من باريسا حفظي
أنقرة (رويترز) - كثير من الإيرانيين الذين حلموا بحياة هادئة ومريحة بعد التوصل لاتفاق نووي مع قوى عالمية في 2015 بدأوا يقلقون للمرة الأولى في عقود من أنهم قد يٌقصفون داخل منازلهم.
ومنذ توليه منصبه الشهر الماضي تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن يكون صارما مع إيران وحذرها بعد التجربة الصاروخية التي أجرتها يوم الأحد من أنها تلعب بالنار وأن الولايات المتحدة تبقي جميع الخيارات على الطاولة.
ويقول محللون إن تلك الخيارات قد تتراوح من الدبلوماسية إلى العمل العسكري وإن بعض الإيرانيين الخائفين ربما أنهم يجهزون خططا للهرب كما فعلوا أثناء الحرب مع العراق التي استمرت ثماني سنوات وقصفت خلالها مقاتلات صدام حسين بلدات ومدنا إيرانية.
وقال قربان علي أزهري (65 عاما) وهو معلم متقاعد في مدينة كرمنشاه في غرب البلاد "أبلغت أولادي أن يجعلوا جوازات سفرهم جاهزة... إذا تعرضنا لهجوم من إسرائيل أو أمريكا يمكننا أن نهرب إلى تركيا بالسيارة لأن المطارات ستكون مغلقة."
وأضاف قائلا "كفانا ما لاقيناه. حرب ثماني سنوات.. صعوبات اقتصادية.. عقوبات ... لا استطيع أن أترك أحفادي يعيشون في خوف. ستراق الدماء."
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد وبضعة كيانات إيرانية في أعقاب التجربة الصاروخية الإيرانية بينما يعكف ترامب على وضع إستراتيجية أوسع لمواجهة ما يعتبره تصرفات إيرانية تزعزع الاستقرار.
وواصل الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي التنديد بالولايات المتحدة مشيرا إلى أن الخصومة بين البلدين منذ ثورة 1979 لن تنحسر بسبب الاتفاق النووي.
وقال هومايون بارخوردار (38 عاما) وهو موظف ببنك خاص ويعول طفلين "كنت أعتقد أن عزلة إيران السياسية والاقتصادية انتهت... لكن الآن أشعر بقلق عميق من ضربة عسكرية...لا أريد حربا مع أي دولة. أنا أحب بلدي. نريد فقط أن نعيش في سلام."
* خوف وولاء
وفي حين يقول خبراء إن الجانبين سيتوخيان الحذر لتفادي مواجهة عسكرية في منطقة الخليج الغنية بالنفط إلا أن تهديدات الولايات المتحدة بالرد على التجربة الصاروخية ورد فعل إيران المتحدي قد يؤديان إلى تصعيد خطير للتوترات.
وقال علي غارفيه في مدينة أصفهان في وسط إيران والتي قصفها العراق أثناء الحرب التي استمرت بين عامي 1980 و1988 "أنا أفكر في الانتقال إلى بلدة صغيرة... فالحياة هناك ستكون أرخص وأكثر آمانا من المدن الكبيرة التي قد تكون الأهداف الرئيسية إذا أرادت أمريكا مهاجمة إيران."
والعلاقات الأمريكية الإيرانية متوترة منذ الثورة التي أطاحت بالشاه الذي ساندته الولايات المتحدة وبعد أشهر قطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية عندما اقتحم طلبة إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 أمريكيا رهائن لمدة 444 يوما.
وتتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة إيران بمحاولة إحكام قبضتها على الدول العربية من العراق إلى لبنان وسوريا واليمن واتهم ترامب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالتساهل مع طهران.
وبعد أيام من توليه السلطة حظر ترامب دخول مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة من بينها إيران إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوما. وقال مسؤولون في إيران إن طهران ستحد من إصدار تأشيرات الدخول للأمريكيين ردا على ذلك القرار.
وقالت فيروزة هينجام وهي مهندسة كمبيوتر في مدينة كاشان في وسط البلاد "أردت دائما أن يدرس طفلاي في أمريكا. لكن الحكومة الجديدة تنشر الكراهية تجاه الإيرانيين... يقولون كل الخيارات مطروحة. هذا يعني أن الهجوم على إيران من بين خياراتهم."
وبينما يخشى كثير من الإيرانيين تصعيدا مع الولايات المتحدة بنفس قدر قلقهم من الصعوبات الاقتصادية في الداخل فإنهم أيضا يظهرون الولاء والتحدي.
وقالت سميرة أعظم زادة (47 عاما) وهي مصففة شعر في مدينة رشت "إيران وطني أيا كان من يحكمونها. انظر إلى السوريين الذين تركوا بلدهم بسبب الحرب. إنهم يتعرضون للإذلال... لا أريد أن أكون مثلهم... ليس لدي مال للسفر إلى الخارج. أنا أم وحيدة لفتاتين في سن المراهقة."
* صعوبات اقتصادية
عانى الاقتصاد الإيراني بشدة من سنوات من العقوبات بسبب برنامجها النووي والانخفاض الحاد في أسعار النفط منذ منتصف 2014.
وعلق الإيرانيون آمالهم على التقدم الاقتصادي في أعقاب الاتفاق النووي لكن بعد سنة من رفع العقوبات يتعافى الاقتصاد ببطء والصفقات مع المستثمرين الغربيين قليلة ومتباعدة.
والآن هم يخشون أن النهج العدائي الأمريكي والقيود على السفر سيجعلان المستثمرين الغربيين القلقين بالفعل يخافون أكثر من العودة للعمل مع طهران.
وقال أُميد صدر زاده الذي يملك مصنعا في كرج قرب العاصمة طهران "الوضع الاقتصادي سيزداد سوءا بسبب اللهجة الأمريكية المتشددة. إنها ستدفع المستثمرين الأجانب للابتعاد (عن إيران)."
وقال مسؤول إيراني بارز سابق إن نهج ترامب سيصب في صالح المحافظين النافذين في بلاده مثل الحرس الثوري الإيراني.
ويتحكم الحرس الثوري في البرنامج الصاروخي للبلاد وقال نائب قائده يوم الخميس إن لديه منشآت صاروخية سرية كثيرة مخبأة في الجبال.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "المحافظون الإيرانيون يريدون حربا. سيعزز ذلك من موقفهم في المؤسسة. هم يريدون أن تكون إيران منعزلة... سيفعلون كل ما بوسعهم لتعميق التوترات بين إيران وأمريكا من إطلاق الصواريخ إلى الإدلاء بتصريحات نارية."
ويقول محللون إن طهران قد ترد على أي ضربة عسكرية بهجمات كر وفر في الخليج وإغلاق مضيق هرمز وهو ممر مائي استراتيجي تمر فيه حوالي 40 بالمئة من صادرات الخليج النفطية.
وحذرت السلطات الإيرانية عدوها اللدود إسرائيل والولايات المتحدة في السابق من أن رد طهران على أي ضربة عسكرية سيكون قاسيا وبعض الصواريخ الموجهة لدى إيران يصل مداها إلى إسرائيل.
(إعداد سلمى نجم للنشرة العربية - تحرير وجدي الالفي)