- ما تزال تسوية الاتفاقيات بعيدة المنال، رغم أن بريطانيا تبعد عام واحد فقط عن الخروج من الاتحاد الأوروبي.
- يحتفل الجنيه الاسترليني باقتراب الخروج بانخفاض محدود، بسبب حالة عدم التأكد.
- وما تزال هناك عقبات كبرى في الطريق، رغم ما توصل إليه الطرفان من عدة "اتفاقيات مبدئية".
- تبقى على الأقل 40% من النشاطات التجارية داخل المملكة المتحدة معلقة بين الحياة والموت.
- تبقى في الأجواء احتمالات صدمات للأسواق.
المملكة المتحدة على بعد عام واحد فقط من الخروج رسميا من الاتحاد الأوروبي، فستنتهي اتفاقيات ما يعرف بالـ "بريكزيت" (اختصار لخروج بريطانيا بالإنجليزية). تخرج بريطانيا من الاتحاد في 29 مارس 2019، في تمام الساعة 11:00 مساءا بتوقيت لندن، 6:00 مساءا بتوقيت المنطقة الشرقية. ولا يبدو أن أيا من المفاوضات الجارية حاليا على وشك الإبرام، حتى الاتفاقية التي أطلق عليها "إنجاز" ما تنفك تحوم حولها بعض التساؤلات. ورغم كل الضجة السياسية المثارة حول تلك المفاوضات، ورغم ابتهاج أسواق الفوركس ببعض الأخبار الجيدة، ما يزال عدم التأكد لدى كلا الطرفين على حاله.
تاريخ ما دُعي بالإنجاز:
يبدأ العد التنازلي للخروج، وفيما يلي سرد تاريخي للأحداث من الخروج وحتى اللحظة. صوتت بريطانيا في استفتاء شعبي على الخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو 2016، وجاءت نتيجة هذا التصويت صادمة للأسواق. صوّت سكان المملكة المتحدة لصالح قطع العلاقات مع دول الاتحاد، وترك الدول الـ 28 المُشكِلة للاتحاد. جاء التصويت بنسبة 51.9% لصالح الخروج، وتركزت الأسباب التي دفعتهم للخروج حول: فقدانهم القدرة على التحكم بالحدود بسبب قواعد الحدود الأوروبية، وبالتالي تدفق المهاجرين عبرها دون إرادة من بريطانيا، والسبب الثاني كان متعلقا بما تدفعه بريطانيا من مليارات سنوية لميزانية الاتحاد الأوروبي، ولا تتلقى في المقابل سوى القدر اليسير.
بلغت نسبة التصويت لصالح البقاء في الاتحاد 48.1%، وكانت أسبابهم في ذلك: حرية حركة البضائع، والخدمات، ورؤوس الأموال، والأفراد التي يوفرها البقاء داخل دول الاتحاد. كما دفعهم في تصويتهم هذا أيضا الإيمان بأن تواجد جبهة أوروبية موحدة سيجعل من بريطانيا أقوى على الصعيد الجيوسياسي مما لو كانت دولة مفردة.
تولت تريزا ماي منصب رئيسة الوزراء في 13 يوليو من العام 2016، وتلقت التخويل من البرلمان البريطاني، وقامت بعدها بسحب المادة 50 من معاهدة لشبونة لتدخل في مفاوضات للانسحاب من الاتحاد رسميا، كانت بداية المفاوضات في 27 مارس 2017. وبدأت المفاوضات الرسمية في 26 يونيو من عام 2017.
وبعد مُضي 9 أشهر من المفاوضات، دون التوصل لشيء ذي قيمة كبيرة، أعلن الأسبوع الماضي، في التاريخ الموافق 19 مارس وزير شؤون خروج بريطانيا من الاتحاد ديفيد دايفس، ورئيس المفاوضات من جانب الاتحاد مايكل بارنير أمرا أطلقوا عليه "اتفاق". وتضمن هذا الاتفاق موافقة الطرفين على الدخول في فترة انتقالية تبدأ من تاريخ الخروج المذكور سابقا، وحتى تاريخ 31 ديسمبر 2020.
ومن ناحية منطقية، لا يبدو هذا بالكثير، فالطرفان أمضيا عامين كاملين في محاولات الوصول لاتفاقيات، والتغلب على مواطن التوتر بينهما. وبعد الفترة الطويلة تلك، كل ما استطاعا التوصل إليه هو تمديد الفترة لـ 21 شهر، ولكنهما اعتبراه إنجاز وتقدم معتبر. ويبدو أن هذا نال استحسان في سوق الأوراق المالية، ويوضح الرسم البياني أدناه التحركات يوم الإعلان:
سعر الصرف على الرسم البياني لخمس دقائق يوم إعلان الفترة الانتقالية في 19 مارس.
