متى يعود الذهب عن سلوكه المنحرف؟

تم النشر 18/07/2022, 07:53

من المعروف تاريخياً أن زيادة التضخم تترجم على الفور بارتفاع الذهب، خاصة لو أضفنا على ذلك الحرب الروسية على أوكرانيا والنزاعات الدولية كملف إيران النووي والحرب الاقتصادية بين أكبر قوتين اقتصاديتين الولايات المتحدة والصين، حيث يعود ذلك لبريق المعدن النفيس كملاذ آمن أو تحوط ضد المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية.

لكننا نشهد الآن انحرافاً عن تلك القاعدة مع تضخم وصل لأعلى مستوياته منذ أكثر من 40 عاماً وفي الوقت نفسه نشهد انهيار في أسعار الذهب، وأدى هذا إلى بث المشاعر السلبية لدى التجار، الذين يحتاجون الآن أكثر من أي وقت مضى بالاقتناع بأن هذا الشذوذ الشديد سيثبت أنه قصير العمر، حيث كان مدفوعاً بارتفاع الدولار الأمريكي نتيجة رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، مقابل تراجع العملات الرئيسية الأخرى وأهمهم اليورو والين، لتأثر الأول بالحرب الروسية الأوكرانية والثاني باستمرار السياسات الفضفاضة للبنك المركزي الياباني.

التاريخ يتحدث:

عندما تتوفر الأموال فجأة بسبب توسع الحكومات بشكل غير مسؤول في إمداداتها النقدية بمعدلات مفرطة، للتنافس على نفس حجم المعروض من الذهب (المقيد بشكل طبيعي بندرة رواسبه على سطح الأرض وارتفاع تكلفة استخراجه)، تزيد أسعار الذهب لتعكس تلك العملات المتدنية في السعر، وبالتالي كلما زادت قوة الذهب كلما أراد المزيد من المستثمرين ملاحقته لتسريع اتجاهه الصعودي، كانت هذه الديناميكية بكل بساطتها كانت تتحكم في حركة الأسواق طول تاريخها.

إليكم أمثلة على ذلك من يونيو/ حزيران لعام 1972 إلى ديسمبر/ كانون الأول 1974، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي على أساس سنوي من 2.7٪ إلى 12.3٪. خلال فترة الثلاثين شهرًا تلك ارتفع متوسط ​​أسعار الذهب بنسبة مذهلة بلغت 196.6٪، بعد أن مرت موجة التضخم الخطيرة تلك سرعان ما أعقبتها موجة تضخم أخرى من نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 1976 إلى مارس/ آذار 1980، وقتها ارتفع مؤشر أسعار المستهلك السنوي من 4.9٪ إلى 14.8٪، على مدار 40 شهرًا تلك من التضخم الفائق انطلق الذهب بزيادة هائلة بلغت 322.4٪ من حيث متوسط ​​السعر من أدنى قراءة إلى ذروة مستوى مؤشر أسعار المستهلك.

ولكن نظرًا لأن المعروض من الذهب المتداول في العالم أكبر بكثير الآن مما كان عليه خلال السبعينيات بالإضافة لارتفاع أسعاره أيضاً عن تلك الفترة، فمن المحتمل ألا يتضاعف الذهب ثلاث مرات أو أكثر من أربعة أضعاف في أول ارتفاع كبير في التضخم منذ ذلك الحين مثلما حدث في السابق، لكن من المؤكد أنه يجب أن يرتفع بشكل كبير على الأقل مع خروج التضخم من نطاق السيطرة.

عودة للحاضر:

إن ارتفاع التضخم اليوم هو نتيجة لإغراق الاحتياطي الفيدرالي العالم بطوفان هائل من الدولارات الأمريكية الجديدة (طبع على المكشوف) في السنوات الأخيرة بين نهاية فبراير/ شباط لعام 2020  وأبريل/ نيسان 2022 بسبب الذعر الذي اجتاح العالم من تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد وما أعقبه من عمليات إغلاق دولية أثرت على سلاسل التجارة والسفر، حيث قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتوسيع عرض الدولار الأمريكي بشكل كبير في 25 شهرًا فقط، لترتفع الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي وهي القاعدة النقدية للولايات المتحدة بنسبة 115.6٪ أو 4,807 مليار دولار، حيث كان مسئولو البنك قلقين من أن عمليات الإغلاق الوبائي قد يتسبب في الدخول بركود اقتصادي حاد، والذي يمكن أن يتحول إلى كساد كامل خاصة مع التأثير السلبي من انخفاض الأسهم.

من خلال زيادة المعروض النقدي الأمريكي بأكثر من الضعف في غضون عامين فقط، استحوذ بنك الاحتياطي الفيدرالي على المزيد من الدولارات للتنافس على أسعار السلع والخدمات التي تشهد نموًا أبطأ بكثير ورفع أسعارها، هذا هو السبب الأول في ارتفاع معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأخير لشهر يونيو/ حزيران بنسبة 9.1٪ مقارنة بالعام الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ نوفمبر 1981.

