منذ كانون الثاني/يناير من عام 2017، عندما بدأت منظمة اوبك بالإتفاق مع دول غير الاعضاء في اوبك بتنفيذ الإتفاق التاريخي لخفض الإنتاج النفطي، أظهر سعر النفط توازناً مخادعاً. فلقد تذبذب سعر العقود الفورية (السبوت) لخام برنت بين 53.18 و55.91 دولار للبرميل، محققاً زيادة قدرها 5٪، وهي فقط زيادة معتدلة في السعر. وبهدف المقارنة، دعونا نتذكر أن السعر قد تراوح بين 35.56 و27.36 دولار للبرميل في ذات الشهر من عام 2016، ليهبط حينها بنسبة كبيرة بلغت 23٪.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن أسعار النفط قد استقرت. بل في الواقع، يبدو أن اسواق النفط هي تحديداً في خطر عدم التوازن في الوقت الراهن.كل جزء من المعلومات التي تشير إلى إنحسار تأثير مشكلة وفرة المعروض في الأسواق العالمية، يقابلها جزء أخر من البيانات يعاكس ذلك. ويمكننا أن نتخيل نطاقاً تدفع فيه البيانات حول خفض إنتاج (أوبك) وشركائها السوق في إتجاه، ثم يأتي دور البيانات التي تؤكد إرتفاع الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة وإرتفاع عدد منصات الحفر العاملة في البلاد إلى أعلى المستويات منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، وتدفق الأسواق في الإتجاه الأخر.
وفي لحظة ما، يقوم أحد الجانبين بدفع هذا التوازن في إتجاه، لا يستطيع الجانب الأخر تعويضه بما يكفي للإبقاء على هذا التوازن. والأئلة الأن قد أصبحت: أياً من الجانبين هو صاحب الوزن الثقيل؟ ومتى سنصل إلى تلك اللحظة؟
وكانت (أوبك) قد أصدرت تقريرها الرسمي حول خفض الانتاج يوم الاثنين وأعلنت أن الإتفاق قد حقق نجاحا باهراً، مع وصول نسبة الإمتثال إلى 93٪ (تختلف نسبة الامتثال بحسب إختلاف مصدر التقرير. ومن المفترض أن تقرير أوبك قد لجأ إلى استخدام مزيج من بيانات الإنتاج الذاتية وبيانات أخرى من عدة مصادر مستقلة) وفي نفس التقرير، قامت أوبك كذلك بتنقيح توقعات الطلب إلى الأعلى قليلاً. معدل الامتثال هو رقم هام للغاية، ولكن ربما لا يعادل أهمية حقيقة أن المملكة العربية السعودية قد خفضت إنتاجها بأكثر من المتوقع (حوالي نصف مليون برميل يومياً)، حتى تلغي تأثير رفع الإنتاج في كل من نيجيريا وليبيا وإيران.
على الجانب الآخر، أظهر تقرير إدارة معلومات الطاقة في الاسبوع الماضي ان مخزونات النفط الخام الامريكية قد إرتفعت بمقدار 13.8 مليون برميل. كما أظهرت بيانات (بايكر-هيوز) إرتفاع عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة بمقدار 8 منصات إلى ما مجموعه 591 منصة حفر. (إرتفاع عدد منصات الحفر لا يعتبر بالضرورة مؤشراً مباشرا للنمو في إنتاج النفط، لأن إإنتاج النفط الصخري في كثير من الأحيان يعتمد على الآبار المحفورة ولكن غير المكتملة، والتي يمكن الوصول إليها لزيادة انتاج النفط دون زيادة عدد منصات الحفر). وحالياً، فإن التراجع الذي يظهره تقرير أوبك الخسائر يقابله إرتفاع يظهره تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ولكن من المرجح أن يظهر تقرير وكالة الطاقة القادم المزيد من إرتفاع المخزونات، لأن المصافي تكرير النفط الامريكية (التي تعمل بكامل طاقتها الآن مع إقتراب الوقت لأعمال الصيانة الموسمية) لا يمكن أن تقوم بسحب ومعالجة ما يكفي من النفط الخام لمواكبة الكميات المنتجة والمستوردة.ونتيجة لذلك، يظهر المخزون الإحتياطي من النفط الخام في الولايات المتحدة على صورة فائض في العرض.