ولا يُظهر هذا التحرك الفوري أن المملكة تخطت منطقة الخطر بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. ولكنه يوضح أن الأسواق توقعت المزيد... فيسير المفاوضون البريطانيون في نفس الطريق الذي لا ينتهي إلى أي تقدم.
وحقيقة أن المستثمرين على استعداد لخفض رؤيتهم السلبية في نظير التلميح إلى التوصل لأي نوع من الاتفاق، يظهر إلى أي حد المفاوضات عقيمة.
الآن ماذا؟
يشدد أعضاء الهيئات التنظيمية في الاتحاد على أنه: "إذا لم نتفق على كل شيء، فأي اتفاق جزئي لا يعد اتفاق." وحتى اتفاقية الفترة الانتقالية ليست إلزامية من الناحية القانونية. والاتفاق النهائي ما يزال بعيدا كل البعد.
ووضحت الاتفاقية المبدئية شيئا واحدا فقط، وهو أن مقدار التسوية المالية التي ستتكبدها بريطانيا للخروج هي: 37 مليار يورو (52.29 مليار دولار). ويوجد قضية أخرى تم تحقيق تقدم فيها بفضل قرار الفترة الانتقاليةوهي: قضية المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا (والعكس البريطانيون القاطنون في دول الاتحاد). وتوصلوا إلى أنه طوال الفترة الانتقالية، أي تحركات لبريطانيا أو منها ستكفل للمواطنين نفس حقوق الذين عاشوا في البلاد قبل خروج بريطانيا.
وبالنسبة لأسواق المال، تعتبر الفترة الانتقالية أحد أهم التطورات لأنها تكفل للمؤسسات العامة والشركات الخاصة فرصة التكيف. فعلى سبيل المثال، يحتاج وكلاء الجمارك في أحواض السفن إعداد المواقع والمنشآت لتطبيق القواعد التنظيمية الجديدة، بينما الأعمال التي لم تعد خطة طوارئ ربما يحتاجون إلى تبديل المزودين.
ما تزال هناك عقبات جمة:
يبقى لمفاوضي خروج بريطانيا من الاتحاد عدد كبير من القضايا المعضلة التي تحتاج إلى حلول، ويلزم التوصل لتلك الحلول 365 يوم فقط.
تتضمن تلك القضايا: قضية الحدود بين المملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية، وجمهورية إيرلندا (كعضو في الاتحاد)، فهذه إحدى القضايا المتنازع عليها.
فلا يرغب أيا من طرفي إيرلندا في التحول إلى سياسة حدود مشددة مع الطرف الآخر، تلك السياسة التي تتضمن نقاط تفتيش جمركية، والتي سيلزم بريطانيا أن تضعها على حدودها عند انفصالها عن الاتحاد. وعرض الاتفاق المبدئي في 19 مارس خيار يسمح بتجنب تلك الحدود المشددة. فذكر في الاتفاق المبدئي أن ايرلندا الشمالية ستبقى جزءا من السوق الموحدة الأوروبية، وضمن الاتحاد الجمركي، ويظل هذا الاتفاق ساري لحين التوصل لحل بديل. وتأتي هذه الفقرة الخاصة بإيرلندا الشمالية، مع تشديد كل من دبلن وبروكسل على ضرورة التوصل لحل قبل انعقاد القمة التالية لقادة الاتحاد في يونيو.
وتظل احتمالية فشل الطرفين في التوصل لاتفاق قائمة، وفي حال كان الأمر كذلك سيلجأن إلى قواعد منظمة التجارة العالمية. وصدر تحليل عن منظمة RAND المتخصصة في شؤون السياسة الدولية، ويقول هذا التحليل أن اللجوء لقواعد منظمة التجارة هو السيناريو الأسوأ. فطبق حساباتهم سيقلل هذا العقود الآجلة للناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بمقدار 5%، أو 140 مليار دولار.
المصدر: تحليل مؤسسة RAND لتأثير السيناريوهات التجارية على معدل الناتج المحلي الإجمالي.
