من لوك بيكر ونوح براوننج
القدس/دبي (رويترز) - إنه في نظر بعض الفلسطينيين، بل وربما في نظر نفسه، الرجل الذي سيكون في سدة الحكم.
ومن جذوره التي ترجع إلى مخيم للاجئين في غزة صعد نجم محمد دحلان نحو قمة الساحة السياسية الفلسطينية وهو في أوائل العقد الخامس من عمره تدعمه شهرته كمسؤول تنفيذي ذي شخصية براقة قادرة على كسب الولاء. وهو نمط يحبه الأمريكيون والبريطانيون.
لكنه اختلف مع ياسر عرفات ثم نشب نزاع مرير بينه وبين الرئيس محمود عباس وكان يعيش في الخارج بالإمارات العربية المتحدة معظم الوقت في السنوات الخمس الماضية يقضي الوقت في بناء روابطه التجارية وتوسيع نطاق ثروته ونفوذه.
والآن وقد انتشرت شائعات مفادها أن عباس الذي يبلغ من العمر 80 عاما وما زال يدخن قد يتنحى عن منصبه بعد أن قضى عشر سنوات رئيسا يراقب دحلان رقعة شطرنج الشؤون الفلسطينية بعيني رجل محنك ويدرس في بحبوحة العيش في فيلته بالخليج خطواته التالية.
وقال دحلان البالغ من العمر 53 عاما لرويترز بالهاتف حينما سئل كيف يرى مستقبل الساحة السياسية في وطنه "أبو مازن قضى عشرة أعوام." وأبو مازن هو كنية الرئيس عباس.
وأضاف قوله "وفقا للقانون الرئيس أبو مازن أنهى ولايته القانونية والبرلمان أنهى ولايته. والوسيلة الوحيدة التي يقدمها القانون هي أنه كل أربعة أعوام يجب أن تجرى الانتخابات." وقال إنه لا يتوقع الدعوة إلى الانتخابات في أي وقت قريبا لأن الاحتمال ضعيف أن يستفيد منها عباس.
وتحت إلحاح السؤال عن احتمال عودته إلى الوطن وطموحاته على الأمد الطويل اختار كلماته بعناية قائلا "سأعود إلى فلسطين وقتما يكون حضوري مطلوبا. وأعتقد أن الانتخابات حينما تجرى وحينما توجد حاجة إلى أن أبقى سأعود. فالجغرافيا لا تحكمني."
التنافس على السلطة
لطالما طلع فجر كاذب على الساحة السياسية الفلسطينية - عدة مرات بدا فيها أن عباس يتهيأ لتسليم السلطة ولكن لم يلبث أن خيب التوقعات ليجد طرقا جديدة للتشبث بالسلطة حتى على الرغم من أنه يتحسر على أسباب الإخفاق في أثناء ولايته.
وكانت الأشهر القليلة الماضية أكثر اضطرابا من المعتاد لتشتد معها التكهنات بقرب حدوث تغيير.
وفي يوليو تموز عزل عباس أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية وعين بدلا منه صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل خلال العشرين عاما الماضية.
ثم استقال عباس من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وهو ما يقتضي عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان) لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة. ولم ينعقد ذلك الاجتماع بعد وقد يقرر إعادة انتخاب عباس رئيسا للجنة وهو ما يعزز قبضته.
غير أن بعض المحللين يرون ذلك مؤشرا على عزم عباس التنحي هذه المرة وتناقلت وسائل الإعلام العربية تقارير متواترة مفادها أن عباس أبلغ المقربين منه ومنهم ملك الأردن أنه يستعد للتنحي.
ودحلان واحد من مجموعة من نحو ستة أشخاص ينظر إليهم على أنهم خلفاء محتملون لعباس لكنهم جميعا أكثر حكمة من أن يتحدثوا علانية عن أي خطط لتحدي القيادة الفلسطينية.
ومع أن البعض مثل عريقات شخصيات مشهورة وآخرين مثل جبريل الرجوب -وهو رئيس سابق لجهاز الأمن الوقائي ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم- يمكنهم التعويل على مساندة جماهيرية فإن دحلان ربما يشكل أكبر خطر فهو يحظى بشعبية في بعض الأوساط ولديه الأموال وله مناصرون إقليميون وهو لا يخشى أن يتحرك.