ومن الواضح أن أوبك قد بدأت تشعر بالقلق بالفعل إزاء قدرتها على المحافظة على أسعار النفط في منتصف الخمسينيات في ظل الوضع الحالي. وقد بدأت الدول الأعضاء غير والأعضاء بمناقشة خطط لتمديد اتفاق خفض الانتاج المبرم بين الطرفين. مع ذلك، هناك بعض المؤشرات التي تظهر أنه عندما يحين موعد إنتهاء الإتفاق الحالي في حزيران/ينيو، فإن ذلك قد لا يكون ضرورياً.
وفي ظل ظروف الصفقة الحالية، تم السماح لايران بالإستمرار في زيادة إنتاجها. وتشير البيانات المأخوذة من موقع TankerTrackers.com إلى أن كثيرا من الزيادة الحاصلة في الإنتاج الإيراني قد تكون موجة بيع كبيرة من النفط الإيراني الذي كان مخزناً في سفن نقل النفط المتواجدة في الخليج العربي. ووفقا لهذه البيانات، فإن المخزون الإيراني العائم للنفط قد إنخفض الآن في مرحلة ما بعد العقوبات إلى 15.3 مليون برميل.
ثانياً، تراجع الطلب على النفط في الهند حالياً حيث تحاول الحكومة الهندية إزالة جميع الأوراق النقدية ذات القيمة العالية من التداول. يقوم معظم العملاء في الهند بدفع ثمن البنزين ووقود الديزل نقداً، وأدى ذلك إلى انخفاض بنسبة 7.8٪ في استخدام وقود الديزل في كانون الثاني/يناير، وهو يؤثر حالياً على الطلب على النفط الخام في الهند (تستورد الهند ما يقرب من 80٪ من حاجتها من الوقود).ولكن المحللين يتوقعون أن يتعافى الطلب في الهند بحلول شهر آذار/مارس عند إكتمال العملية النقدية الحكومية.
اذا أبقت المملكة العربية السعودية على إنتاجها عند هذه المستويات المنخفضة، وتبع العراق ذلك من خلال مع التخفيضات التي وعد بها، وإنتهت إيران من بيع مخزونها العائم، وتعافى الطلب الهندي، فإنه ربما لا تحتاج أوبك إلى الاعتماد على الحديث عن المضاربة لمنع سعر النفط من الإنخفاض كثيراً بحلول حزيران/يونيو.
كما أنه من المرجح أن تقوم المصافي في الولايات المتحدة بسحب المزيد من النفط الخام حيث ستقوم ببدء انتاج مزيج البنزين الصيفي استعدادا لموسم القيادة في فصل الصيف، وهو ما سيخلق مظهراً يوحي بتراجع العرض والمخزون. كل هذه العوامل يمكن أم تنتهي بترجيح كفة الميزان لصالح ارتفاع الأسعار، حتى مع إرتفاع إنتاج النفط من الصخر الزيتي.
من ناحية أخرى، من المرجح أن ترفع المملكة العربية السعودية من إنتاجها مع اقتراب فصل الصيف، وقد لا يقوم العراق بتنفيذ التخفيضات الموعودة، وقد تستمر نيجيريا وليبيا في زيادة الإنتاج، والإنتاج الروسي قد يعود إلى مستوياته الطبيعية مع إنتهاء فصل الشتاء القاسي في سيبيريا وعودة الإنتاج فيها، وقد لا تنجح المصافي الامريكية في سحب الكمية المتوقعة من النفط الخام. فإذا تحققت هذه العوامل، فإن القوى التي تدف بإتجاه إرتفاع المعروض ستفوز، وحينها ستكون اوبك بحاجة إلى التزام جدي، (له أثر الوزن الثقيل على المقياس) لمنع انخفاض الاسعار.