من مريم قرعوني وتوم بيري
بيروت (رويترز) - أعلنت الأطراف المتحاربة في سوريا وقفا لإطلاق النار مدته 48 ساعة في منطقتي مواجهات يوم الأربعاء بعد شهر من جهود للوساطة لم يسبق لها مثيل قامت بها تركيا وايران.
ويأتي ذلك تجسيدا لنهج جديد عند بعض دول المنطقة التي تساند أطرافا متصارعة.
وأوقفت الهدنة القتال بين مقاتلي المعارضة من جهة والجيش السوري ومقاتلي حزب الله المتحالف معه من جهة أخرى في بلدة الزبداني الخاضعة لسيطرة المعارضة وفي قريتين يغلب على سكانهما الشيعة بمحافظة إدلب.
والمنطقتان معقلان للجانبين يتعرض كل منهما لهجوم شرس من الجانب الاخر.
وقالت مصادر مطلعة على المحادثات التي تجرى منذ أسابيع انه يمكن تمديد الهدنة لاعطاء وقت للمفاوضات المستمرة التي تهدف الى إجلاء المدنيين والمقاتلين.
ووصف ثلاثة مسؤولين قريبين من دمشق الهدنة بأنها نتيجة وساطة قامت بها تركيا التي تدعم مقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس بشار الأسد وايران التي تسانده بقوة.
وتمثل هذه الخطوة أحدث المؤشرات حتى الآن على ظهور نهج جديد بالمنطقة تجاه الصراع الذي أسفر عن مقتل ربع مليون شخص وتشريد عشرة ملايين وأدى الى سقوط أجزاء كبيرة من سوريا في أيدي متشددي تنظيم الدولة الإسلامية وأثار خلافات بين دول المنطقة وانقسامات بين دول الشرق الاوسط على أساس طائفي.
وبعد أربع سنوات لم تحرز فيها الجهود الدبلوماسية تقدما نحو السلام اتجهت الدول التي تدعم الأسد ومعارضيه لبحث سبل إنهاء الحرب والتعامل مع التهديد المشترك المتمثل في الدولة الإسلامية. لكن مصير الأسد لايزال عقبة رئيسية أمام الجهود الدبلوماسية الجديدة.
ووصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى دمشق يوم الاربعاء واجتمع مع الاسد. ويتوقع أن يناقش خطة جديدة للسلام في سوريا.
وقبل وصوله قصف مقاتلو المعارضة العاصمة بالصواريخ ونفذت الحكومة ضربات جوية ضد مواقع قريبة للمعارضة. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يراقب الحرب إن 13 شخصا قتلوا وأصيب 20 بصواريخ المعارضة وقتل 31 في الضربات الجوية التي نفذتها الحكومة.
وكانت مصادر من الجانبين في الحرب الاهلية قد ذكرت لرويترز في وقت سابق يوم الاربعاء أن من المقرر أن يبدأ وقف إطلاق النار في الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي (0300 بتوقيت جرينتش). وستستمر المفاوضات بين الجانبين على موضوعات أخرى. وقادت المفاوضات من جانب المعارضة حركة أحرار الشام الإسلامية حليفة جبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا.
وقالت قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني إن وقف إطلاق النار بدأ في الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي يوم الأربعاء وإنه يشمل ايضا قريتي الفوعة وكفريا بريف ادلب.
وقال أبو وليد الزبداني وهو مقاتل مع أحرار الشام في الزبداني أنهم أوقفوا اطلاق النار وان وقف اطلاق النار تم من الجانبين.
وقال لرويترز من الزبداني أنهم كمقاتلين على الارض غير مهتمين بهذا الوقف لاطلاق النار لكنه جاء من قادتهم وعليهم الالتزام بالاوامر. وقال معارض آخر انه يوجد 200 جريح من مقاتلي المعارضة في البلدة.
وقال حزب الله ان مسلحي الدولة الاسلامية فتحوا النار في الزبداني في محاولة لانتهاك وقف اطلاق النار لكن الجماعات المسلحة الاخرى تدخلت لمنعهم.
