المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 24/12/2019
مر عقد آخر على سوق السلع، دون أي علامات على عودة الطلب على النفط، أو دفع الإنتاج له ليصل إلى 100 دولار للبرميل.
دخلت منظمة الأوبك عقدها السادس، ولا يعلم السوق إلى متى ستستمر قوة أو هيمنة المنظمة على سوق السلع. في واقع الأمر، بالنظر إلى القرارات التي اتخذتها أوبك في هذا العقد وحده، نرى أن قدرة المنظمة على الاستمرار، والتأثير الإيجابي على الأسواق يعد معجزة.
يقول جون كيلدوف: "منذ خروج النفط إلى الأسواق، وتداوله كسلعة من السلع تساءل العالم حول: إلى متى تستمر معاملات النفط، حتى تنضب آباره، أو متى سيصبح النفط سلعة لا أهمية لها في ظل وجود مصادر الطاقة الطبيعية." ويعمل كيلدوف مؤسس مشارك في صندوق تحوط الطاقة، آجين كابيتال.
"وتكتنف تلك المناقشة حول الوقود الحفري على مستقبل منظمة الأوبك، ودولها الأعضاء."
"ويكفينا قول، إنه وبعد عدد لا نهائي من المفاوضات خلال هذا العقد، لم نقرب أي اقتراب من الوصول إلى إجابة على تلك الأسئلة."
ذروة النفط تظل نظرية على أفضل حال
ذروة إنتاج النفط مقصود بها: نقطة افتراضية تمثل وصول إنتاج النفط الخام العالمي إلى معدله الأقصى، وبعد الوصول لتلك النقطة سيبدأ الإنتاج في التباطؤ. وهنا يكمن أفضل سيناريو لثيران النفط، خاصة لو ظلت مصادر الطاقة الطبيعية قاصرة الإمداد بحلول ذلك الوقت."
أمّا ذروة الطلب فستقضي على التوسع الذي هيمن على القرن الماضي، وتحدث بسبب الضغوطات التي يواجهها المستثمرون والحكومات للابتعاد عن النظم الاقتصادية المبنية على الوقود الحفري. وتعد تلك أسوأ السيناريوهات للوقود الحفري. وأشعلت وكالة الطاقة الدولية المخاوف بهذا الصدد في نوفمبر الماضي، مع توقعات باستقرار مستويات استهلاك النفط على مدار العقد.
منطقيًا، لا يمكن للطلب على النفط الاستمرار إلى الأبد
ويجدر بنا الملاحظة أنه وللمفارقة بعد أسبوعين من توقعات وكالة الطاقة الدولية، تبنى آندي هول نظرية وصول الطلب على النفط إلى ذروته، وهو أحد ثيران النفط القدامى، وأنجحهم. تمكن هول من ربح مئات الملايين من الدولارات لعملائه، ولنفسهم على مدار 30 عام، يتبنى نظرية اتجاه الطلب على النفط في اتجاه واحد، وهو: الصعود.
وقال هول في فاعليات بنيويورك: "عدا عن أننا نعلم منطقيًا أن هذا لن يحدث،" وأبهر هول الجمهور، لأنه الثور الوحيد الذي انتهجوه نهجه على مدار سنوات. ولم يشعر هول بأي ندم على تبنيه دعوات الطلب والاستهلاك غير النهائي على النفط، بقوله "الطلب على النفط ينمو بقوة منذ الحرب العالمية الثانية ... وبدا الأمر وكأن استهلاك النفط سوف يستمر للأبد."
ولكن تغيرات القصة بسبب: التكنولوجيا، والسيارات الكهربية، ومصادر الطاقة المتجددة، كما يقول هول، وتوقع أن ذروة الطلب على النفط سيصل السوق إليه العقد المقبل.
وقال عملاق صناديق التحوط المتقاعد: "لا يوجد أي احتمالية أنه وبحلول 2030، سنرى ركودًا أو تراجعًا في الاستهلاك العالمي،" وهذا مع اعترافه بأن الإنتاج في الولايات المتحدة، وفي البرازيل، والنرويج سوف يستمر."
النفط ربما له عودة، ولكن عودته لن تطول
توقع هول شيئًا آخر حيال قصة هذا العقد في سوق الطاقة، المتعلقة بوصول السعر لـ 100 دولار.
فقال: "هل سنرى 100 دولار مجددًا؟ قطعًا سيحدث هذا. ولكن ستكون عودة مؤقتة، ومحكوم عليها بالهلاك.
