي سوري أطلق المعارضون سراحه وشكر الله والجيش على تحريره.
وأظهر بث على موقع وزارة الدفاع الروسية ما قيل إنه لقطات حية من معبر الوافدين الذي يربط بين دوما والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وأظهر البث الذي استمر لدقائق توافد العشرات في مجموعات صغيرة سيرا على طريق مترب مرورا بجنود مسلحين.
وكان بعضهم يحمل أمتعة وحمل آخرون أطفالا أو كانوا يدفعون عربات أطفال.
ومدينة دوما هي المنطقة الأعلى كثافة سكانية في الغوطة الشرقية، وتحاصرها الحكومة بالكامل منذ أكثر من أسبوع.
وكانت جماعة جيش الإسلام التي تسيطر على المدينة قالت إنها عازمة على مواصلة القتال، ومع ذلك قال المرصد إن مغادرة المدنيين للمنطقة تأتي بموجب اتفاق بين الجماعة وروسيا.
* ضراوة القتال
اتهمت الحكومة السورية وروسيا المعارضة في الغوطة الشرقية بمنع المدنيين من الرحيل وهو ما ينفيه مقاتلو المعارضة. وتقولان أيضا إن الهجوم ضروري لإنهاء قصف المعارضين لدمشق ومناطق أخرى قريبة. وسقط صاروخ على سوق في بلدة تسيطر عليها الحكومة يوم الثلاثاء مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى.
لكن ضراوة الهجوم الذي يشنه الجيش السوري في الغوطة الشرقية أثارت إدانات غربية ومناشدات عاجلة من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية لوقف إطلاق النار.
وخلال الأسبوع الماضي عبر عشرات الآلاف الخطوط الأمامية إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وسيذهب مقاتلو حرستا إلى محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا وهي أكبر منطقة لا تزال في قبضة المعارضة وتضاعف عدد سكانها بعد استقبال فارين من مناطق أخرى.
لكن إدلب أيضا هدف للقوات الموالية للأسد الذي تعهد باستعادة السيطرة على البلاد بأكملها. وقال المرصد إن ضربات جوية على إدلب على مدى اليومين الماضيين أسفرت عن مقتل 57 شخصا على الأقل.
(إعداد سلمى نجم للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)