يطل على القارة الأوروبية أسبوعاً شيّقاً في بدايته و نهايته، فبعد أن شهدنا اجتماع وزراء مالية و محافظوا البنوك المرزي لدول مجموعة العشرين، يبقى المستثمرين على أحرّ من الجمر منتظرين لاجتماع القادة الأوروبيين في بداية آذار مع الجولة الثانية من عمليات إعادة التمويل طويلة الأمد من البنك المركزي الأوروبي، و هذا عدا عن البيانات الاقتصادية الهامة التي تتخلل طيّات الأسبوع.
ينتظر المستثمرين في الوقت الحالي قدوم نهاية الأسبوع ليشهدوا ما سيتوصل إليه القادة الأوروبيين في قمتهم التي سيعقدوها في الأول و الثاني من شهر آذار، في حين تدور التوقعات و التحليلات بأن يتمركز محور حديث القادة حول آلية الاستقرار المالي الأوروبي و صندوق الاستقرار المالي الأوروبي و ما إذا يهدف القادة إلى توسيع نطاقه و رفع سقفه في سبيل تحقيق استقرار مالي أكبر في المنطقة و دعم دول المنطقة المتعثرين مادياً.
يسير القادة الأوروبيين في الاتجاه الصواب لرفع سقف آلية الاستقرار المالي و تعزيز سبل مصادره و تقوية قدرته على الاقراض للدول الأوروبية المتعثرة، و ذلك نظراً لتفاقم أزمة الديون و تعثر العديد من الدول في الآونة الأخيرة و التي ستحتاج عاجلاً أم آجلاً المزيد من الأموال للوفاء بإلتزاماتها على المدى القصير و تجنب الافلاس، و هو السيناريو الذي شهدناه قد حدث مع اليونان في الفترة الأخير.
و لكن، شهدنا موافقة وزراء المالية الأوروبية في اللحظة الأخير بعد التأجيلات المتكررة على قرض الانقاذ الثاني بقيمة 130 مليار يورو على مدار عامين، و الذي سيُجنب الدولة من إشهار إفلاسها في 20 آذار عند استحقاق ما قيمته 14.5 مليار يورو من دفعات سنداتها الحكومية و التي تفتفر الدولة لهذا المبلغ، و لكن صناع القرار لم يوافقوا على منح اليونان القرض إلا بتحقيق كل مطالبهم التي تفرض على الدولة سياسات تقشفية قاسية تهدف لخفض نسبة العجز في الميزانية اليونانية.
بالحديث عن اليونان و قرض الانقاذ الثاني الذي وافق وزراء المالية عليه، قد يُلقي القادة الأوروبيين حبل الانقاذ للدولة و ينشلوها من الافلاس، أو أن يتركوها تنزف حتى الموت في معضلة دينها العام، حيث أن قد يناقش القادة الأوروبيين كيفية منح الدولة قرض الانقاذ هذا و هل سيكون هنالك المزيد من الشروط و المتطلبات حتى يمنحو الدولة القرض هذا.
يوجد هنالك العديد من المواضيع المهمة جداً سيتباحثها القادة في قمتهم هذه، و لكن لا يجب أن يغفل القادة و لوّ للحظة عن مشكلة البطالة التي تعدت كل المستويات المقبولة أو الطبيعية، في حين يجب عليهم فرض سياسات و اجراءات جديدة تدعم قطاع العمالة الذي عانى كثيراً وسط أزمة الديون هذه التي شلّت حركة الاقتصاد.
نذكرك عزيزي القارئ هنا بأن معدل البطالة قد وصل لمستويات 10.4% في آخر قراءة له، و هو مستوى مرتفع جداً حتى لو كان يشمل 17 دولة داخل منطقة اليورو، فالشلل الاقتصادي الذي تشهده القارة الأوروبية و منطقة اليورو بالأخص يؤثر و يتأثر بمعدل البطالة المرتفع، فارتفاع البطالة في المنطقة يحد بشكل كبير من مستويات الانفاق للعامل الأول في الاقتصاد و هو المستهلك، و من جهة أخرى، يؤثر على البطالة عن طريق خفض معدلات التوظيف في الاقتصاد و يتم تسريح العديد من الموظفين في حالات الشلل الاقتصادي هذه.
و المحور الثالث الذي سيأخذ نصيبه من تركيز القادة هو النمو، فسيبحث القادة في قمتهم سبل دعم الاقتصاد و تحقيق مسيرة نمو قوية بدلاً من هشاشة النمو شهدها الاقتصاد، خاصة بعد أن أشارت المفوضية الأوروبية عن تخفيضها للتوقعات التي تتعلق باقتصاد منطقة اليورو خلال العام الجاري لتتوقع بأن ينكمش الاقتصاد عند وتيرة تصل إلى 0.3% مقارنة بالتوقعات السابقة التي أشارت إلى نمو عند 0.5% خلال العام الجاري 2012.
