من بول تيلور
بروكسل (رويترز) - تحول حلم الاتحاد الاوروبي بإقامة "دائرة من الاصدقاء" تمتد من القوقاز إلى الصحراء الافريقية إلى كابوس بعد أن أدت صراعات فيما وراء حدوده إلى تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة على أوروبا.
فعلى النقيض من نجاح حملة التوسع شرقا التي غيرت وجه الدول الشيوعية السابقة إلى ديمقراطيات مزدهرة تقوم على اقتصاد السوق منيت سياسة الجوار الاوروبية التي بدأ العمل بها عام 2003 بفشل ذريع.
فقد عرضت هذه السياسة مساعدات مالية وفنية وفتحت الأسواق لكنها لم تفتح باب العضوية لعدد 16 دولة في اتجاهي الشرق والجنوب مقابل تبني الأعراف الديمقراطية والادارية والاقتصادية المعمول بها في الاتحاد الاوروبي.
وقال رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلت في وقت سابق من العام الجاري "عندما ننظر إلى الوضع الآن من الصعب تفادي استنتاج أننا محاطون لا بدائرة من الاصدقاء بل بدائرة من النار."
وكان الفشل في تحقيق الاستقرار أو الانتقال للديمقراطية في محيط الاتحاد الاوروبي يرجع في جانب منه إلى قوى خارج سيطرة بروكسل واستياء روسي من انهيار الاتحاد السوفيتي بالاضافة إلى صراعات سياسية وطائفية في الشرق الأوسط.
فقد ضعفت خمس من الدول الست المعنية بالشراكة الشرقية وهي أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان بسبب "صراعات مجمدة" لموسكو يد فيها. أما الدولة السادسة وهي روسيا البيضاء فالحكم فيها شمولي لدرجة جعلها تخضع لعقوبات من جانب الاتحاد الاوروبي كما أنها لم تأبه لعرض ابرام اتفاق للتجارة الحرة.
والآن يسلم مسؤولو الاتحاد الاوروبي بأن الإطار الذي يرمي إلى التواصل مع جيران الاتحاد الاوروبي وإحداث تغييرات لديهم كان إطارا خاطئا منذ البداية بسبب مزيج من الغرور والسذاجة معا.
وقال كريستيان دانييلسون رئيس قسم سياسات الجوار وتوسيع العضوية في اللجنة التنفيذية للاتحاد الاوروبي "كانت الفكرة إقامة دائرة من الأصدقاء يتكاملون معنا دون أن يصبحوا أعضاء في الاتحاد الاوروبي. وكان في ذلك قدر من التعالي حيث يحدد الاتحاد الاوروبي للجميع ما يفعله لأننا كنا نعتقد أنهم يريدون أن يصبحوا مثلنا."
* افتراضات خاطئة
وعرض هذا النهج الاوروبي مكافأة في غاية الضآلة اقترنت بشروط كثيرة جدا مع رقابة لصيقة نفر منها تلقائيا الحكام الشموليون وكبار رجال الأعمال المحليون من مينسك وباكو إلى القاهرة والجزائر واعتبروها تهديدا لمصالحهم.
ورسم هذا النهج حدود علاقة واحدة للجميع بمستويات متنوعة تنوعا كبيرا من التطور الاقتصادي والحكم الرشيد وأغلب هذه الدول غير مجهزة لتطبيق تشريعات السوق والبيئة والصحة والسلامة السارية في الاتحاد الاوروبي.
كما افترضت هذه السياسة أن مجموعات من الدول في شمال أفريقيا أو جنوب القوقاز ستتعاون فيما بينها في حين أنها لم يكن لديها في الواقع رغبة تذكر في العمل معا.
والآن تخضع سياسة الجوار الأوروبية لإعادة النظر في أسسها بنهج أكثر تواضعا ومرونة وتمييزا ومن المقرر الكشف عن نتائجها في 17 نوفمبر تشرين الثاني.
ووصف إيان بوند السفير البريطاني السابق الذي يعمل الآن بمركز الاصلاح الاوروبي السياسة الحالية بأنها "فوضى من عدم الاتساق والتمني."
وأضاف أن المراجعة السابقة في 2010-2011 حثت على التركيز على دعم "الديمقراطية العميقة القابلة للاستمرار" ورغم هذا فمنذ ذلك الحين سادت الفوضى دولتين هما ليبيا وسوريا وشهدت دولة ثالثة هي مصر انقلابا عسكريا كما أن قمع المجتمع المدني والاعلام ازداد سوءا في عدة دول من بينها أذربيجان.
ومن بين قصص النجاح النسبي القليلة مازالت تونس وأوكرانيا وجورجيا عرضة لتهديدات داخلية وخارجية في حين أن العلاقات الاقتصادية المميزة لم تجعل اسرائيل متقبلة لمساعي الاتحاد الاوروبي لدعم حل الدولتين مع الفلسطينيين.
* واقعية جديدة
ويتحدث مسؤولون في الاتحاد الاوروبي عن الحاجة إلى واقعية جديدة تقدم العمل من أجل المصالح المشتركة مع الشركاء على وعظهم فيما يتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية.
لكن البرلمان الاوروبي والدول الاعضاء مثل ألمانيا ودول شمال أوروبا ستبدي امتعاضها من التراجع عن دعم هذه القيم.
وجادل بيلت على سبيل المثال بأن "اهتمامنا بالاستقرار الحالي يجب ألا يعطل المطالبة باحترام حقوق الانسان الضرورية في المدى الطويل كشرط أساسي للاستقرار الذي نسعى لتحقيقه."
ويقول بعض الخبراء إن عرض الاتحاد الاوروبي "اتفاقات عميقة وشاملة للتجارة الحرة" غير واقعي ويعمل على زعزعة استقرار اقتصادات الدول المجاورة لانه يتطلب منها فتح أسواقها أمام منافسة الاتحاد الاوروبي قبل أن يكون لديها ما تبيعه لاوروبا.
ومع ذلك يقول مسؤولو الاتحاد الاوروبي إن أوكرانيا وجورجيا اللتين أبرمتا مثل هذه الاتفاقات مع بروكسل تحديا للمعارضة الروسية عليهما المضي قدما لتحقيق التنمية الاقتصادية.
وقال مايكل لاي المستشار بصندوق مارشال الألماني الرئيس السابق لإدارة توسيع العضوية في الاتحاد الأوروبي إن بروكسل ردت على انتفاضات الربيع العربي عام 2011 بعرض عملية طويلة ومعقدة بدلا من فتح الأسواق بدرجة محدودة لكن بهدف تحقيق نتيجة سريعة.
وأضاف أنه سيكون من الأفضل ان يعرض على دول مثل المغرب وتونس نهاية فورية للقيود على منتجاتها الزراعية مثل البرتقال والطماطم (البندورة) لكن مصالح المزارعين في دول أوروبية مثل فرنسا وأسبانيا وايطاليا تقف حائلا دون ذلك.
وهذا يعني أن بروكسل ستحول أموالا مخصصة للتنمية الاقتصادية والاصلاح الاداري لتمويل منشآت لابقاء اللاجئين في أماكنهم وتثبيط هممهم عن اللجوء إلى أوروبا.
أما دائرة الاصدقاء فسيتعين ان تنتظر تحسن الظروف. فما يريده الاتحاد الأوروبي الآن هو تدعيم الدفاعات الواقية من الطوفان.