من أوميت بكطاش ونيك تاترسال وحميرة باموق
أنقرة/اسطنبول (رويترز) - "استقيلي يا حكومة" شعار ردده يوم الثلاثاء بعض المشيعين في جنازة أربعة شبان من ضحايا التفجير الانتحاري الذي شهدته العاصمة التركية أنقرة هذا الأسبوع.
وصاح أحد الأقارب "ابننا أصبح ضحية للسياسة القبيحة. نحن لا نريد أي ساسة في جنازتنا" قبل أن يسارع أفراد آخرون من الأسرة إلى إسكاته وتحذيره من الحديث أمام الصحفيين.
وبدلا من أن يوحد الهجوم الذي وقع مساء يوم الأحد الشعب من خلال الحداد فقد فضح الانقسامات العميقة التي تمزق تركيا في كفاحها لتفادي الانزلاق إلى صراعات الدول المجاورة.
ويحذر بعض المحللين من أنه إذا استمرت تركيا في السير في هذا الطريق فإنها تجازف بدخول دورة من العنف والانحراف عن المعايير الأوروبية للحرية والديمقراطية التي كانت تطمح إليها في وقت من الأوقات. فالرئيس رجب طيب إردوغان لا يبدي أي بادرة تذكر على محاولة رأب الصدوع.
وقد أدانت أحزاب من مختلف درجات الطيف السياسي - من القوميين إلى المعارضة المؤيدة للأكراد - تفجير السيارة الملغومة الذي أسفر عن سقوط 37 قتيلا في قلب أنقرة وكان الانفجار الثالث في المدينة خلال خمسة أشهر.
لكن الخلافات في الرأي أكبر بكثير حول كيفية الرد على الهجوم.
وسارع المسؤولون إلى توجيه الاتهام للمسلحين الأكراد. وبدأت الطائرات الحربية التركية قصف معسكراتهم في شمال العراق في غضون ساعات واتسع نطاق الاشتباكات مع قوات الأمن في جنوب شرق تركيا الذي يغلب عليه الأكراد.
وفي أول خطاب منذ وقوع التفجير قال إردوغان إنه ينبغي توسيع نطاق قوانين مكافحة الإرهاب السارية في البلاد والتي ترى جماعات حقوقية أنها جائرة واستخدمت في الشهور الأخيرة لاعتقال أساتذة جامعات وصحفيين.
وقال الرئيس في حفل عشاء للأطباء في قصره مساء يوم الاثنين "قد يكون الإرهابي هو من يجذب الزناد أو يفجر القنبلة لكن هؤلاء المؤيدين والأعوان هم الذين يسمحون لذلك الهجوم بتحقيق هدفه."
وأضاف "وكون مسمياتهم النائب أو أستاذ الجامعة أو الكاتب أو الصحفي أو رئيس جمعية مدنية لا يغير شيئا من حقيقة أن هذا الفرد إرهابي... وعلينا أن نعيد تعريف الإرهاب والإرهابي بأسرع ما يمكن وندرج ذلك ضمن قانون العقوبات."
ويقول خصوم إردوغان إنه يستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات المعارضة وإن قيادته الاستبدادية تقسم الشعب على نحو خطير في وقت يحتاج إليه فيه حلفاؤها الأوروبيون وفي حلف شمال الأطلسي كحصن منيع في مواجهة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي كان إردوغان يتحدث فيه في أنقرة تقريبا كانت الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق عدة مئات من المتظاهرين اليساريين في اسطنبول تجمعوا للاحتجاج على ما يرون أنه فشل الحكومة في منع وقوع التفجير يوم الأحد.
وقال شهود عيان من رويترز إن بعض المشاركين في الاحتجاج بدأوا يرددون "إردوغان القاتل اللص" وهو هتاف تكرر في الأعوام الأخيرة خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
* "بلد غاضب"
قال ضياء ميرال الباحث التركي البريطاني "أصبحت تركيا بلدا لا يمكنه أن يفرح أو يحزن أو يجد قضية عامة للالتفاف حوله. فقد أصبحت بلدا غاضبا ذا اعتبارات قبلية لا تفتأ تتضاءل وتتشظى."
