في الأيام العشرة الأولى من نوفمبر، قبيل الانتخابات الأمريكية أسواق الدول النامية كانت في حالة مضطربة. في بعض الأسواق، خشى المتداولين فوز الملياردير ترامب، أما الأخرين ــ وزير الخارجية الأمريكي السابق هيلاري كلينتون. ولكن عندما تم الإعلان رسمياً عن فوز ترامب في السباق الرئاسي، انهارت العملات المحلية في الكثير من الدول النامية، اكثرها البيزو المكسيكي. عند الإعلان عن فوز ترامب هبط البيزو مقابل الدولار بنسبة 6.28% خلال يوماً واحد. لماذا المكسيك خائف من فوز الملياردير ترامب؟
هذا بسبب تصريحات ترامب المؤيدة لمذهب الحمائية. خلال حملته الانتخابية صرّح بأنه يجب إنقاذ المصنعين الأمريكيين من هيمنة السلع المنافسة من الدول الثالثة، الأمر الذي يعرقل نشاط النهضة الانتاجية في الولايات المتحدة و تقليص البطالة. في البداية وعد ترامب إلغاء إتفاقية التبادل التجاري الحر مع المكسيك حال فوزه، ولكن في وقتٍ آجل خلال زيارة خاصة إلى المكسيك أكد لرئيس المكسيك "إنريكه بينيا نييتو" أن الإتفاقية لن تُلغى. حتى أن الرئيس المكسيكي هنئ ترامب بالفوز، الأمر الذي سوف يُرسل برسالة إلى السوق بأنه لا داعي للقلق حول مستقبل السياسة الاقتصادية لترامب.
سوق العملات تجاهل تصريحات رئيس المكسيك. و خاصةَ أن الرئيس شعبيته ليست بالقدر الكافي في بلاده ــ الكثير من منتخبيه خاب أملهم فيه، عندما سمح بتسجيل زواج المثليين في بعض المقاطعات المكسيكية. لذلك، كانت التطمينات الشفهية للرئيس غير فعّالة. مع ذلك، البيزو أحدى أكثر العملات تقلباً في العالم، و يوجد أمل، أن بعد وقت الأمور تستقر و يُظهر البيزو نمواً جيداً. ولكن الآن العملة المكسيكية في هبوط مستمر.
على خلفية إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية انهارت الليرة التركية بنسبة 2.14% و المنات الأزربيجاني بنسبة 1.18% من قيمته. في تركيا لا ينتظروا تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تأزمت خلال الأزمة السورية. من الواضح، أن ترامب لم يفصح عن المبادئ السياسة الجديدة حول المسألة السورية، الليرة التركية سوف تبقى على مستوى عالٍ من التذبذب. أما أزبيجان كأحد أقرب حلفاء تركيا التجاريين، يخشى الفوضى الداخلية في تركيا.
بالنسبة للدولار رخص بقليل اليوان الصيني، الذي هبط بنسبة 0.57 %. فوز ترامب يعني للصين إمكانية فرض الجمارك على البضائع الأجنبية المستوردة، و في الدرجة الأولى الصينية. تقليص صادرات البضائع الصينية قد يُبطئ زخم النمو الاقتصادي الصيني، الأمر الذي قد يثير الاضطرابات في الأسواق. عدا ذلك، القلق يزداد بسبب البيانات الضعيفة الصادرة في الصين وقت الانتخابات الأمريكية حول الميزان التجاري لجمهورية الصين الشعبية.
في أكتوبر صادرات الصين هبطت بنسبة 7.3% بمعدل السنة، حيث كان المتوقع فقط 6%. مع ذلك، في سبتمبر تقلص الصادرات الصينية بلغت 10% بمعدل السنة. بدوره الاستيراد إلى الصين خبط بنسبة 1.4 % بمعدل السنة، أسوء من التوقعات السوق (هبوط بنسبة 1%). ولكن في سبتمبر واردات الصين تقلصت بنسبة 2 % بمعدل السنة. نذكر، أن المادة الأساسية للاستيراد الصيني هي موارد الطاقة، و انتعاش الطلب عليهم في الصين من أهم محركات انتعاش سوق النفط بالكامل و بالتالي ، إعادة نمو أسعار النفط. في حال تراجع الاقتصاد الصيني و فرض معوقات على الصادرات الصينية، فنظرياً هذا قد يؤدي إلى إنخفاض الطلب على الموتد الأولية المستوردة و عرقلة انتعاش سوق النفط.
من السابق لأوانه القلق بشأن الاقتصاد الصيني. عدم وجود الخبرة السياسة عند الملياردير و رجل الأعمال السابق ترامب لا تغنيه عن حدسه التجاري. الصين من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأمريكية، و لكن من ليس من الواقع أن الملياردير و رجل الأعمال السابق على الرغم من فقدانه للخبرة السياسية أن يفقد حدسه التجاري و أن يعصلج العلاقات مع الصين، المقرض الأكبر،الذي، من حيث المبدأ، بقدرته أن يبيع جزء من من سندات الخزانة الأمريكية التي يملكها، و بذلك يدفع الدولار إلى الانهيار. لذلك لم يحصل انهيار اليوان كما حصل في المكسيك. و كذلك لأن البنك الشعبي الصيني ينظم اليوان، فلا يسمح له الهبوط الكبير و لا الصعود كثيراً. اليوان الرخيص ــ ضمان المنافسة البضائع الصينية، ولكن المستثمرين في الاقتصاد الصيني ليس من مصلحتهم انهيار اليوان و الضطرابات في الصين. المنظم الصيني يفهم هذا الأمر جيداً. عدا ذلك، حتى و إن فرضت الولايات المتحدة الجمرك على السلع الصينية، فإن الصين باستطاعتها توجيه سيل البضائع إلى بلدان أخرى، بشكل خاص إلى السوق الروسي الكبير، إلى الأسواق الأوربية و كذلك إلى جارتها كزخستان. في 10 نوفمبر العملة الصينية بدأت في تعويض خسائرها.
الهبوط البسيط لليوان مقابل الدولار انعكس تأثيره على سوق العملات الكزخية و أدى إلى هبوط التنغى مقابل الدولار. بالنسبة لكزخستان الصين من أهم الشركاء التجاريين، حيث يبيع كزخستان النفط و الخامات المعدنية. أي اضطرابات قوية في الاقتصاد الصيني يثير القلق في كزخستان، إذ هبوط حجم استيراد الصين للمواد الخام أمر غير محبذ من قبل الكثير من الدول النامية و كزخستان بينهم. من جهة أخرى لهذا البلد شركاء مهمين أخرين، كروسيا و دول الأتحاد الأوربي، لذا تراجع الاقتصاد الصيني سوف يساعد تعزيز العلاقات المتبادلة بين كزخستان و روسيا و الاتحاد الأوربي. و يجدر الإشارة إلى أن التنغى تهبط أمام الدولار و اليورو ما يقارب الشهر، بشكل عام لأسباب داخلية: الإشاعات حول خفض البنك المركزي لسعر التنغى و المخاوف من عدم استقرار القطاع المصرفي. يتبع