من ايزابيل كولز
القيارة (العراق) (رويترز) - جدران المدرسة طليت بالدهان الجديد والفصول مكدسة لكن الأمر سيستغرق وقتا أطول لإصلاح الضرر الذي لحق بآلاف الأطفال العراقيين الذين عاشوا تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية لأكثر من عامين.
وعلى الرغم من أن الفصل الدراسي بدأ رسميا منذ سبتمبر أيلول لم يتسلم التلاميذ في مدينة القيارة شمال البلاد الكتب الدراسية العراقية النموذجية إلا هذا الأسبوع بعد أن كان المتشددون قد استبدلوها بكتبهم في محاولة لغسل عقول جيل من الأطفال العراقيين.
وطردت الدولة الإسلامية من المدينة قبل ثلاثة أشهر في مراحل مبكرة من حملة استعادة السيطرة على مدينة الموصل التي تقع على بعد نحو 60 كيلومترا إلى الشمال وحاليا تتعرض لهجوم من قوات الأمن العراقية المدعومة من تحالف تقوده الولايات المتحدة.
وتتلاشى دولة "الخلافة" التي أعلنتها الدولة الإسلامية لنفسها وبتلاشيها بدأت صورة أوضح في التشكل لمشروع التنظيم والندوب التي خلفها على من اضطروا للعيش تحت حكمه.
وقالت إيمان التي تبلغ من العمر ثماني سنوات وتوقفت مثل أغلب أقرانها عن حضور الفصول الدراسية بعد سيطرة الدولة الإسلامية على المدينة "نحن سعداء بعودتنا للمدرسة... أرادونا أن نأتي لكننا لم نرغب في ذلك لأننا لا نعرف كيف ندرس بلغتهم... لغة العنف."
وقال سكان محليون إن التنظيم عندما سيطر على المنطقة في صيف 2014 سمح للمدارس بالعمل كالمعتاد. لكن في وقت لاحق حظر المواد التي اعتبرها مخالفة للدين مثل الجغرافيا والتاريخ والتربية المدنية واستغلوا مدارس البنين كساحة لتجنيد الأطفال في صفوفهم.
وفي السنة الدراسية التي تلتها والتي بدأت في 2015 فرضت الدولة الإسلامية منهجا جديدا كليا لغرس أفكارهم في عقول الأطفال. حتى مسائل الحساب كانت تشرح بعدد الأسلحة وكميات الذخيرة "رصاصة + رصاصتين = كم رصاصة؟"
وفي تلك المرحلة توقف أغلب أولياء الأمور عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة والتلاميذ الذين كانوا كبارا بما يكفي لاتخاذ قرارهم بأنفسهم تركوا المدرسة طوعا.
ونتيجة لذلك فوت أغلب الأطفال عامين دراسيين ولأن بعض المعلمين أيضا شردوا بسبب العنف فهناك معلمة واحدة لكل 80 تلميذة تقريبا في مدرسة البنات في القيارة.
وقالت معلمتهن مها ناظم كاظم وهي تتجول في الفصل الذي حشرت فيه كل أربع فتيات في تختة واحدة معدة لجلوس طفلتين "لقد نسين دروسهن... والآن نحن نذكرهن... لا نريدهن أن يصبحن أميات أو جاهلات."
وقالت ناظرة المدرسة التي طلبت عدم ذكر اسمها إن شرطة الحسبة التابعة للدولة الإسلامية كانت تزور المدرسة بانتظام للتفتيش على الالتزام بتعليمات التنظيم الصارمة فيما يخص ملابس النساء والفتيات.
وآخرون مثل فاروق محجوب وهو وكيل مدرسة ثانوية للبنين في القيارة قالوا إنهم تلقوا تهديدات بالقتل إن لم يذهبوا لعملهم في المدارس على الرغم من أن التلاميذ لم يأتوا لفصولهم في النهاية.
وقال محجوب الذي تعرضت مدرسته لضربة جوية قبل عدة أشهر "التأثير الأكبر هو على الأطفال... إنهم مادة خام لدنة يمكنك أن تغير آراءهم ومعتقداتهم بسرعة."
وأضاف أن الأطفال أصبحوا يتصرفون بعدائية أكثر من ذي قبل وأن الألعاب التي يمارسونها الآن عنيفة وقدر أن الأمر لن يستغرق أقل من خمس سنوات لإصلاح هذه الأضرار حتى وإن نفذت على الفور خطة لإعادة تأهيلهم.
وهناك العشرات من التلميذات المفقودات في فصول مدرسة البنات بعد أن تم ربط أقاربهن من الرجال بالدولة الإسلامية ولم يعد مرحب بهم في القيارة. وقال محجوب إن نحو عشرة من طلابه انضموا لصفوف المتشددين.
وخلف المدرسة تقبع بقايا سيارة ملغومة لم تتم إزالتها بعد واكتست السماء بالدخان الداكن من آبار النفط التي أضرم المتشددون النار فيها مما جعل التنفس صعبا وحول لون الخراف للأسود.
وفي شارع قريب وصفت مجموعة من الصبية الذين يسعلون من الدخان ما رأوه تحت حكم الدولة الإسلامية بما يشمل جثثا لمعارضيها معلقة في الأماكن العامة كعبرة للآخرين.
وتوقف ثامر وهو صبي عمره 11 عاما عن الرقص والغناء بذات الأغاني الوطنية العراقية التي تصدح من القوافل العسكرية المارة ووصف كيف أعدم أحد أعضاء الدولة الإسلامية المحليين ويدعى أبو سليمان بعد أن استعادت القوات العراقية المدينة.
وقال ثامر بصوت عال إن مخ الرجل وقلبه خرجا من جثته "لقد انتقموا منه... كان هذا صحيحا كنا سعداء."
(إعداد سلمى نجم للنشرة العربية - تحرير محمد اليماني)