ولكن سمعته داخل حركة فتح عليها ما يشوبها فخصومه يصفونه بأنه صنيعة المخابرات الغربية وحليف لإسرائيل لكن وضعه الآن في الخارج قد يكون ميزة مع ازدياد مشاعر السخط الشعبي من الحرس القديم لحركة فتح.
وقال جرانت روملي الخبير بالشؤون الفلسطينية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن العاصمة في مقال في صحيفة هذا الشهر يحلل فيه مسألة الخلافة "في مثل هذا السيناريو قد تظهر عدة شخصيات وسيكون محمد دحلان من أبرز هؤلاء المنافسين."
الروابط بحماس
ونتائج استطلاعات الرأي العام الفلسطينية متغيرة لكنها بوجه عام تظهر تراجع التأييد الشعبي الذي يلقاه عباس وحركة فتح وأن التأييد لحركة المقاومة الإسلامية حماس في ازدياد وأن دحلان يعتبر خليفة محتملا بما له من تأييد خاص في غزة.
وقد تعززت صورته بفضل ما يقوم بتوصيله من مساعدات خيرية إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مدعوما بأموال من الإمارات العربية المتحدة وقطر اللتين تربط حكامهما روابط وثيقة بدحلان.
ويتمتع دحلان بوصفه رئيسا سابقا لجهاز الأمن الوقائي ومستشارا في شؤون الأمن القومي بمؤهلات شبه عسكرية تضفي عليه مصداقية في الشارع. وجعلته هذه الأدوار أيضا قريبا من الأمريكيين الذين ساعدوا في تدريب قوة أمنية قادها دحلان في المعارك ضد مقاتلي حماس في غزة عام 2007 في حرب شبه أهلية.
وكانت حماس انتصرت بسهولة في تلك المواجهة وسارع دحلان إلى نقل مقره إلى الضفة الغربية حيث استمر في تلقي تأييد شفوي من الأمريكيين والأوروبيين وانتخب في نهاية المطاف عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح. وفي تلك المرحلة كان مهيأ لتحدي عباس وانتقد أسلوب قيادته.
وأحس عباس بالخطر ولم يكن مستعدا أن يتم تنحيته فتحرك في مواجهة منافسه. واتهمت فتح دحلان بأنه لعب دورا في وفاة عرفات. وأنشأ عباس هيئة جديدة لمكافحة الفساد وكان دحلان أحد أهدافها الأولى وغادر دحلان في عام 2011.
وبعد أن أصبح في الخارج لم يجلس دحلان في هدوء. وفضلا عن تعزيز روابطه السياسية في الخليج وسع مصالحه التجارية في لندن والبلقان. وفي عام 2013 حصل على الجنسية الصربية وهو يحمل جواز سفر من دولة الجبل الأسود.
وكان يتواصل أيضا مع حركة حماس التي تتخذ قيادتها السياسية من قطر مقرا لها. وفي الانتخابات الفلسطينية الماضية التي أجريت عام 2006 جاء ترتيب حماس في القمة. ويبدو أن دحلان يرى أن الإسلاميين هم ركيزة أساسية للمستقبل.
وقال لرويترز "تذكر أن الشعب الفلسطيني صوت برفض فتح وانتخب حماس وفي الانتخابات القادمة سنذعن لحكم الفلسطينيين."
وقال مشيرا إلى جماعة إسلامية أخرى مقرها غزة وعلى خلاف مع فتح "جزء من مبادرتي هو تحقيق قيادة موحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية تضم حماس والجهاد الإسلامي."
وعباس سياسي بارع خرج من ظل عرفات إلى سدة القيادة وظل على القمة عشر سنوات مع ان إنجازاته على الأرض قليلة ورغم فشل عملية السلام مع الإسرائيليين. وقد لا يتنحى.
ولكن إذا كان التغيير تلوح في الأفق بوادره وجلب معه إصلاح حركة فتح وروابطها بحماس وكيفية إدارة منظمة التحرير التي يرجع تاريخها إلى ستينات القرن الماضي فإنه قد يتبين أن دحلان قوة سريعة التقلب. وسيكون العنصر الحاسم هو الانتخابات التي يرفض عباس بقوة حتى الآن إجراءها بدون مشاركة قطاع غزة.
وقال دحلان مؤكدا ضرورة إجراء تصويت شعبي "في النهاية سيحكم الشعب على من أخطأوا ويكافئ من أعانوه ووقفوا إلى جانبه."