ويمكن أن يتسبب سيناريو واحد فقط من أصل سبعة سيناريوهات في نمو الاقتصاد البريطاني بشكل إيجابي (يعرض الرسم البياني أعلاه 4 من 7). وفي هذا السيناريو تنعقد اتفاقية متعددة الأطراف بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتكون الاتفاقية على شاكلة الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي. وتمنح مثل تلك الاتفاقية القدرة للملكة المتحدة على ولوج أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسهولة.
وأشار المحللون رغم ذلك أن سيناريوهات ما يعرف بـ "خروج ناعم من الاتحاد" سيكون بنفس مقدار فائدة عقد اتفاقية ثلاثية الأطراف فيما بين: المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي. ويقول المحللون تحديدا: "من المحتمل أن تؤدي السيناريوهات الثلاثة إلى خسائر اقتصادية متواضعة بالنسبة لاقتصاد المملكة المتحدة، مقارنة بتسويات عضوية الاتحاد الأوروبي."
ما تزال النشاطات التجارية هائمة:
تحاول كافة مؤسسات الأعمال في أوروبا كلها وبريطانيا وضع خطط مستقبلية رغم استمرار حالة عدم التأكد. عملت 10 شركات من الاتحاد الأوروبي (بنسبة 11%) نقل قوتها العاملة خارج المملكة المتحدة. وخسرت 9% من شركات مقرها المملكة المتحدة تعاقدات لها، أو ألغيت تلك التعاقدات كنتيجة مباشرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفق بيانات المؤسسة المعتمدة للشراء والعرض. ويمكن أن يزداد الوضع سوءا وتبدأ عمليات تسريح، أو ترتفع الأسعار لتوازن تكاليف البريكزيت.
يعمل مكتب محاماة Pinsent Masons لمساعدة الأعمال التي تمر بتغيرات تحولية، وجد المكتب أن 51% من الشركات عملت على تفعيل خططها الطارئة. وزعمت 40% من الشركات أنها ستقدم على تفعيل تلك الخطط بنهاية 2018، إذا لم تتوضح معالم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
تصعب حالة عدم التأكد تلك من الحكم على مقدار تأثر صافي عوائد الشركات، ولا سعر الأسهم.
ما تزال مفاوضات الخروج تحمل في جعبتها المزيد من الصدمات للسوق:
يوجد شك عميق حول رأي وزير شؤون خروج بريطانيا من الاتحاد بشأن الفترة الانتقالية، والتي قال عنها: "يجب أن تمدنا تلك الفترة بالثقة أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي أكثر قربا من إتمام اتفاق من أي وقت مضى". ومرد هذا الشك هو بقاء أهم القضايا الخلافية على الطاولة، حتى بعدما وقعت بعض الاتفاقيات المحدودة التقدم. وبينما، ساهم اتفاق الفترة الانتقالية في تخفيف حالة عدم التأكد إلى حد ما، فهذا الاتفاق لا يضمن بأي صورة من الصور وصول الطرفين إلى نتائج في المفاوضات.
ويشير انتعاش سعر الصرف عقب إعلان الفترة الانتقالية إلى أن الأسواق تستشعر بعض الراحة، وترجمت الإعلان على إنه إشارة حول تحرك الطرفين نحو الوصول للاتفاق والتخلي عن المواقف المتشددة السابقة. وما يزال الجنيه الاسترليني منخفضا بمقدار 8 سنت عن مستوى 1.4879 دولار، وهو المستوى الذي أغلق عليه بعد إعلان نتائج الاستفتاء في 2016.
ورغم من بدء تلاشي المخاوف من وقوع السيناريوهات السيئة، تبقى الأسواق داخل المملكة المتحدة وعلى مستوى العالم بعيدة كل البعد عن الوصول لحالة من الاطمئنان.
جدول زمني للمضاربة
- مزيد من المحادثات حول الحدود الايرلندية تنعقد في أبريل.
- يقيّم قادة الاتحاد الأوروبي التقدم أثناء محادثات القمة المنعقدة في يونيو.
- يسعى كلا الطرفين إلى التوصل لاتفاق سياسي واسع بحلول شهر أكتوبر.
- ويسمح هذا بوجود نافذة زمنية تقوم خلالها البرلمانات في دول الاتحاد وفي بريطانيا بالنظر في الاتفاقية والموافقة عليها قبل الموعد النهائي في مارس 2019.
- ويتم تطبيق الاتفاق النهائي، حال توصوا إليه، في ذلك الوقت.
- وفي تلك الحالة، ستبدأ فترة الـ 21 شهر الانتقالية، والتي تقوم فيها الاطراف بتعديل نفسها لقبول شكل العلاقة الجديد.