ما هي قصة الـ 100 دولار؟
تجذرت تلك القصة في عهد الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وعادت قبل ثورة النفط الصخري، تلك الثورة التي وضعت نقطة ختام لتلك الأرقام ثلاثية الخانة.
من ارتفاعات 147 دولار، إلى أين؟
عانى الاقتصاد الأمريكي من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الركود العظيم، دفعت تلك الأزمة خام القياس الأمريكي، خام غرب تكساس الوسيط، لأرقام قياسية أعلى 147 دولار للبرميل، في يوليو 2008، ومن ثم هبط إلى 32 دولار للبرميل في ديسمبر من ذلك العام.
ولكن تعافي ما بعد الأزمة، لم يستطع سوى رفع الأسعار لمستوى 80 دولار للبرميل في بداية 2010.
وفي العام التالي، حدث شيء لم يتوقعه سوق النفط: تظاهرات عام 2011، التي غرست جذور الأزمة الليبية، وراكمت أزمات الحرب الأهلية للدولة الواقعة في شمال أفريقيا، فتدخلت قوات أجنبية، مفضية بتدخلها إلى عزل وقتل معمر القذافي. وكان ليبيا في ذلك الحين واحدة من أهم منتجي النفط من بين دول أوبك، فهبط الإنتاج الليبي من 1.5 مليون برميل يوميًا إلى صفر تقريبًا بنهاية 2011، عندما اغتيل القذافي.
وفي تلك الأثناء كانت هناك تغيرات هيكلية في سوق النفط. فحدت خطوط الأنابيب من حركة النفط الخام في الولايات المتحدة، مما جعل خام غرب تكساس الوسيط صعب الحصول عليه، مقارنة بخام برنت العالمي، واستحوذ برنت على القمة من نظيره. أمّا نضوب الإمداد الذي أحدثه التوقف الليبي دفع برنت للتحليق فوق 100 دولار للبرميل في 2011، وظل هناك لـ 3 أعوام ونصف، دون أن يقدر أحد إزاحته من عرشه.
ثم جاءت ثاني صدمات السوق هذا العقد، والآن حان وقت الهبوط.
تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي، تلك التي أطلقت عنان الطاقة للنفط الأمريكي من التكوينات الصخرية، لتصبح الولايات المتحدة في صيف 2014 على بداية طريق التفوق عالميًا كأكبر منتج للنفط. وتحولت فجأة موازين قوى العرض والطلب من يد الأوبك المنفردة، إلى شد حبل بين أوبك، وبين المنتجين المستقلين بالولايات المتحدة، الذين ينمون يوم بعد آخر.
في السنوات الثلاث اللاحقة، هبط النفط لـ 26 دولار
تجاهلت الأوبك قوة النفط الصخري واستمرت الدول بإنتاج كميات ضخمة من النفط مما أغرق السوق. وفي غضون بعض الوقت، كانت إيران -رابع أكبر دولة منتجة- توقع اتفاق نووي مع الولايات المتحدة ومجموعة الخمسة الكبار، لتتحرر من قيود العقوبات، وتعود للإنتاج مرة أخرى.
ومع عودة إيران للسوق، وأزمة النفط الصخري هبطت أسعار النفط هبوط مدوي، ليصل برنت إلى 35 دولار للبرميل، في ديسمبر من 2015، وخام غرب تكساس الوسيط وصل لـ 26 دولار للبرميل في فبراير 2016.
ومن هنا جاءت الخدعة السحرية: أرنب روسي يخرج من قبعة أوبك
اتفقت الدول الأعضاء في أوبك، مع روسيا، وعدد من الدول الأخرى المنتجة للنفط على خفض الإنتاج، وكان العدد 25 دولة (15 عضو، 10 حلفاء تحت المظلة الروسية).
التزمت أوبك+ بتخفيض الإنتاج اليومي 1.2 مليون برميل يوميًا بداية الأمر، وشهدنا الحلفاء يلتقون هذا الشهر، ليعمقوا التخفيضات، وصولًا إلى 2.1 مليون برميل يوميًا، أي ما يمثل 2% من الإمداد العالمي. وبذلك نجحت مهمة إنقاذ النفط. وتظل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، كما تحولت إلى التصدير، وشحن منتجات بترولية للتصدير أكثر مما تستورد، منذ رفع الحظر عن شحنات النفط في 2015.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، واجهت أوبك تحديات في التحكم بسعر النفط. بينما ساعدهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دون قصد منه فالجميع يعرف حبه للأسعار المنخفضة، بزيادة العقوبات على إيران، وفرض عقوبات على فنزويلا.