في خطوة تشير إلى تصعيد كبير في الحرب التجارية الأمريكية، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن خطط لفرض رسوم جمركية جديدة على واردات السيارات وأشباه الموصلات والأدوية، بمعدل يصل إلى حوالي 25%، مع توقع صدور الإعلان الرسمي في موعد أقربه 2 أبريل. تمثل هذه الخطوة توسعًا كبيرًا في سياسات ترامب التجارية الحمائية، مما أثار ردود فعل واسعة في الأسواق العالمية.
يأتي هذا الإعلان بعد فرض الإدارة الأمريكية سابقًا رسومًا جمركية بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم، والمقرر تنفيذها في مارس. لكن الجولة الجديدة من الرسوم تستهدف قطاعات أكثر تكاملًا في سلاسل التوريد العالمية، مما ينذر بعواقب بعيدة المدى على الصناعات والمستهلكين والاقتصادات حول العالم.
القطاعات المستهدفة:
صناعة السيارات
الرسوم الجمركية الجديدة على السيارات المستوردة قد تؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق على شركات السيارات المحلية والعالمية. فقد استوردت الولايات المتحدة حوالي 8 ملايين سيارة ركاب وشاحنة خفيفة العام الماضي، وهو ما يمثل نحو نصف مبيعات السيارات في السوق الأمريكي.
شركات السيارات الكبرى مثل فولكس فاجن (ETR:VOWG_p) وهيونداي والعمالقة اليابانيين مثل تويوتا وهوندا ستكون من بين الأكثر تأثرًا. وتشير التقديرات إلى أن فرض رسوم بنسبة 25% قد يؤدي إلى خسارة نحو ثلث أرباح تويوتا المتوقعة لعام 2025، وما يقرب من نصف أرباح هوندا.
هذه السياسة قد تتسبب في ارتفاع أسعار السيارات بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، كما ستدفع المصنعين إلى إعادة التفكير في سلاسل التوريد، وربما نقل جزء من الإنتاج إلى الولايات المتحدة – وهو هدف رئيسي لترامب – ولكن بثمن مرتفع.
الأدوية وأشباه الموصلات
الخطة الجمركية لترامب لا تتوقف عند السيارات. فإدراج أشباه الموصلات والأدوية سيزيد من تعقيد المشهد التجاري العالمي ويؤثر بشدة على سلاسل التوريد:
-
أشباه الموصلات تعد العمود الفقري للتكنولوجيا الحديثة، وتسيطر آسيا على حصة كبيرة من هذا السوق. دول مثل ماليزيا وسنغافورة، التي تعتبر من أكبر مصدري أشباه الموصلات، ستكون بين الأكثر تأثرًا. فقد سجلت ماليزيا صادرات قياسية بلغت 601 مليار رينغيت (136 مليار دولار) في عام 2024.
-
رئيس وزراء سنغافورة، لورانس وونج، كان قد أعلن مؤخرًا عن استثمار بقيمة 1 مليار دولار سنغافوري (744.8 مليون دولار أمريكي) في مجال البحث والتطوير لأشباه الموصلات، قبل ظهور خطة ترامب الجمركية، مما زاد من حالة عدم اليقين.
-
شركات التكنولوجيا الكبرى مثل سامسونغ للإلكترونيات وشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC) امتنعت حتى الآن عن التعليق، لكنها بلا شك تضع خططًا لمواجهة هذه التحديات الجديدة.
تأثيرات عالمية فورية
كانت ردة فعل الأسواق العالمية على تهديدات ترامب على النحو التالي:
-
شهدت الأسواق الآسيوية انخفاضًا في التعاملات المبكرة يوم الأربعاء، مع قلق المستثمرين من التأثير على الاقتصادات المعتمدة على الصادرات.
-
كوريا الجنوبية واليابان، اللتان تعدان من أكبر مصدري السيارات للولايات المتحدة، تواجهان ضغوطًا كبيرة. تمثل صادرات السيارات الكورية إلى أمريكا حوالي 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تصل النسبة في المكسيك إلى 2.4%.
-
ماليزيا وسنغافورة معرضتان أيضًا لمخاطر كبيرة بسبب اعتمادهما على صادرات أشباه الموصلات.
هذه الرسوم قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين (التضخم)، وتدمير سلاسل التوريد التي استغرق بناؤها عقودًا.
ردود فعل دبلوماسية وانتقام استراتيجي
الدول المتضررة من رسوم ترامب لم تلزم الصمت. العديد منها أعلن عزمه الرد برسوم مضادة تستهدف سلعًا أمريكية حساسة سياسيًا، خاصة تلك القادمة من ولايات مؤيدة للحزب الجمهوري.
من جانبها، أرسلت الاتحاد الأوروبي كبار مسؤوليه التجاريين إلى واشنطن هذا الأسبوع في محاولة أخيرة لتجنب تنفيذ الرسوم في أبريل. لكن ترامب أوضح أنه لن يتراجع إلا إذا رأى أن العلاقات التجارية مع الدول الأخرى عادلة ومتوازنة.
الصورة الأكبر: الرسوم الجمركية كسلاح سياسي
يرى ترامب أن استخدام الرسوم الجمركية هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل التجارة العالمية لصالح الولايات المتحدة. ويعتقد أن فرض الرسوم سيشجع الشركات على نقل مصانعها إلى الأراضي الأمريكية، مما يعزز الوظائف المحلية ويزيد من العائدات الضريبية.
بالرغم من ذلك، قد يكون هناك تأثير آخر لهذه القرارات:
- الرسوم الجمركية تؤدي عادة إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين، لأن المستوردين غالبًا ما ينقلون التكاليف الإضافية إلى العملاء النهائيين.
- سلاسل التوريد تصبح أقل كفاءة، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج على المدى الطويل.
- الحروب التجارية تخلق تقلبات اقتصادية وتؤثر سلبًا على الصناعات المعتمدة على سلاسل التوريد العالمية.
ماذا بعد؟
في حين أن تفاصيل الرسوم الجمركية الجديدة لا تزال قيد التطوير، من الواضح أن الاقتصاد العالمي يستعد لاضطرابات كبيرة.
المستثمرون وقادة الصناعة والحكومات حول العالم سيراقبون عن كثب إعلان ترامب في 2 أبريل. فإذا مضى قدمًا بفرض الرسوم بنسبة 25%، سيشهد العالم مرحلة جديدة من الحرب التجارية تتجاوز النزاع بين الصين والولايات المتحدة لتشمل الاقتصاد العالمي بأكمله.
ويبقى السؤال:
هل ستحقق هذه الرسوم هدفها بدعم الصناعة الأمريكية؟ أم ستؤدي إلى موجة جديدة من الاضطرابات الاقتصادية العالمية؟
وحده الزمن كفيل بالإجابة، لكن حتى ذلك الحين، تبقى الأسواق في حالة تأهب قصوى، والصناعات العالمية تستعد للعاصفة.