وفي مدونة أضاف ميرال الزميل الباحث بأكاديمية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا ومؤسس مركز الدين والشؤون العالمية في لندن "الضغوط على وسائل الإعلام والحرمان من حرية التعبير لا يغذيان سوى الارتياب والدعاية الخطيرة وتشويه المعلومات."
وقال إن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أسسه إردوغان قبل أكثر من عشر سنوات "لم يعد يحركه الاتجاه البراجماتي" بل بقاؤه وطموحه في تأمين النظام الرئاسي الأقوى الذي يريده إردوغان.
ومنذ الفوز في أول انتخابات رئاسية شعبية تجري في تركيا عام 2014 مارس إردوغان ضغوطا لتغيير نظام الحكم البرلماني إلى نظام رئاسي تنفيذي أقرب إلى نظام الحكم في الولايات المتحدة أو فرنسا.
ويصدق كثيرون من أنصاره - الذين يمثلون ما يزيد قليلا على نصف الناخبين ويرون فيه بطلا للطبقة العاملة المتدينة - ما يقال من أن تركيا التي تعاني من تداعيات الصراعات الإقليمية تحتاج إلى قيادة قوية من أجل استقرارها في الأمد البعيد.
ويخشى خصومه تركيز السلطات في يد رجل لا يطيق أي معارضة.
* الفوضى أم الاستقرار
قال مسؤولون أمنيون إن الرجل والمرأة اللذين نفذا تفجير يوم الأحد تربطهما صلة بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ نحو 30 عاما من أجل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرق تركيا.
وقال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إن السلطات لديها أدلة "غاية في الخطورة وشبه مؤكدة" تشير إلى أن حزب العمال الكردستاني هو المسؤول عن الهجوم لكن لم يصدر إعلان من أي جهة بمسؤوليتها عنه.
ووسط العنف المتصاعد في جنوب شرق البلاد حيث انهار وقف إطلاق النار المتفق عليه مع حزب العمال الكردستاني في يوليو تموز الماضي شن حزب العدالة والتنمية حملة لإجراء انتخابات برلمانية في نوفمبر تشرين الثاني بوعود بتحقيق الاستقرار إذا فاز في الانتخابات وإلا فالبديل هو المجازفة بالفوضى إذا خسر.
وقال صلاح الدين دمرداش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد وثالث أكبر حزب في البرلمان "في دول العالم الديمقراطية عندما تنفجر قنبلة يقف الكل جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف ... وهذا هو ما نفتقده."
وأضاف "فهم لا يقدمون تفسيرا. ولا يعتذرون. ولا يقولون أخطأنا... بل يواصلون الاستقطاب."
ومع ذلك ووسط هذ الانقسامات لا توجد شخصيات معارضة تملك فيما يبدو القدرة على توحيد الشعب.
ويتزايد باستمرار الإحساس بهذه الانقسامات خارج دهاليز السلطة.
ويوم الثلاثاء عجز فريق أميدسبور أحد فرق كرة القدم البارزة في جنوب شرق البلاد عن إيجاد غرف للإقامة من أجل أداء مباراة خارجية في مدينة سيواس بوسط البلاد إذ رفض أصحاب الفنادق حجز غرف للفريق عندما أدركوا حقيقة التفاصيل.
وفي النهاية قال علي كاراكاش رئيس الفريق لرويترز إن مكتب الحاكم المحلي دبر الإقامة في منطقة تقع على مسافة 40 كيلومترا خارج المدينة.
وأضاف "إننا نشهد انقطاعا للصلات العاطفية وهذا أمر في غاية الخطورة. فمن المفترض أن الرياضة توحد. ويجب أن تكون الأخوة والتضامن أساسها. لكن حتى الرياضة أصبحت مسممة بسبب السياسة في تركيا."
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير محمد اليماني)