وبنظرة بسيطة على السوق اليوم نشهد بوضوح بأن الذهب لم يعكس بعد ارتفاع التضخم الفائق الأول منذ سبعينيات القرن الماضي، خاصة بأن شلال التضخم الحالي يختلف كلياً عن أي شيء شهدناه منذ سبعينيات القرن الماضي.

أطلق بنك الاحتياطي الفيدرالي أحدث دورة لرفع أسعار الفائدة في منتصف مارس/ أذار 2022، منهياً سياسة معدل الفائدة الصفرية المعمول بها منذ الإغلاق الوبائي في مارس عام 2020، لقد تسارعت هذه الزيادات في الفائدة بالفعل في الاجتماعات الثلاثة الأخيرة للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، حيث رفعتها بنحو 25 نقطة أساس وبعدها 50 نقطة أساس ثم 75 نقطة أساس في منتصف يونيو/ حزران، أثبتت الزيادتان الأخيرتان أنهما الأكبر منذ مايو/ أيار لعام 2000 ونوفمبر/ تشرين الثاني 1994.

ولم يكتف مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بشكل حاد، لكنهم أضافوا إلى ذلك في أوائل مايو عن خطتهم في بيع سندات بقيمة 47.5 مليار دولار شهريًا في يونيو، ليتضاعف إلى معدل 95 مليار دولار شهريًا في سبتمبر/ أيلول، مما أدى في النهاية لاندفاع التجار إلى الاستحواذ على الدولار الأمريكي.

أدى ذلك إلى ارتفاع مؤشر الدولار USDX (وهو الذي يقيس قوة العملة الأمريكية مقابل ست عملات رئيسية منافسة) مدفوعاً أيضاً بتراجع اليورو الذي يمثل 57.6٪ من وزن المؤشر النسبي، حيث كان البنك المركزي الأوروبي يتباطأ في البدء في رفع أسعار الفائدة، أدت هذه الديناميكية إلى انفصال أسعار الذهب عن التضخم، والذي بدأ قبل ثلاثة أشهر فقط في منتصف أبريل/ نيسان، حيث كان الذهب لا يزال وقتها يتداول صعودًا عند 1,977 دولارًا قبل أن يرتفع الدولار الأمريكي بشكل صاروخي مع انهيار اليورو.

ما قد يحمله المستقبل:

تلك الارتفاعات السريعة بشكل استثنائي في الدولار تولد دافعاً قوياً لمطاردة هذا الزخم الصعودي من قبل التجار (نظرية القطيع)، لكن هذا السيناريو سرعان ما سيستنفذ جميع المشترين المتاحين على المدى القريب، ولن يتبقى لهم سوى الباعة، لذا سرعان ما تبلغ الارتفاعات الحادة ذروتها، لتتحول بعدها إلى انخفاضات حادة مماثلة (البيع يولد البيع)، مما يسرع من الجانب الهبوطي.

في أي يوم الآن سيتحول الدولار الأمريكي المشبع بعمليات الشراء واليورو المشبع بعمليات البيع بشكل جذري على حد سواء، يعني العودة في الاتجاهين المعاكسين، وذلك في الوقت الذي تظهر فيه البيانات الاقتصادية من الولايات المتحدة إمكانية تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن وتيرة رفع أسعار الفائدة، أو أن تظهر البيانات الاقتصادية في أوروبا وجوب تدخل البنك المركزي الأوروبي بشكل أكثر قوة.

وهنا نترك المساحة لأحد أكثر الأدوات شيوعاً لقياس التوقعات المستقبلية للأسواق وهو التحليل الفني:-

رسم بياني للذهب في إطار أسبوعي

الرسم البياني المرفق هو لسعر الذهب XAUUSD على إطار أسبوعي، ونجد بأن السعر تسيطر عليه موجة تصحيحية هابطة على المدى القصير، مع تأثره بالضغط السلبي بسبب تداولاته دون المتوسط المتحرك البسيط لفترة 50 أسبوعاً السابقة، ولكننا نراه وقد استند إلى خط اتجاه رئيسي صاعد على المدى المتوسط، وذلك تزامناً مع وصول مؤشرات القوة النسبية لمناطق شديدة التشبع بعمليات البيع، وبشكل مبالغ فيه مقارنة بحركة السعر، ما يوحي ببدء تكون دايفرجنس ايجابي بها، خاصة مع اقترابه لمستوى الدعم المحوري 1,680.

فسبب أهمية الدعم 1,680 هو أنه يمثل عنق تركيبة فنية سلبية متكونة على المدى المتوسط وهو نموذج القمة المزدوجة، ففي حالة أن كسر السعر هذا الدعم فهذا يعني إعلان بصحة النموذج الفني المتكون خاصة مع تأكيده كسر خط الاتجاه الرئيسي الصاعد، ولهذا تعود أهمية هذا المستوى في تحديد مصير السعر في الفترة القادمة على المدى القصير.

توقعاتنا ترجح احتمالية ارتداد السعر ارتفاعاً من تلك المنطقة (مستوى الدعم 1,680)، ولتأكيد هذا السيناريو نحتاج إلى إغلاق أسبوعي بمحاذاة خط الميل الصاعد، ليستهدف السعر أولى مستويات المقاومة عند سعر 1,877.

أحدث التعليقات

جاري تحميل المقال التالي...
قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2025 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.