هذا و أكّدت المنظمة على احتمالية عودة اقتصاد منطقة اليورو إلى دائرة الركود خلال العام الجاري متوفقة بذلك مع صندوق النقد الدولي الذي يتوقع أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو بوتيرة تصل إلى 0.5%، في حين تعكس هذه التوقعات اشارات التباطؤ و الانكماش التي تظهر أو ظهرت، حيث شهدنا انكماش قطاعي الخدمات و الصناعة خلال الشهر الماضي، و ما هي إلا اشارات ترفع من فرص انكماش و ركود الاقتصاد.
إن هذه الاشارت و التوقعات التي تُشير لها أكبر المنظمات العالمية، هي عوامل تحفز القادة الأوروبيين على بحث سبل دعم الاقتصاد و تحقيق نمواَ به تجنباً للعودة إلى دائرة الركود الذي شهدها اقتصاد المنطقة خلال الأزمة العالمية عام 2009، فكما يُقال "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، فنرجو عزيزي القارئ أن يأخذ القادة الأوروبيين هذه العبارة بعين الاعتبار و أخذ المزيد من الاحتياطات و الاجراءات لدعم و تحفيز الاقتصاد قبل فوات الآوان.
إن قيام القادة الأوروبيين باجراءات فعّالة و مفيدة للاقتصاد سيشجع قادة الدول العظيمة في العالم بدعم اقتراح توسيع نطاق مصادر صندوق النقد الدولي في سبيل تزويد القارة الأوروبية بدعم مالي يساعدها في ظل أزمة الديون، خاصة بعد أن عبّر العديد من قادة الدول الأخرى عن ترددهم بشأن دعم منطقة اليورو قبل أن تُثبت المنطقة دعمها المطلق لنفسها.
و من جهة أخرى من المتوقع أن يعلن قادة 25 دولة ضمن الاتحاد الأوروبي عدا عن المملكة المتحدة و التشيك عن الموافقة النهائية على الصيغة النهائية لمعاهدة الانضباط المالي التي ستخول الاتحاد بمراقبة ميزانيات الدول المشاركة في هذه المعاهدة، و تأتي هذه الموافقة النهائية بعد أن وافق عليها القادة بشكل أولي في قمتهم السابقة، و التي تسمح للدول المشاركة بتحمل عجز نسبته 0.5% من الناتج المحلي الاجمالي أو أقل في ميزانياتهم و لكن يُسمح للدول التي يصل نسبة دينهم العام إلى ما دون 60% من الناتج المحلي لأن تتحمل عجز يصل إلى 1%، في حين أنه سيتم تطبيقها في الأول من شهر كانون الثاني من عام 2013.
تُعتبر هذه المحاور هي ما سيبحثه القادة الأوروبيين في قمتهم هذه بشكل رئيسي، فهل سيعقد القادة عزيمتهم و يقوما بتنفيذ هذه الأمور بشكل تام، ام سيقوم القادة بالتأجيل كعادتهم للأيام المقبلة، في الواقع يصعب الاجابة عن هذا السؤال نظراً لصعوبة توقع ما سيقوم به القادة، و لكن نعلم بأن الشعور العام للأسواق المالية سيكون متعلق بالقمة الأوروبية و أن عدم أخذ القادة الاجراءات المقنعة للأسواق سيُلقي بظلال التشاؤم على الأسواق المالية.
هذا و من المفترض أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بمواصلة عمله على أكمل وجه مقدّماً وللمرة الثانية قروضاً لمدة ثلاث سنوات في مزاد سيعقد خلال هذا الأسبوع ، و الذي من المفترض أن يلقى طلباً كبيراً كما شهدنا في العرض الأول الذي قدمه البنك المركزي و الذي تم منح القروض فيه ل 523 بنكاً أوروبياً بقيمة تقارب أن تصل إلى نصف تريليون يورو، و الذي حد من مشاكل سيولة محتملة بين القطاع المالي الأوروبي.
و بالنظر على الأجندة الاقتصادية و ما تحمله من بيانات هامة، فسيشهد هذا الأسبوع حفنة من البيانات الهامة التي تكسب نظر و اهتمام المستثمرين نظراً لما تعكسه من حيوية الاقتصاد و أداءه، فستُعلن منطقة اليورو قراءة مؤشر أسعار المستهلكين الذي من المتوقع أن يبقى ثابتاً عند 2.7% خلال كانون الثاني، و لكنه من المتوقع أن يتراجع إلى 2.6% خلال شهر شباط حسب القراءة الأولية للمؤشر.
هذا و من المتوقع أن يبقى معدل البطالة في كل من ألمانيا و منطقة اليورو عند المستويات السابقة، فقد يبقى معدل البطالة في منطقة اليورو عند مستوياته 10.4% خلال كانون الثاني وهو معدل مرتفع كما أشرنا سابقاً، و معدل البطالة قد يبقى ثابتاَ أيضاً في ألمانيا عند مستويات 6.7%.