وتقع الزبداني على مسافة نحو 45 كيلومترا شمال غربي العاصمة دمشق ونحو عشرة كيلومترات من الحدود مع لبنان وكانت مركز هجوم استمر اسبوعا من جانب الجيش وحزب الله استهدف انتزاع السيطرة على البلدة من المعارضين.
وفي نفس الوقت تم استهداف قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في هجوم مواز من تحالف المسلحين الذي يضم جماعة أحرار الشام الاسلامية السنية وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة.
وقال مبعوث الامم المتحدة لسوريا الشهر الماضي إن الضربات الجوية الحكومية أوقعت قتلى وسببت دمارا على نطاق واسع في الزبداني وعبر عن قلقه من ان المدنيين محتجزون هناك وفي القريتين الشيعيتين.
وقالت مصادر في الجانبين انه تجري مفاوضات بشأن إجلاء محتمل للمدنيين من القريتين وانسحاب مقاتلي المعارضة من الزبداني. وتم الاتفاق على اجلاء الجرحى الذين اصاباتهم خطيرة لكن مازال يجري الاتفاق على الامور اللوجستية.
*تركيا تعيد تشكيل الاستراتيجية
بينما لم تحقق سنوات من الدبلوماسية حتى الان تقدما نحو انهاء الحرب فانه توجد مؤشرات على جهود جديدة في الاسابيع الاخيرة بعد التوصل الى اتفاق ايران النووي الشهر الماضي مع القوى الكبرى بما فيها الولايات المتحدة وروسيا.
وتقوم تركيا وهي قوة اقليمية مهمة وخصم للاسد باعادة تشكيل استراتيجيتها ازاء الحرب في سوريا. وهي تسعى الى اقامة منطقة عازلة في سوريا بالقرب من حدودها تكون خالية من مقاتلي الدولة الاسلامية وتخضع لسيطرة معارضي الاسد.
وشهدت المحادثات النووية الايرانية أول جهود دبلوماسية مباشرة على مستوى عال بين ايران والولايات المتحدة منذ ان اقتحم ثوار ايرانيون السفارة الامريكية في طهران عام 1979 . وأي تقدم بشأن سوريا يمكن ان ينظر اليه على انه مثال مهم لما قال الخصمان انه قد يكون له فوائد دبلوماسية واسعة.
وفي العراق يدعم كل من الولايات المتحدة وايران الحكومة ضد الدولة الاسلامية حيث تقدم واشنطن دعما جويا وطهران تقدم مساعدات الى المسلحين الشيعة المتحالفين مع الحكومة على الارض.
وفي سوريا تقول الولايات المتحدة والقوى الاقليمية التي تضم تركيا والسعودية إن الاسد يجب ان يتنحى في اطار أي تسوية. وتتمسك ايران وروسيا بالرئيس السوري.
وفيما يؤكد الخلاف بين الاصدقاء الاجانب للاسد وأعدائه فشلت روسيا والسعودية في المحادثات التي جرت أمس الثلاثاء في التغلب على الخلافات بشأن مصيره.
لكن إجراء مثل هذه المحادثات في حد ذاته مؤشر على حدوث تقدم بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي.
وحولت الحرب سوريا إلى مناطق يديرها مجموعة من الجماعات المسلحة بما فيها تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف للغاية والمقاتلين الاكراد المنظمين جيدا وجبهة النصرة وجماعات معارضة أخرى تتبنى أجندات قومية.
وتشير تقديرات المرصد السوري لحقوق الانسان الى ان الاسد يسيطر على نحو 25 في المئة من سوريا بما فيها المناطق المكتظة بالسكان مثل العاصمة دمشق.
وخسرت الحكومة أراضي في الشهور الاخيرة يقول مسؤولون غربيون انها قد تشجع الاسد على التفاوض. ولم يبد الاسد أي علامة على استعداده لتقديم تنازلات في كلمة ألقاها الشهر الماضي.